القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

المخيمات باقية وتتمدد!

المخيمات باقية وتتمدد!

بقلم: ماهر أبو طير

كانت أول خيمة لاجئ عربي، في فلسطين،وتحديدا في مخيم عين الماء في نابلس، وكثرة لا تتذكر اين الخيمة الاولى، لكنها بالتأكيد كانت في هذا المكان.

الذين سكتوا على مشهد اول فلسطيني يدق وتدا في الارض، لخيمة داخل فلسطين وخارجها، باعتبار ان الشأن ليس شأنهم، كانوا فعليا لايخذلون الفلسطيني، بقدر تركهم للاسرائيلي، حتى يتمم مهمته ضد هؤلاء، وبعدها يتفرغ لكل جوار فلسطين المحتلة، بل ان وباء تحطيم الشعوب امتد الى كل المشرق والمغرب.

ليست لعنة الفلسطيني، حتى لايظن البعض اننا نتحدث هنا عن «دم ازرق» لكنها لعنة الاحتلال الذي جاء الى منطقة يريد تدميرها كليا، وتدمير شعوبها، بوسائل مختلفة، من اجل ان يرتاح، وهو يعرف وكلنا يعرف ان خزان الدم لفلسطين، ليس في الفلسطينيين حصرا، بل في كل امتهم من جهة، وبالذات في جوار فلسطين.

ذاك اللاجئ دق وتد خيمته الاولى، ولم نكن نعرف ان ذاك الوتد، سيتكاثر، وسيتم زرع كل المنطقة بملايين الاوتاد على خلفيات مختلفة، وهاهي النتيجة وفقا لبعض الاحصائيات تتحدث عن اكثر من عشرين مليون عربي مشرد في مخيمات مختلفة في فلسطين والاردن وسورية والعراق واليمن والسودان، ودول اخرى.

في الوقت الذي يتطور فيه العالم ويتحضر، نعود فيه نحن الى الوراء، فأي زمن هذا يضطر فيه العربي ان ينام صيفا وشتاء في خيمة من القماش، او البلاستيك، والخيمة تكبر، وخيمة الى جانب خيمة، يصير عندنا احياء وازقة، تسمى مخيما، وبعد قليل تتحول المخيمات الى احياء سكنية في بلاد العرب.

للشعب الفلسطيني ثمانية وخمسين مخيما، في الضفة الغربية وغزة، ودول الجوار، والشعب العراقي موزع على مخيمات بعضها في كردستان وبعض في مناطق اخرى، والسوريون ايضا يتم توزيعهم على مخيمات في كل مكان، والذي يقرأ قصص اليمن المبتلى، يكتشف ان فيه مخيمات لاهل اثيوبيا والصومال، وذات اهل اليمن باتوا بحاجة الى مخيمات.

هكذا اذا، المخيمات باقية وتتمدد، وينضم اليها عرب جدد، كل يوم، ونحن نعرف موقع ومكان وتوقيت الخيمة الاولى، لكننا للاسف الشديد، غير قادرين على توقع اين ستكون الخيمة الاخيرة، مادام الباب مفتوحا لمزيد من الاحتلالات والصراعات والحروب، التي يظهر احيانا انها داخلية صرفة، لكن اليد الصانعة يراها اهل البصائر، ممن يعرفون ان اسرائيل منذ ان حلت في المنطقة، هتكت بنيتها، ودمرتها بشراكة من بعضنا في حالات كثيرة.

في لبنان وحدها اكثر من 1300 تجمع خيم لسوريين، واذا كانت هذه التجمعات لاتعد مخيمات بالمعنى الدارج، الا انها بذرة لمخيمات كبرى، فهي عشوائيات قائمة على اساس تجمع بضعة خيم هنا او هناك.

العالم العربي الثري بالموارد، تاريخيا، يقف عاجزا امام ظاهرة المخيمات، واكثر مايفعلونه تحويل الخيمة الى كرافان، او غرفة سكنية من اسمنت، لكنها تبقى جزءا من مخيم.

كان الشعراء سابقا يكتبون شعرا ونثرا في مخيمات الفلسطينيين، ويعتبرونها جسرا للعودة، ويسألون ايضا عن «حق العودة، وعلى مايبدو فأن هؤلاء سوف يصمتون، لان المخيمات تمددت عروبيا ، ولان ايضا حق العودة بات مطلوبا من كثيرين، فلا تعرف هل سيعود كل هؤلاء، ام ان مخيماتهم باتت اوطانهم.

لا احد يسأل عن اكثر من عشرين مليون عربي موزعين في المخيمات، والعداد مفتوح، وعن تلك الحياة القاسية في مخيم، واثرها على العائلات والنساء والاطفال، لا احد يسأل عن الضمير الغائب عند العرب، حين تصير قصة المخيمات قصة عادية يتم اطفاء نيرانها ببضعة مساعدات، ووقود لشتاء لايرحم.

للخيمة عند العربي قيمة جميلة، فأصل العرب واغلبهم عاشوا في خيم ذات صحراء وارياف، وانتقال وبحث عن الماء والمرعى، لكنها كانت خيما اختيارية تعبر عن قيمة اجتماعية وثقافية، وتساوي عنوانا للوجود في ازمان سابقة.

في الذاكرة زواج معاوية بن ابي سفيان من ميسون البحدلية وكانت بديعة في جمالها فاسكنها القصر منعمة مكرمة ولكنها اشتاقت الى حياتها في البادية فقالت:

«لبيت تخفق الارياح فيه.......احب الي من قصر منيف»

ولو عادت ميسون اليوم لاكتشفت ان خيمتها تختلف عن خيامنا، فالاولى عز والثانية عار ، ومن في الخيم اليوم، يتمنون لو ان الارض تنشق وتعيدهم الى ماقبل ان يكونوا.

المخيمات باقية وتتمدد، ومازالت تقول هل من مزيد؟!.