القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

المخيمات الفلسطينية إلى أين؟ مخيم برج البراجنة نموذجاً

المخيمات الفلسطينية إلى أين؟ مخيم برج البراجنة نموذجاً

"الحلقة الثانية"

تنشر "البراق" على حلقات تصوراً لمصير المخيمات الفلسطينية في لبنان، من خلال مخيم برج البراجنة كنموذج، وبعد أن نشرت الحلقة الأولى التي تناولت نظامي الأسرة والتعليم في المخيم المذكور، تتناول في الحلقة الثانية النظام السياسي.

أحمد الحاج - بيروت

النظام الثالث، بعد نظامي الأسرة والتعليم، هو النظام السياسي. وهذا النظام أهم هذه الأنظمة، فهو الذي يملك السلطة، وبالتالي القدرة على التحكم بمفاصل المجتمع وتطوّره. وهو الذي يتحكّم أيضاً بالنظامين السابقين. فإذا كان النظام السياسي منحلاً وفاسداً، فإن هذا الانحلال والفساد سيصيب بطبيعة الحال الأسرة في خلقها وتماسكها، وكذلك النظام التعليمي، لأن بعض النظام السياسي لم ينء بنفسه عن التدخل بتركيبة النظام التعليمي.

الأهم من كل ذلك أن بعض النظام السياسي صاغ مجموعة قيمية للمجتمع دفعته إلى مزيد من التدهور. هذا النظام يملك الكثير من الأدوات التي يمكن أن تكون ضابطة لحركة المجتمع. يملك اللجنة الشعبية، أي الإدارة المدنية للمخيم، من كهرباء وماء. ومن المفترض حسب نظام اللجنة الشعبية أن يكون هناك لجنة تعليمية ولجنة خاصة بالعلاقة مع الجوار، ولجنة خاصة بالمرأة، وغيرها من اللجان، وهو ما كان عليه الوضع في السبعينيات.

ويملك النظام السياسي أداة الأمن من خلال عناصره العسكرية وسلاحه، وبالتالي فإن من مسؤولياته الحفاظ على أمن المخيم، وخصوصاً الأمن الاجتماعي، ومنع أي احتكاك مع الجوار. وأي خلل في هذا المضمار يتحمّل مسؤولياته النظام السياسي مجتمعاً. النظام السياسي من المفترض أن يحمل أميناً مطالب الفلسطينيين في المخيم إلى الأونروا والسلطات اللبنانية، ويضغط بقوة لتحقيق المطالب.

وبما أن هذا النظام السياسي يملك كل تلك الأدوات فإنه من الجائز أن نحمّله أي تقصير يحصل في المجتمع. يعني كل مأساة تحدث مهما كانت كبيرة أو صغيرة فإن المسؤولية تقع على بعض النظام السياسي على الأقل. هكذا يقول منطق الأشياء. فاليوم أي حادث سير كبير يقع في دولة يستقيل وزير النقل، وقبل أيام استقال وزير الدفاع الكوري الجنوبي بعد اشتباك محدود بين الكوريتين، فالمسؤولية لم تعد محدودة في هذه الأيام بمرتكبيها المباشرين.

وعندما يخبرنا تقرير الأنروا والجامعة الأميركية، الذي سبقت الإشارة إليه، أن 66.6 بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم فقراء وعاجزون عن تلبية الحد الأدنى من حاجاتهم الغذائية فإن النظام السياسي هو الذي يتحمّل المسؤولية. وكذلك يتحمل مسؤولية أن 56 بالمائة لا يجدون عملاً، وأن 63 بالمائة يعانون من فقدان الأمن الغذائي إلى حد ما، وأن ربع الأسر لا يتناولون كميات مناسبة من الفاكهة والخضار واللحوم ومنتجات الحليب، إضافة إلى أن الثلث يعاني من أمراض مزمنة.

دعونا لا نغمض عينينا عن المشكلة، ونعزوها إلى هذا السبب أو ذاك، إن السبب الأساس هو في خلل وفساد بعض النظام السياسي. فالمدرسة التي تفشل نقول إن مديرها فشل، والمؤسسة التجارية التي تفشل يستقيل مديرها، وهكذا فإن المجتمع عندما يفشل في جانب ما، فإن المسؤول عن إدارته هو من يتحمل مسؤولية فشله. نعم باستطاعة النظام السياسي أن يفعل الكثير لو أراد. الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، خلال ثماني سنوات، نقل 40 مليون برازيلي من المناطق العشوائية إلى شقق سكنية. ونقل البرازيل من واقع إلى واقع آخر. ونحن في المخيم حوالى 22 ألفاً فقط، وواقعنا ينتقل من سيئ إلى أسوأ.

