اللاجئون الفلسطينيون من الريادة إلى التهميش
والتصفية
بقلم: إبراهيم أبراش
أين وصلت قضية فلسطين اليوم؟ انشغل الجميع بالسلطة
والحكم تحت الاحتلال وانكفأ مشروع التحرير وحق العودة إلى الهامش.
هزيمة حرب 1948 والتي أسموها "النكبة"
لم تكن فقط هزيمة عسكرية وليدة لحظتها، بل تتويجاً لفجوة بين عقليتين ومشروعين حضاريين
مختلفتين في رؤيتهما للحياة ولمصالحهما في فلسطين والمنطقة. جاءت النكبة نتيجة مخطط
بدأ من المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا 1897،مرورا باتفاقية سايكس ـ بيكو
1916، وعد بلفور، الانتداب 1920، الانقسام الفلسطيني الداخلي قبل النكبة، ونتيجة تفاهمات
سرية وعلنية بين الشريف حسين وابنه فيصل من جانب والبريطانيين واليهود من جانب آخر.
فهكذا مقدمات لا يمكنها إلا أن تنتج هكذا مخرجات.
ولأن النكبة محصلة ونتاج منطقي لعقلانية وموضوعية التاريخ الذي يكتبه ويصنعه الأقوياء،
لذا إن لم نتعامل مع النكبة وتداعياتها ضمن هذا المفهوم الاستراتيجي وبقينا نتعامل
معها من منظور الهزيمة العسكرية التي يجب الرد عليها بالسلاح والصواريخ والأنفاق فقط،
أو بالمراهنة على الشرعية الدولية فقط، فسنبقي بعيدين عن اللحظة التاريخية التي تمكننا
من إنجاز مشروعنا الوطني بالدولة وعودة اللاجئين.
من المهم اليوم أن نستمر في إحياء ذكرى النكبة
بكل وسائل التعبير والتوصيل المتاحة، حفاظاً على حق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين،
وحفاظاً على حق عودة اللاجئين لمدنهم وقراهم، وحفاظاً على ذاكرة الكبار وتغذية ذاكرة
الصغار بحقيقة ما جرى في سنة النكبة كأبشع جرائم القرن العشرين وكأبشع صور الاستعمار
في العالم، التي لا تقل عن جرائم النازيين ضد اليهود، وحتى لا يفلت المجرم الصهيوني
بجريمته.
إلا أن مستجدات تستدعي إعادة نظر فيما سبق من
نهج في إحياء الذكرى وفي رؤيتنا لمفهوم النكبة وكيفية مواجهة تداعياتها، وأن تكون الذكرى
السابعة والستون مختلفة عن سابقاتها من السنوات التي كانت غالبا عبارة عن مواسم ومهرجانات
للشعارات والنحيب وكلام مكرر عن التمسك بالثوابت وعلى رأسها حق العودة، موسم تنظمه
الأحزاب ومئات الجمعيات والتجمعات المتخصصة بقضية اللاجئين الفلسطينيين، يمتد ليوم
أو يومين ثم يتم طي صفحة اللاجئين انتظاراً للذكرى القادمة، وفي كثير من الاحيان يتم
طي الملصقات والشعارات والمنشورات والكلمات المكتوبة وحفظها لاستعمالها وتكرارها في
السنة الموالية!
مبررات ضرورة المعالجة المختلفة لرؤيتنا لمفهوم
النكبة ولقضية اللاجئين متعددة وأهمها:
فشل المعالجات المجتزأة للقضية الفلسطينية، ما
بين المقاومة بكل اشكالها، الشرعية الدولية، وحدة الجبهة الداخلية، ودعم المحيطين العربي
والإسلامي على قاعدة المشروع الوطني الفلسطيني. وهذا يعود لعدم الاستيعاب والفهم الدقيق
لأسباب النكبة كما ذكرنا أعلاه.
ما يتعرض له اللاجئون في سوريا ولبنان من خطر
الإبادة والتهجير الجماعي، وفي الدول الاخرى من إذلال وإهانات.
إن جيلا جديدا لم يعاصر النكبة ولم يكتو بنيرانها
ولا تختزن ذاكرته ذكريات وطن وأرض وحياة كان يعيشها حرا وسيدا، جيل انغمس وتم سحقه
في هموم الحياة اليومية وفي الصراعات السياسية وبات همه الأول إما تأمين حياة كريمة
حيث يعيش، أو التفكير بالهجرة مما تبقى من أرض الوطن ليلتحق بملايين اللاجئين والمهاجرين؟
توالي المبادرات والمشاريع الإقليمية والدولية
للتسوية والتي تتجاهل قضية اللاجئين أو لا تضعها على سلم اهتماماتها. بدءاً من اتفاقية
اوسلو إلى مبادرة السلام العربية ومشروع القرار الفلسطيني - العربي المُقدم لمجلس الأمن
في ديسمبر 2014 وأخيرا المبادرة الفرنسية محل البحث.
