المخيمات الفلسطينية في
سوريا
بقلم: أحمد رفيق عوض
التجربة المريرة التي مرّ
بها فلسطينيو الشتات في الأردن ولبنان والكويت والعراق والآن في سوريا، تجبرنا على
التوقف طويلاً أمام العبر والاستنتاجات، وهي عبر قد تتضمن الكثير من الحرج والاحراج،
ولا يطالنا هذا الحرج والاحراج وحدنا، بل يطال الآخرين ذوي العلاقة، فإذا اعتبرنا اننا
كنا الاسرع الى التورط أو المشاركة أو التأييد أو التحمس في ما يجري في البلدان المضيفة،
فإن الاطراف الاخرى في معظمها على الأقل كانت تنفذ سياسات أو اجندات مستوردة أو مدفوعة
الأجر أو مبيتة مسبقاً أو كل ذلك مجتمعا. وقد سبق لي ان كتبت قبل مدة في هذا المنبر
الكريم ان إستخدام الفلسطينين كفزاعة أمنية أو ديموغرافية أو سياسية انما هو عيب وانحطاط
وافلاس سياسي واخلاقي وحتى شرعي. فإذا لم يستطع النظام العربي الرسمي أن يعيد الينا
أو يساعدنا في استرداد حقوقنا الأصلية والمشروعة، فليس من العدل ولا من الكرم ولا من
المروءة ولا من العروبة ولا من الاسلام ان يلغ في دمائنا أو يحاصرنا أو يعاملنا بما
يشبه سياسة التمييز العنصري ان لم تكن كذلك فعلاً في بعض الأقطار وخاصة في لبنان،حيث
يختفي لبنان الرسمي وراء التعددية الطائفية واختلال التوازن الديموغرافي والتركيبة
السياسية المعقدة والأوضاع الأمنية من أجل أن يحشر الفلسطينين في معازل حقيقية تكاد
تخلو من الشروط الانسانية للحياة الكريمة.
ان معاملة المخيمات الفلسطينية
كقنبلة أمنية أو ديموغرافية أو سياسية سيزيد من مشاكل البلد المضيف ويعقدها ويدفع بها
الى احضان المجهول،كما ان مثل هذه المعاملة ستزيد من شهية الاحتلال في الاستمرار بسياساته
ومن ضغوطه ومن ابتزازه للجميع. يجب ان تكون المخيمات موضع اتفاق وخط أحمر لجميع مكونات
البلدان المضيفة، لأن زج تلك المخيمات في الصراعات الداخلية انما يضر أولاً بالقضية
الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني ثانياً، وهنا يطرح السؤال الاهم في هذا الشأن، الا وهو
عن مدى استفادتنا من الخبرات المرة والقاسية التي مررنا بها في البلدان العربية المختلفة،
حيث دفعنا الكثير الكثير،تمزيقاً للموقف السياسي، وتفكيكاً للوجود المسلح، واصطفافاً
لا داعي له، ودماءاً عزيزة غالية،و تدهوراً في المواقف، وضعفاً في مقاومة المحتل.
وفي سوريا الآن، تطرح مسألة المخيمات الفلسطينية مرة أخرى، وتحاول أطراف مختلفة استخدام
الورقة الفلسطينية مهما كان الثمن ومهما كانت النتيجة. ان تلك الأطراف تعرف تماماً
ان السيناريو المرسوم في سوريا هو أن تغرق في حرب أهلية أو طائفية الى مدى لا يعلم
الا الله تعالى نهايته، او ان تكون تلك الحرب عبارة عن تصفيات لحسابات دولية استراتيجية،
وهو ما يأخذ وقتاً طويلاً أيضاً،بمعنى آخر، فإن ما يجري في سوريا مختلف تماماً عما
حدث في تونس او ليبيا أو مصر أو اليمن أو حتى في العراق.السيناريو السوري سيناريو الحرب
الطويلة الأمد، حيث تتدمر الدولة والأرض والشعب ولكن بشكل هادئ ومحسوب ومسيطر عليه،حتى
لا تنفجر المنطقة انفجاراً غير مسيطر عليه أو مفاجئا. وان من يرغب في زج الفلسطينين
في هذا الأتون انما يهدف الى ان يورط الفلسطينين في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل،
وان تدفع بالفلسطينين الى احلاف او تيارات او معسكرات متعارضة، وان من يريد توريط الفلسطينين
انما يدفعهم الى التهجير للمرة الثالثة أو الرابعة أو تصفية وجودهم في سوريا أو دفعهم
الى الأردن أو لبنان لتغيير الأوضاع أو تفجيرها لخدمة مخطط أكبر وأعمق وأوسع. ولأن
الحالة خطيرة ولا تتحمل التسوية أو الانتظار أو المحاباة، فإنني أقول بكل ما في القول
من صراحة، فإن هناك أطرافاً فلسطينية قريبة من المعارضة واخرى قريبة من النظام، وهو
وضع نضطر إليه دائماً للأسف الشديد، وإن هذه الأطراف الفلسطينية مدعوة اليوم الى ان
تمارس نفوذها وتأثيرها ودورها في انقاذ المخيمات الفلسطينية في سوريا من خطر التوريط
أو التورط أو الاستخدام أو الاستهداف.
ان هذه القوى مدعوة الآن
أن تعمل على حماية الوجود الفلسطيني، ليس فقط من خلال حقن دماء الناس فيها وانما حمايتها
سياسياً من مخاطر المستقبل القريب والبعيد. ولتعرف هذه القوى ان دماء الناس في تلك
المخيمات هي في ارقابهم وان حمايتها من مسئولياتهم التاريخية والنضالية وان شعبهم في
كل بقاع الأرض يتابعون أفعالهم وأقوالهم، ولتكن تجارب الماضي القريب والبعيد في هذا
الشأن هي المحاذير والمعايير في كل سلوك. وبهذه المناسبة، فلا بد من القول أن الأشقاء
السوريين كانوا وما زالوا أخوة أكارم وأوفياء، وقد استمعنا لبعض رموز المعارضة ولبعض
رموز النظام كلاماً طيباً حول الوجود الفلسطيني في سوريا، ونأمل في أن تبقى هذه الروح
الطيبة دائماً وأبداً، وهي كذلك أن شاء الله. فليس من المعقول ولا من المقبول أن يلغ
في دمائنا اعداؤنا واشقاؤنا في آن معاً.
المصدر: وكالة معا الإخبارية