اللاجئون الفلسطينيون
من سورية.. قصص مؤلمة ومعالجات سطحية
كريم عبدالله/ خاص «لاجئ
نت»
الخميس، 18 نيسان،
2013
طووا المسافات، وتغلبوا
على الشعور بطول الطريق وامتداده واليأس من الوصول إلى بر الأمان، وتناسوا نداء البيت
والجدران وذكريات الحارة والجيران بعد أن تلاطمت بهم أمواج الخيبة والحسرة، وصمّت آذانَهم
أصواتٌ لم يألفوها من قبل وتلوّنت أيامُهم بألوان الحزن والدماء.
إنهم ثلّة من فلسطينيي
سورية الفارّين من جحيم الصراع الذي أرخى بسدوله على حياتهم، فجعلها لحظات بين انتظار
الموت أو اتخاذ قرار الخروج والفرار.
أبو محمد
لاجئ فلسطيني من قرية
فرْعم قضاء مدينة صفد، لجأ أبواه إلى سورية منذ عام 1948، ونقلتهم الحياة بين المدن
والقرى والمخيمات، حتى استقرّ بهم المقام هو وإخوته بعد وفاة الأبوين في مخيم الحسينية
في ريف دمشق الواقع على بعد حوالى 15 كم عن قلب العاصمة دمشق.
يروي لنا أبو محمد كيف
خرج من المخيم «لم نفكر بالخروج، إلا أن القصف الجوي لحيّنا وتدمير منزلنا، بالإضافة
إلى ستة منازل أخرى إلى جانبه، جعلنا نتدافع نحو أي منفذ قد يخرجنا من ذلك المكان.
كان برفقتي أولادي التسعة وزوجتي وإخواني وأبناؤهم. لقد توجهنا إلى منطقة عين كرش في
دمشق لإخراج التصاريح للسفر إلى لبنان، فإذا بجموع اللاجئين الفلسطينيين هناك كالبحر
الهادر في تزاحم لم أره من قبل في حياتي، فالكل كان يفكر مثلي بالبحث عن الأمن والأمان
المفقودين.
وصلنا إلى لبنان، وتوجهنا
مباشرةً إلى مخيم عين الحلوة، حيث وجدنا تعاطفاً كبيراً من أهلنا هناك، وبدأت رحلة
البحث عن منزل في مكان ضاق أصلاً بساكنيه وتضاعف عددهم بسبب اللجوء الكبير إليه من
مخيمات سورية، واستمر بنا الحال كذلك حتى تبرع لنا أحد سكان المخيم وبسعي حثيث من أهل
الخير بمنزل متروك منذ مدة مات أهله بسبب قصف الطيران الإسرائيلي له أثناء الاجتياح
لبنان 1982، فقدموه لنا مجاناً مشكورين فكان بمثابة الغيث لأرض أصابها القحط وفرحنا
به فرحاً كبيراً لأنه سيأوي ثمانية عشرة نفراً كان الشارع مستقرهم ومقامهم يومئذٍ».
أبو نورس....
الأخ الأوسط لأبو محمد
تراه مبتسماً كثير المزاح والضحك، إلا أن لقاءنا به كشف الحقيقة المرة الكامنة وراء
هذا السلوك عندما سألناه عن عائلته وأجاب «لا عائلة لي! لقد أصبحت وحيداً بلا مؤنس
منذ وفاة زوجتي، وتبددت أحلامي يوم رحلت ورحل معها ولدي الذي كنت أنتظر قدومه، لقد
كانت حامل في شهرها الثامن عندما قصف الطيران مخيم الحسينية يوم 14/ 11/ 2012 ومن شدة
الخوف وهول القصف أصابها نزف صاعق أودى بحياتها وبحياة الجنين.
تأخرت بالزواج حتى أكوّن
نفسي وبلغت من العمر أربعين عاماً، كنت أخطط لولدي حياة جميلة غير التي عشناها، حياة
بعيدة عن الفقر والحرمان، إلا أن إرادة الله هي الغالبة والحمد لله على ذلك.
لقد فتشت عن عمل في
صيدا ولم أجد، فرحت أجمع علب البلاستيك والكولا
من حاويات القمامة لأبيعها واشتري لأهلي الطعام فنحن نحتاج يومياً لـ (12) ربطة خبز
أي 15000 ليرة لبنانية (خبز حاف) ناهيك عن بقية الاحتياجات من حفاضات وحليب للأطفال
وأدوية وكساء التي لا قدرة لنا على شرائها».
أبو محمد إبراهيم
أصغر الأخوة عمراً يشكو
من آلام بسبب إصابته بعدة طلقات نارية في بطنه، تعرض لها في مخيم اليرموك قبل ذهابه
إلى الحسينية، ورغم ذلك حاول العمل عندما سنحت له الفرصة كما أخبرنا «تناولت المسكنات
القوية حتى لا أشعر بالأوجاع أثناء عملي في رفع الحجارة وحمل الباطون، إلا أن هذا لم
ينفعني وزاد من معاناتي لحداثة جرحي مما اضطرني لترك العمل والبحث عن عمل أقل عناءً
لكنني حتى الآن لم أجد». ويتابع «ذهبت إلى عيادة أحد أطباء الجراحة في بيروت وطلب مني
استقصاءات عديدة مثل ايكو للبطن وصورة أشعة وتحاليل، فراجعت طبيب الأونروا الذي رفض
بدوره إحالتي لإجرائها وأعطاني دواء عبارة عن مرهم قائلاً: (ما فيك شي)!! وابني الصغير
بحاجة إلى إجراء صورة رنين مغناطيسي ومتابعة من قبل طبيب عصبية، لأن لديه شكوى سابقة
في رأسه ناجمة عن نزف تحت الجافية ولا قدرة لي على إجرائها».
هذه نافذة سنحت لنا
الفرصة أن نطل من خلالها على حياة بعض اللاجئين الفلسطينيين من سورية في لبنان إلا
أن جدران البيوت ومراكز الإيواء تخفي خلفها ما هو أكبر وأعظم، فلا المساعدات تكفي ولا
المال موجود ولا حل في الأفق يلوح، ويبقى اللاجئ فريسة للظلم والجوع والقهر بانتظار
فرجاً قريباً من الله وحده.