المبادرة
المصرية.. تآمر على مقاومة غزة
بقلم:
جابر الحرمي
ما
الذي دفع "الرئيس" المصري المشير عبدالفتاح السيسي إلى القفز مرة واحدة
بعد أسبوع من العدوان الإسرائيلي على غزة للتقدم بطرح ما تسمى بـ
"مبادرة" للتهدئة بين الكيان الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس،
رغم أنه ظل "صائما" عن الكلام، و"مقعدا" عن الحركة طوال
أسبوع، لم يتحرك من أجل غزة، اللهم إلا لقاءه بمستشاره توني بلير الذي يتسلم
"المقسوم" من دولة أخرى للقيام بتقديم الاستشارة للمشير، واتصالين يتيمين
أجراهما الأخير؟
ملخص
الأمر أن "السيسي" جاءته الأوامر بالتحرك لطرح "مبادرة" تحفظ
ماء وجه صديقه نتنياهو، الذي تورط في مستنقع غزة ـ أو بمعنى أصح ورط من قبل بعض
الحبايب ـ ولم يعد قادرا على وقف العدوان دون وجود غطاء يسمى مبادرة للتهدئة،
بالتعاون مع صديقه الآخر "عباس"، الذي يذبح شعبه في غزة، وهو جالس في
رام الله يتابع القتل الذي تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويتولى التنسيق
الأمني مع أصدقائه الإسرائيليين، وفي المقابل يناصب المقاومة الفلسطينية العداء،
ويتهمها بـ "العبثية" فيما تفعل مع ملاحظة أن السيد محمود عباس يقوم
حاليا بجولات لذر الرماد في العيون.
ولم
يكن في الحسبان أن تقدم المقاومة الفلسطينية ـ حماس تحديدا ـ هذا الأداء المقاوم،
وهذا الصمود المفاجئ، بل أن تكشف عن هذا القدر الكبير من القدرة العسكرية في ضرب
العمق الإسرائيلي، والوصول إلى مختلف المستعمرات والمغتصبات الإسرائيلية، وهو ما يحدث
لأول مرة في تاريخ الصراع، فحتى الجيوش العربية لم تقدم على ضرب العمق الإسرائيلي
كما تفعل اليوم المقاومة البطلة، إضافة إلى الكشف عن أنواع متعددة من الأسلحة،
والفرق العسكرية المدربة، وطائرات الاستطلاع دون طيار، والأنكى أن المقاومة هي
التي باتت تتحكم بزمام المبادرة في الردع، فيما العدو الإسرائيلي ظل يراوح مكانه
في استخدام الآلة العسكرية الفتاكة الموجهة للأبرياء والآمنين، والمتمثلة في القصف
الجوي عبر الطائرات ومدفعية الصواريخ دون التفريق بين المدنيين بمن فيهم الأطفال،
فيما عدا ذلك لا يملك خيارا آخر، وهو أمر ألفته المقاومة، وألفه شعب غزة طوال
السنوات الماضية، فليس هناك جديد في القوة العسكرية الإسرائيلية، بينما المقاومة
الفلسطينية هي التي فاجأت العدو بهذا الكم من الأسلحة النوعية، وهذه القدرة في
المناورة، ما أربك حسابات نتنياهو ومن معه في الداخل والخارج، فأصبح كل يوم يمر
عليه يكلفه الكثير، ويزيد السخط اليهودي عليه، خاصة أنه يجعل نحو 6 ملايين
إسرائيلي في حالة من الرعب، وأنهم معرضون للقصف في أي لحظة، ما حملهم على الاختباء
في الملاجئ، إضافة إلى تكبيد القطاعات الاقتصادية، خاصة السياحية منها خسائر
بالملايين..، هذا كله دفع نتنياهو للجوء إلى صديقه "السيسي" بالتنسيق مع
الصديق الآخر "عباس" لإنقاذه عبر طرح مبادرة مصرية تخرج الطرف الأول من
المعركة مع حفظ ماء وجهه.
لكن
السؤال: كيف يقبل "السسيسي" على نفسه أن يتولى طرح مبادرة تكون حماس
طرفا فيها، وهي التي بنظر "السيسي" والانقلابيين في مصر
"إرهابية"، وسبق للقضاء المصري "الشامخ" أن أصدر أحكاما
بإغلاق مكاتب حماس ـ وإن كان أصلا لا يوجد مكاتب للحركة في مصر ـ وأنها ترسل
المقاتلين لقتل الجنود المصريين، وأنها اقتحمت السجون وأطلقت المعتقلين.. فكيف
بهذا "الرئيس" يدخل طرفا لإعداد مبادرة لوقف "القتال" بين
إسرائيل "الحبيبة" وحماس المقاومة.