تراجع وتهميش دور اللاجئين الفلسطينيين في مراكز
صناعة القرار الفلسطيني بعد انتقال مركز ثقل العمل الوطني من الخارج إلى الداخل بعد
توقيع اتفاقية أوسلو.
تراجع مركزية حق العودة في سلم اهتمامات النخب
السياسية، واستعداد كثير منها لمساومة قضية اللاجئين بقضايا أقل أهمية كالحفاظ على
السلطة والحكم سواء في الضفة أو غزة.
دون إنكار او تجاهل الجهود الكبيرة لذوي النوايا
الصادقة ممن يشتغلون على قضية اللاجئين سواء من داخل الأحزاب أو من خارجها، إلا أنه
وللأسف فإن البعض ممن يتحمسون لإحياء ذكرى النكبة والندب على اللاجئين وأحوالهم،وبعد
أن تنفض مهرجانات إحياء الذكرى، يقومون بالتآمر على قضية اللاجئين من خلال المفاوضات
المباشرة وغير المباشرة مع الإسرائيليين والأوروبيين والأميركيين، وتبرعهم بعيدا عن
موافقة أو استشارة الشعب صاحب الحق والقضية بتقديم مبادرات لحل مشكلة اللاجئين بما
يتعارض مع القرار الأممي 191، وهو ما أدى لتقزيم قضية اللاجئين مع كل مبادرة جديدة
للتسوية.
هذا الأمر يستدعي وقفة ومراجعة لاستراتيجيات العمل
الوطني تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين سواء كمشكلة سياسية ودولية ووطنية عامة مرتبطة
بحق العودة، أو مشكلة تخص واقع حياة اللاجئين في سوريا ولبنان وما يتعرضون له من عمليات
إبادة وتهجير ممنهج، كذا حال الفلسطينيين في كل مكان خارج فلسطين،لأن كل من يعيش خارج
فلسطين يعتبر لاجئاً.
هناك علاقة بين ما يجري في سوريا ولبنان وما يجري
في مصر تجاه الفلسطينيين، فكل ذلك يندرج في إطار تصفية القضية الفلسطينية وكسر العلاقة
بين فلسطين وبُعدها القومي العربي بعد النجاح في كسر وتشويه وحرف العلاقة بين فلسطين
وعمقها الاسلامي عندما تم صناعة جماعات إسلام سياسي صادرت الدين وجعلت قضية فلسطين
في آخر سلم اهتماماتها، حيث تُقاتِل هذه الجماعات في كل مكان إلا في فلسطين، بل وتقتل
الفلسطينيين في مخيمات سوريا ولبنان وتتآمر بوعي أو بدون وعي على حق العودة.
لا ننكر صعوبة وخطورة التحديات التي تواجه منظمة
التحرير والسلطة في مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي وتداعيات الانقسام الداخلي، إلا أن
ذلك لا يمنع أن تولي المنظمة والسلطة أهمية لواقع الفلسطينيين في الخارج ومحاولة تصحيح
أخطاء تم ارتكابها بحق اللاجئين.وفي هذا السياق ومع صحة القول بأن فلسطينيي سوريا كما
كان الأمر مع فلسطينيي لبنان ضحايا صراعات وحروب اهلية، إلا أن مسؤولية المنظمة والسلطة
تتجسد في تجاهل اللاجئين في هذين البلدين منذ ان قررت السلطة وقف دعم وتمويل أهلنا
ومقاتلي الثورة في لبنان وسوريا في أواخر عهد الرئيس أبو عمار،عندما تمت محاصرته ومحاصرة
السلطة تحت عنوان الفساد، فيما كان الهدف فرض رقابة مالية تمنع وصول المال للاجئين
والمقاتلين في مخيمات سوريا ولبنان لدعم صمودهم وللحفاظ على الهوية الوطنية ولإبقائهم
جزءا من المشروع الوطني، وهو الأمر الذي أدى إلى فراغ في المخيمات ملأته الأحزاب والجماعات
الأخرى، التي تتقاتل اليوم في مخيم اليرموك وكانت سبب مآسي أهلنا في مخيمات لبنان وخصوصا
مخيم نهر البارد.
وأخيراً نذكر بأنه عندما انطلقت الثورة الفلسطينية
المعاصرة منتصف الستينيات من خارج فلسطين المحتلة ومن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين
كانت تحت عنوان التحرير والعودة، ولم تكن مسألة الدولة او السلطة حاضرة آنذاك، واليوم
ينشغل الجميع بالسلطة والحكم تحت الاحتلال ويتم تهميش مشروع التحرير ومشروع عودة اللاجئين.
المصدر: ميديل إيسيت أون لاين