المشكلة الكبرى في بعض النظام السياسي في المخيم أنه كأي نظام سياسي فاسد يطبع الأفراد الذين يحكمهم بعد فترة من الزمن بطابعه. هكذا قال القدماء، وهكذا يُخبرنا المصلح الكبير عبد الرحمن الكواكبي قبل أكثر من مائة عام. فبعض النظام السياسي في المخيم مارس تعدياً على كل ما هو عام. مما أدى إلى نشوء طبقة اغتنت من المال العام. وهذا ولّد أولاً طبقات اجتماعية متصادمة، أو على الأقل تكنّ عداءً مبطّناً لبعضها. فالفقير الذي شهد طبقة تغتني من ماله، من الطبيعي أن يحقد عليها، خاصة وأن هذه الطبقة الفاسدة غير مستعدة لتنفيس الاحتقان الاجتماعي بزكاة مال أو صدقة، فإذن هذا الفساد السياسي خلق توترات اجتماعية لم تكن مألوفة من قبل.

ثانياً: إن هذا الفساد السياسي، الذي يمارسه البعض، وضمن طبيعته ومصالحه، يشجّع الرشى والفساد المالي بين عامة الشعب. وأكثر من ذلك يعتبر أن أي فساد أخلاقي يساعده على الاستمرار، ويعطيه مشروعية ما على أساس أنه كما تكونوا يُولّى عليكم. فهو يطبع المجتمع بطابعه من هذه الجهة، ومن جهة أخرى فإن الكثير من أفراد المجتمع يبدأون بتقليد ممارسات بعض الطبقة السياسية الفاسدة، طمعاً في الحظوة لديها، وتكديس رأسمال كما فعلت الطبقة السياسية سابقاً.

مسألة أخرى تثير الحزن ربما ونحن نتحدّث عن الطبقة السياسية في هذا المخيم، أن هذه الطبقة بمعظمها –ولا نقول كلّها- هي طبقة لم تنل حظاً وافراً من التعليم، مما يجعلها عاجزة تماماً عن إدارة هذا المخيم إدارة سليمة حتى لو أرادت. فالعلم، ومع تطوّر العلوم الإدارية، أصبح شرطاً لازماً لأي حكم صالح. ولو أجريتم مقارنة مثلاً بين الكوادر السياسية في الستينيات والسبعينيات وقبل عام 1982، والكوادر التي حلّت في مواقعها في العقدين الأخيرين، لعلمتم مدى التدهور الذي حصل على المستوى السياسي، والمستويات المرتبطة به سواء كانت رياضية، أو طالبية أو غيرها. وللأسف لقد أجريت هذه المقارنة منذ ثلاثة أعوام، والنتيجة معروفة.

المسألة الإيجابية ونحن نتحدّث عن النظام السياسي أو الطبقة السياسية أن عوامل وشروط الاستبداد السياسي لم تتوافر جميعها لدى هذه الطبقة، والفضل في ذلك يعود أولاً إلى التنوّع السياسي لدى المجتمع الفلسطيني، مما سمح بهامش كبير من الحرية، كما نقول مثلاً إن التنوّع الطائفي في لبنان كان سبباً رئيسياً في خلق مناخ الحرية. لكن هذا الهامش من الحرية في المجتمع الفلسطيني في المخيم لم يُستثمر جديّاً لخلق أدوات ضغط تقود إلى تغيير جذري في عقلية وممارسات بعض الطبقة السياسية.

إن منع أكثرية الجمهور الفلسطيني من المشاركة في بعض أدوات السلطة في المخيم مثل اللجنة الشعبية كانت أحد الدوافع النفسية التي دفعت بهذا الجمهور إلى محاولة المشاركة والتعبير عن نفسه من خلال أطر أخرى كروابط القرى والبلدات الفلسطينية. وأكثر من ذلك هناك سؤال مطروح هو لماذا نشطت هذه الروابط في الوقت الذي شهدنا فيه تراجعاً سياسياً؟ نعم، هناك الكثير من الناس أحسّوا بالحاجة إلى إطار يشعرهم بالانتماء إلى جماعة، وبالتالي يشعرهم بالأمان، بعدما فقدوا هذا الأمان من خلال أكثرية الطبقة السياسية الموجودة.