وليس
هذا فحسب، فإن الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي متهم بالتخابر مع حماس، ومسجون
بهذه التهمة.. واليوم السيسي يدخل وسيطا بين حماس وإسرائيل.. أليس هذا
"تخابر" و "تعاون" مع حماس "العدو"، ويفترض أن يكون
مصير السيسي السجن أيضا بتهمة العمل مع حماس؟!
وقبل
هذا فإن حماس هي "إخوان مسلمين".. كيف يقبل "السيسي" الوساطة
بين طرفين أحدهما
يمثل
"الإخوان" ؟ كيف يقوم بهذا التناقض، لكن يظهر أن "السيسي"
معتاد أصلا على التناقضات منذ استيلائه على الحكم بانقلاب عسكري ضد أول رئيس منتخب
في مصر.
اعتقد
"السيسي" أن "ورقة التوت" التي سيعلن عنها بأمر من صديقه
نتنياهو، وصياغة من صديقه الآخر عباس، وقبول الصهاينة بها، فإنه لن يكون أمام حماس
خيار سوى القبول بها، وبكل "علاتها" ومساوئها"، ولن تجرؤ هذه
الحركة على الاعتراض على ما جاء فيما يسمى بـ "المبادرة" خاصة أنها
مشروع "سيساوي"، لكن المفاجأة كانت عندما رفضت حماس ـ ومعها حركة الجهاد
الإسلامي ـ هذه المبادرة، وأعلنت أنه لم يتم التشاور معها، ولم تعلم بهذه
"المبادرة" إلا من الإعلام، وأن ما جاء بها يخدم الإسرائيليين، ويوفر
للعدو خروجا "آمنا" من غزة، على الرغم من كل الجرائم البشعة التي
ارتكبها بحق الأبرياء الآمنين في القطاع، مع بقاء الأوضاع في غزة كما هي، دون رفع
للحصار وفتح للمعابر وإطلاق الأسرى الذين أعيد اعتقالهم بعد صفقة شاليط، وإبعاد
الآلة العسكرية الإسرائيلية عن حدود غزة..، وغيرها من شروط المقاومة لوقف القتال،
والتي يحق لها أن تضع شروطها، فهي اليوم تتحدث من منطلق قوة، خاصة أن العدو
الإسرائيلي لا يعرف إلا منطق القوة، ولنا في اتفاقيات أوسلو مثال صارخ للانتهاكات
المتواصلة، والتوسع الاستيطاني المتسارع الذي يكاد يلتهم القدس، والمداهمات المستمرة،
والاعتقالات المتواصلة والاغتيالات المتلاحقة والعدوان المتكر.
وفي
الوقت نفسه لا يمكن لأهل غزة والمقاومة فيها أن يسكتوا عن هذا الحصار الجائر
الممتد لثماني سنوات، وإن سكت العرب وقبلوا بقتل أشقائهم، بل المشاركة في القتل
البطيء الذي ينفذ ضد أهل غزة عبر إحكام هذا الحصار، بما في ذلك معبر رفح على
الجانب المصري، فكيف يمكن القبول بهذا الوضع، والرضوخ للإملاءات الصهيونية.. وكيف
بمبادرة تطرح لوقف العدوان دون أن يكون لرفع الحصار مكان فيها؟ كيف يقبل العرب قبل
أهل غزة بهذا الوضع بحصار استمر 8 سنوات ضد الأبرياء، فيما شرفاء قريش من المشركين
رفضوا استمرار حصار بني قومهم وإن كانوا على غير ديانتهم في شعب أبي طالب أكثر من
3 سنوات، فهل يعقل أن شرفاء كفار قريش أكثر مروءة ونبلا وشرفا من عرب اليوم ؟!
وهنا أستغرب مما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخرا من أن علاقات بلاده مع
حماس متوترة بسبب التوجه العقائدي لحماس!
وهو
ما يطرح تساؤلا: ما هو التوجه العقائدي للوزير المصري الذي يناقض التوجه العقائدي
لحماس، والذي يسبب كل هذا التوتر، وهل التوجه العقائدي للكيان الصهيوني يتماهى
ويتفق مع التوجهات العقائدية للحكومة المصرية، حتى يكون كل هذا التنسيق والتطابق
في وجهات النظر، والعمل معا ضد حماس وضد كل ما هو مقاوم على أرض فلسطين.. ؟!.
