«اللاجئين» هي الهدف وليس «الأونروا»
بقلم: عبدالله الأيوبي
تعرضت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
«الأونروا» لهجمة شرسة من جانب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي صرح
أمام الجلسة الاسبوعية لحكومة الاحتلال بأن «إسرائيل» قدمت طلبا إلى سفيرة الولايات
المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي بهذا الشأن أثناء زيارة الدبلوماسية
الأمريكية للكيان الصهيوني، فهذه الهجمة «الإسرائيلية» الأخيرة ضد المنظمة الدولية
ليست وليدة تطورات سياسية جديدة، ولم تكن ردة فعل «إسرائيلية» حيال موقف صادر عن الأونروا
أو أي من الوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وإنما يأتي في سياق سياسة «إسرائيلية»
ذات أبعاد سياسية استراتيجية تستهدف بالدرجة الأولى وقبل كل شيء شطب قضية اللاجئين
الفلسطينيين وحقهم المشروع في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها بعد قيام دولة الاحتلال
على أرضهم التاريخية عام 1948 واحتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967 خلال حرب يونيو.
فوجود «الأونروا» كهيئة شرعية قانونية تابعة
للأمم المتحدة واستمرار أعمالها الإغاثية للاجئين الفلسطينيين يعد شاهدا على وجود واستمرار
المعاناة والمأساة الإنسانية التي يجسدها أكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات
ويتلقون المساعدات من هذه الوكالة الدولية والتي تعرضت للعديد من الضغوطات من جانب
الدول الداعمة المؤيدة لسياسة الكيان الصهيوني وعلى رأس هذه الدول تأتي الولايات المتحدة
الأمريكية التي تعتبر الداعم المادي الأكبر لهذه الوكالة الدولية، فاستمرار نشاط هذه
الوكالة يعني بالنسبة للكيان الصهيوني تذكيرا مستمرا للعالم بالمأساة الفلسطينية المتمثلة
في وجود هذه الأعداد الهائلة في الشتات وفي ظروف معيشية وحياتية صعبة.
فالكيان الصهيوني يدرك جيدا ان وجود واستمرار
مأساة اللاجئين الفلسطينيين يعني تذكير العالم بهذه القضية الإنسانية من جهة، ومن الجهة
الأخرى يضع دول العالم أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية لإيجاد حل جذري لهذه المأساة،
مثل هذا الحل يعني تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى وطنهم وإقامة دولتهم المستقلة
القادرة على إيوائهم وتوفير مقومات العيش الكريم لهم أسوة بجميع شعوب العالم، مثل هذا
الحل يعني بالنسبة للقادة «الإسرائيليين» زيادة ضغط المجتمع الدولي على الكيان الصهيوني
للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة والقبول بإقامة مثل هذه الدولة.
على مدى أكثر من سبعين عاما منذ قيام الكيان
الصهيوني، وطوال مدة الخمسة عقود التي مضت على احتلال «إسرائيل» لما تبقى من أرض فلسطين،
عملت جميع الحكومات «الإسرائيلية» بشراسة على طمس الهوية الوطنية الفلسطينية وإقناع
المجتمع الدولي بعدم وجود قضية لاجئين أو شعب مشرد من وطنه، فهذه الجهود «الإسرائيلية»
لم تتوقف ولم تتراجع وتيرتها درجة واحدة، بل هي في تصاعد مستمر وتتخذ أساليب وطرقا
مختلفة ومتنوعة، فلا يمكن -على سبيل المثال- فصل مطلب نتنياهو بإلغاء وكالة «الأونروا»
عن السباق المحموم بين قادة الكيان الصهيوني للتوسع في مشاريع الاستيطان في الأراضي
الفلسطينية التي احتلت في عدوان الخامس من يونيو عام 67، وارتباط كل هذه الجهود بالمماطلات
المستمرة لقادة الكيان الصهيوني للتهرب من استحقاقات السلام ووضع حل جذري ونهائي لمأساة
الشعب الفلسطيني.
حساسية وامتعاض قادة الكيان الصهيوني من
مواقف العديد من المنظمات والوكالات الدولية مثل «الأونروا» و«اليونسكو» وغيرها، ليس
لها حدود، فالدعاية «الإسرائيلية» تروج الأكاذيب حول موقف هذه المنظمات من محاولات
الكيان الصهيوني طمس العديد من الحقائق الثقافية والجغرافية والإنسانية الخاصة بالشعب
الفلسطيني، مثل موقف «اليونسكو» من مدينة القدس التاريخية واعتراف المنظمات الدولية
كلها بحق الشعب الفلسطيني بالعيش في وطن يتمتع فيه بكامل حقوقه الإنسانية، مثل هذه
المواقف تشكل إزعاجا مستمرا لقادة الكيان الصهيوني، الذين فشلوا حتى الآن في تغيير
القناعة الدولية بوجود مأساة إنسانية متمثلة في استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين
وعدم مشروعية الاحتلال وتغيير الحقائق الجغرافية والديمغرافية والثقافية في الأراضي
الفلسطينية المحتلة.
الدعاية «الإسرائيلية» تحاول تصوير مواقف
هذه المنظمات على أنها تنطلق من «عداء» متعمد يستهدف «تشويه» صورة «إسرائيل» لدى الرأي
العام العالمي وإظهارها بمظهر الدولة المارقة المتمردة على القوانين والشرائع الدولية،
لكن الحقيقة تقول عكس ذلك، فالمنظمات الدولية ليست خاضعة لضغوط عربية أو لابتزاز من
جانب الدول العربية، بل على العكس من ذلك فإن هذه المنظمات تقع تحت تهديد الدول الداعمة
«لإسرائيل» بقطع مساهماتها في أعمال وأنشطة هذه المنظمات، ثم الأهم من ذلك كله، فإن
شعوب العالم المختلفة ليست بحاجة إلى جهود المنظمات الدولية لإظهار حقيقة وطبيعة الصفات
العدوانية للكيان الصهيوني.
فـ"إسرائيل" هي الدولة الوحيدة
فوق الكرة الأرضية التي لا تخجل ولا تتردد في إعلان نفسها دولة عنصرية تحت الغطاء الديني،
وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل أرض شعب بأكمله وتشرده منها وتملؤها بالمستوطنين
الذين تجلبهم من مختلف بقاع الأرض، وهي الدولة التي تمارس تمييزا عنصريا دينيا حتى
بين من تسميهم بالمواطنين «الإسرائيليين»، فعرب فلسطين عام 48 الذين يحملون الجنسية
«الإسرائيلية» لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها اليهود «الإسرائيليون»، والأمثلة
على ذلك كثيرة، واستهداف المنظمات والوكالات الدولية من جانب «إسرائيل» والدول الداعمة
لها لن يتوقف، طالما بقي قلب القضية الفلسطينية نابضا.