اللاجئون وهذا الإصرار
أمجد عرار
مثل ذكرى يوم النكبة، جاءت ذكرى يوم الهزيمة صرخة عودة وكرامة من على حدود فلسطين، وليس كما كان الهمس من خيام اللجوء البعيدة عن الأسلاك الشائكة . ليس هناك من غرابة في هذا التطوّر الجديد، ولا معنى لتفسيرات سفسطائية تحاول تذويب دماء الشهداء في محاليل المنطق الانهزامي. لا يا فلاسفة إدمان الاستكانة، اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لم يزحفوا للعبور إلى وطنهم يأساً أو هرباً من فقر أو بؤس حال في المخيّمات.
لم يذهب لاجئو المخيمات اللبنانية إلى الحدود في تظاهرة 5 يونيو كما فعلوا في 15 مايو، ليس لأنهم تراجعوا أو تسلل اليأس إلى قلوبهم، بل لأنهم احترموا قرار الدولة اللبنانية التي طالبت بعدم الاقتراب من الحدود خشية تكرار ما جرى في مارون الراس في ذكرى النكبة، بصرف النظر عن موقفنا من هذا القرار الذي نشم فيه رائحة ضغوط دولية الكثير منها كان معلناً.
مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، أصبح في اليوم التالي للنكبة ساحة توتّر وتنفيس غضب نابع من كبت شعور الشباب الذين حرموا التوجه إلى حدود بلادهم، وما زاد من غضبهم أنهم رأوا أشقاءهم يسطّرون ملحمة بطولية على الحدود مع الجولان ويقدّمون أرواحهم قرابين لحق العودة المقدّس باعتباره حقاً فردياً، إضافة إلى كونه حقاً وطنياً، ولا يمكن التفريط به بالصفتين.
ثار الفتيان اللاجئون غضباً لأنهم لم يحصلوا على شرف الشهادة مثل أقرانهم، ولأنهم سمعوا المواقف المنافقة لقادة العالم الذين لا يعترفون بإنسانية البشر عندما يكون القاتل “إسرائيل”، ويمنحونها “الحق” في قتل إنسان قام بنشاط سلمي للتعبير عن حق تضمنّته قرارات الشرعية الدولية. لا تحتاج هذه المواقف إلى التوقّف طويلاً عندها حتى لا نثير انطباعاً بأننا نستغربها، لكن أصحابها فضلاً عن نفاقهم المزمن، يجهلون عمق تمسّك اللاجئين الفلسطينيين بعودتهم ليس إلى وطنهم فحسب، إنما إلى مدنهم وقراهم وهم يدركون أن قسماً من الذين اقتلعتهم العصابات الصهيونية عام ،48 وأقاموا في مخيّمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، إنما هم لاجئون أيضاً وينطبق عليهم حق العودة مثل اللاجئين خارج فلسطين.
لو أتيح لقادة النفاق الدولي أن يكونوا وسط مخيم عين الحلوة، للمسوا بأنفسهم هذا الإصرار الأسطوري لشباب الجيل الثالث من اللاجئين، وتصميمهم على العودة إلى وطنهم . لكن يمكن لقادة النفاق أن يقرؤوا ما تناقلته وكالات الأنباء عن ألسنة فتيان بعمر الورد يؤكدون تصميمهم على المشاركة في أي مسيرة من أجل العودة الى فلسطين. أحد الفتيان حزين ليس لأن رفيقيه استشهدا في مسيرة العودة على الحدود اللبنانية، بل لأنه كان من المفترض ان يستشهد معهما.
كان يمكن لنا أن نأمل في رؤية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يروّج لولايته الجديدة من قلب المخيمات التي تدخل في نطاق المسؤولية السياسية والأخلاقية للمنظمة الدولية التي يقف على رأسها . ومع ذلك، فإننا ندرك أن بطاقة التمديد لرئاسته لن يحصل عليها في المخيمات، ونفهم موقفه المدافع عن “إسرائيل” مهما قالت وفعلت.
هذا ما استقر عليه المنافقون، لكن عليهم أن يفهموا أن الحق الفلسطيني وراءه مطالبون مكافحون، وأن مقولة غولدا مائير عن موت الكبار ونسيان الصغار، قد فضح غربالها في مجدل شمس، وطأطأت رأسها في مارون الراس.
الخليج، الشارقة، 8/6/2011