القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

اللاجئون الفلسطينيين في العراق.. حقل تجارب لمشاريع التوطين والتذويب

اللاجئون الفلسطينيين في العراق.. حقل تجارب لمشاريع التوطين والتذويب

محمد المحمدي

ما نسمعه الآن في العراق، وما يجري تداوله عن منح الفلسطينيين ممن بقوا في العراق الجنسية العراقية، وهم الذين يصل عددهم إلى ما يقرب من سبعة آلاف نسمة، كلام ليس بالجديد؛ فمشاريع التوطين في العراق قديمة، والفكرة عند الكيان الصهيوني وعند أمه أمريكا حاضرة من تاريخ تأسيس هذا الكيان المسخ.

إن فكرة الحفاظ على حق العودة تمر عبر منع تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة؛ حتى لا ينسى الفلسطيني أرضه ويذوب في المجتمعات التي لجأ إليها مُكرهاً، وهذا عنوان ثقافة حق العودة منذ تاريخ النكبة. وفي إطار حديثنا عما يجري في العراق يجب أن نعرف أن الحكومة العراقية ذات توجهات مضادة لتجنيس الفلسطينيين في العراق، ليس حفاظاً أو تمسكاً بالحقوق الفلسطينية بقدر ما هو قلق وخوف ممزوج ببغض وكره للوجود الفلسطيني، مضافاً إليه هواجس أمنية تظهر بوضوح من الممارسات العملية للقوات الأمنية على أرض الواقع؛ فقد ضرب مجمع البلديات السكني للاجئين الفلسطينيين الرقم القياسي في عدد مرات التفتيش من قبل القوات الأمنية التي لا تترك فرصة أثناء التفتيش لأجل إظهار مشاعرها المبغضة للفلسطينيين.

لو سألت أصغر طفل فلسطيني في العراق عن قصة التجنيس، لأجابك بلا تردد بأنّ هذا المشروع يخدم الكيان الصهيوني، ويراد منه أن يترك الفلسطيني مقدساته وأرض آبائه وأجداده.

كثيرة هي المشاريع التي جُربت على اللاجئين الفلسطينيين في العراق، والتي ستطبق على مناطق أخرى للجوء الفلسطيني، أي أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق - كما صرخنا دائماً- صاروا حقل تجارب لمشاريع التوطين ولمشاريع التذويب.

ما لا يجب أن ننساه أن الزعامات الفلسطينية وقفت عاجزة أمام ما حصل لفلسطينيي العراق من قبل الاحتلال الأمريكي أو من قبل الميليشيات الطائفية، وترك اللاجئون أمام عدو حاقد لئيم لم يستثنِ طفلاً أو شيخاً أو امرأة. ما أقوله ليس جلداً للذات بقدر ما هو تعامل مع الحقائق التي حصلت. ولعل زيارة محمود عباس للعراق، وعدم زيارته لأبناء شعبه خير دليل على الإهمال الذي حصل تجاه معاناة اللاجئين في العراق.

ما حصل للاجئين قسّمهم إلى ثلاثة أقسام:

- قسم سلك طريق الهجرة إلى الدول الغربية، معتمداً على قدرته الاقتصادية.

- قسم لجأ إلى الصحاري في المخيمات الحدودية، مرتضياً حياة البؤس والشقاء في مخيمات عُدمت فيها الإنسانية والأخلاق، وتنكّر الجميع لهؤلاء المساكين إلا "المغنين والممثلين الأمريكان". وللأسف، وللعلم، ما زال نحو 350 شخصاً منهم في مخيم الوليد في العراق، وأضعاف هذا العدد في مخيم الحسكة في سوريا.

- قسم لم يقبل بأن يذهب إلى الصحاري، ولم تتيسر له الفرصة للهجرة إلى الدول الغربية، إما بسبب عجزه الاقتصادي، أو بسبب ما يحمله من اقتناعات تجاه الهجرة إلى الدول الغربية، فآثر البقاء في العراق، محتملاً ما يحصل له من ظلم، شاقاً طريقه بين الأشواك ليثبت في مكانه كواقع أفضل من الصحراء أو من الدول الأوروبية.

الحديث اليوم هو عمّن بقي في العراق من لاجئين فلسطينيين تضطرهم الظروف في كثير من الأحيان إلى أن يخفوا فلسطينيتهم، لا تنكراً لها (فكم دفعوا دماءً ثمناً للحفاظ عليها) بقدر ما هو اضطرار إلى كسب لقمة العيش، أو للحصول على وظيفة. لاجئ مر بظروف قاسية جداً ومؤلمة جداً، ليطرح عليه اليوم أن يمنح جنسية عراقية سيجدها اللاجئ الفلسطيني مخرجاً له من كل البؤس الذي حل به؛ إذ سيتمكن من العمل، وسيستطيع أن يسير في الشارع من دون خوف، وسيسافر إلى أهله في شتاتهم من دون أن يمنعه أحد أو أن "يلطعه" الساعات الطوال على الحدود لأنه يحمل وثيقة سفر، وسيتمكن من التقدم للوظائف الحكومية، وغير ذلك من الامتيازات.

الغريب أن الكل يسكتون عمّن جرى تشتيته إلى أمريكا اللاتينية أو إلى أمريكا (رأس الأفعى) أو إلى أوروبا، ومن ثم تجنيسه.

فاللاجئ إن ذهب إلى أوروبا أو أمريكا وتجنس وذاب هناك، فلا بأس في الأمر. أما عند الدول العربية، فهذا غير ممكن. أي أننا أمام خطة (دالت) جديدة تدفع باللاجئين إلى أوروبا.

هذا هو المشروع الصهيوني: تضيّق ومعاناة وبؤس وشقاء وتخلٍّ ممن نصّبوا أنفسهم أوصياء على الشعب الفلسطيني. ثم يعرض على اللاجئ المخرج من هذا كله: تجنيس وخلاص، أو مجهول ينتظرك أيها اللاجئ الوحيد. فهل لدينا القدرة على الوقوف أمام هذه المشاريع ونحن نحمل ثقافة تجاوزها الزمن؟

أم نحن بحاجة إلى إبداعات جديدة بمستوى الحراك الذي حصل في يوم الزحف على الحدود اللبنانية والسورية، كثقافة عودة إبداعية جديدة؟

المصدر: مجلة العودة