وللعلم
فقط، رئيس المخابرات المصرية كان في إسرائيل قبل العدوان الإسرائيلي بثلاثة أيام،
كما كان عدوان 2008، وإن اختلفت الوجوه.. في 2008 قبل العدوان على غزة كانت وزيرة
الخارجية الإسرائيلية في القاهرة وأعلنت العدوان في مؤتمر مشترك مع نظيرها المصري
آنذاك أبوالغيط قبل موعده بـ 48 ساعة، واليوم في عدوان 2014 ذهب رئيس المخابرات
المصرية إلى تل أبيب للتنسيق وإطلاعه على العدوان.
وللتذكير
فقط.. أبوالغيط نفسه كشف لاحقا أن مصر هي التي سعت إلى إفشال قمة غزة التي دعا
إليها سمو الأمير الوالد بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في 2008 مباشرة.
وأنا
أكتب هذا المقال وصلني خبر قيام السلطات المصرية على معبر رفح بمنع وفد تضامني يضم
مصريين وماليزيين وأطباء من الدخول إلى غزة.. بماذا يمكن وصف هذه الخطوة، إلا
التآمر على أهل غزة، وإحكام الحصار عليها، لكي تفتك إسرائيل بالأبرياء والأطفال ؟.
كل
الذي فعلته الحكومة المصرية أنها أرسلت قافلة مساعدات إلى غزة تبين لاحقا أنها
مواد غذائية منتهية الصلاحية..!
نعرف
جيدا أن شعب مصر العظيم يرفض ما تفعله حكومة الانقلاب التي أتت بالسيسي في هذه
المرحلة من تاريخ مصر، فكان الله بعون الشعب المصري قبل أهل غزة.
الخوف
اليوم على الجيش المصري، هناك محاولات حثيثة لتغيير عقيدته القتالية، فبدلا من أن
يكون العدو الإسرائيلي هو العدو، بات اليوم يخلق له عدوا جديدا في الداخل والخارج،
وهناك مساع يقودها الانقلابيون وحفنة ممن يسمون بالإعلاميين من سحرة فرعون من أجل
شغل الجيش المصري وإضعافه، حتى تخلو الساحة للجيش الإسرائيلي ليعربد في المنطقة
كيفا يشاء. اليوم العدوان الذي ترتكبه بعض القنوات الفضائية في مصر وإعلام أجير في
أماكن أخرى، وبعض الإعلاميين المتصهينين، بحق غزة وشعبها ومقاومتها، لا يقل ضراوة
عن العدوان الإسرائيلي الغاشم، فهناك من يبرر العدوان الإسرائيلي، وهو ما يمثل
وصمة عار.
واقعة
تروى.. تجسّد الواقع..
ما
يحدث اليوم من تواطؤ مع العدو، وتآمر عربي على غزة، يذكر بواقعة تروى أنه أثناء
الحروب الصليبية عندما دخلت إحدى فرق الغزاة قرية من القرى بينما كان الرجال في
الحقول، فنهب الغزاة الأموال واغتصبوا النساء، وبعد رحيل الغزاة السفلة جلست
النسوة يشكين لبعضهن ما أحدثه الغزاة بهن من المهانة والعار، ثم سألت إحداهن: أين
أم حسن ؟ ولم تكن حاضرة، فقلن: لعل أحد الجنود أصابها أو قتلها، فذهبن إليها
فوجدنها تجر الجندي الذي حاول الاعتداء عليها، فلما سألنها كيف قتلتِه، قالت: وهل
كنتن تنتظرن أن أفرط في عرضي قبل أن أموت ؟!خرجت النسوة من دارها وهن خزايا وقد
طأطأن رؤوسهن..، ثم اتفقن على حيلة خبيثة شيطانية..، رجعن إلى دار أم حسن وهجمن
عليها على حين غفلة، فقتلنها، فماتت الحرة الشريفة بأيدي الجبن والخسة..، قتلنها
حتى لا تفضحهن أمام أزواجهن.. قتلن الشرف.. من أجل أن يحيا العار..
هذا
ما تفعله الدول العربية اليوم مع فلسطين، وفي غزة اليوم، فصمود غزة يذكرهم بخستهم
وخيانتهم، وبالتالي لا بد من التآمر عليها وقتلها، حتى لا تفضح أمرهم.
هذا
ما يفعله العرب اليوم مع غزة العزة..، فصمود المقاومة يفضح "الخيانات"،
ويكشف "العورات"، ويزيل "الأقنعة"، ويعري أصحاب الوجوه
"الغبرة"..
رغم
كل هذه المؤامرات، فإن غزة منتصرة.. هكذا يقول التاريخ.. كلما زادت التضحيات،
اقتربت ساعة النصر.. وعندها لن يكون لتلك "الحثالة" إلا مزبلة التاريخ.