القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

المستعربون... الخطر الخفيّ الذي يواجه الفلسطينيّين

المستعربون... الخطر الخفيّ الذي يواجه الفلسطينيّين

بقلم: عدنان أبو عامر

منذ بداية أحداث المواجهات الفلسطينيّة-الإسرائيليّة بداية تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ في من الضفّة الغربيّة والقدس، تداولت وسائل الإعلام مشاهد لمسلّحين مدنيّين يلقون القبض على متظاهرين فلسطينيّين، ويسلّمونهم إلى الجيش الإسرائيليّ، يطلق عليهم لقب "المستعربون"، الذين يتخفّون بلباس عربيّ، ويتّخذون أشكالاً شبيهة بالفلسطينيّين، للقيام بمهام استخباريّة، وتنفيذ عمليّات قتل ضدّ المطلوبين الفلسطينيّين للجيش الإسرائيليّ.

التضليل الأمنيّ

شهدت الأيّام الأخيرة من المواجهات الساخنة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في الضفّة الغربيّة والقدس، تدخّلاً ميدانيّاً متزايداً من المستعربين على مداخل المدن الفلسطينيّة وقرب المستوطنات الإسرائيليّة، حيث تشكّل هذه المناطق نقاط احتكاك بين الجانبين.

فقد شهد اليوم السابع من الشهر الحاليّ ظهوراً واضحاً للمستعربين في مواجهات طلبة جامعة بيرزيت مع الجيش الإسرائيليّ، وفي اليوم نفسه ضدّ المتظاهرين قرب مستوطنة بيت إيل شمال رام الله.

وعلى الرغم من عدم توافر أرقام دقيقة حول الضحايا الفلسطينيّين لوحدات المستعربين، لكنّ كتاب "المستعربون... فرق الموت الصهيونيّة" لمؤلّفه غسان دوعر، الصادر في عام 2005، يقدّر أنّ المستعربين قتلوا 422 فلسطينيّاً بين عامي 1988 و2004، فيما بثّت قناة الجزيرة في 27 آذار/مارس فيلماً وثائقيّاً حول المستعربين ناقشت فيه مهامهم، وعمليّاتهم السرّيّة، ويبدو موقع الـ"يوتيوب" غزيراً بالمشاهد الخاصّة بالمستعربين.

أبلغ أحد قادة التظاهرات في الضفّة الغربيّة عماد حسين "المونيتور" بأنّ "المستعربين يتحوّلون خلال لحظات من مدنيّين فلسطينيّين إلى جنود إسرائيليّين، يمسكون مسدّسات صغيرة، وبعد إمساكهم بمن يريدون من المتظاهرين يرتدون قبّعات كتب عليها بالعبريّة كلمة شرطة، وخلال المظاهرات الأخيرة تفاجأ الشبّان في ثوانٍ معدودة وهم يلقون الحجارة على الجنود بملثّمين عدّة، يطلقون النار عليهم، ليكتشفوا بعدها أنّهم المستعربون".

في ضوء خبرة الفلسطينيّين المتراكمة خلال انتفاضتي الحجارة الأولى في عام 1987، والأقصى الثانية في عام 2000، تكوّنت لديهم معلومات مهمّة حول المستعربين، فهم يتحدّثون اللغة العربيّة بطلاقة، ويبدو صعباً على المتظاهرين التعرّف عليهم وسط الحشود في الاشتباكات التي تشهدها الضفّة الغربيّة والقدس، لأنّ الجميع يلجأون إلى تغطية وجوههم باستخدام كوفيّة أو قميص، خوفاً من تصويرهم بكاميرات الجيش الإسرائيليّ، ثمّ اعتقالهم.

قال المصوّر الصحافيّ ابراهيم جمعة لـ"المونيتور" إنّ "المستعربين يتخفّون بين الفلسطينيّين، يشجعّونهم على رمي الحجارة، والتقدّم إلى مهاجمة الجنود، بل يقدّمون مياه الشرب إلى المتظاهرين، وفجأة يقومون بمهاجمتهم، وقد رأيت كيف أنّهم أشهروا سلاحهم مرّات عدّة على المتظاهرين قرب حاجز قلنديّا على مشارف القدس، ومنطقة عوفر قرب رام الله، وأطلقوا الرصاص عليهم، حتّى وصل الجنود خلال ثواني معدودة".

جرت العادة في الأيّام الأخيرة أن يقف المستعربون في الصفوف الأماميّة على بعد عشرات الأمتار من الجنود على مداخل مدن الضفّة الغربيّة، ويلقون الحجارة، ويتحصّنون وراء متاريس كبيرة يختبئون خلفها خشية من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطّاطيّ. لكنّهم ينفصلون فجأة عن باقي المتظاهرين، فيخرجون مسدّساتهم، ويطلقون النار عليهم، ويعتقلون عدداً منهم، حيث ينضمّ إليهم الجنود، ويسحبون الفلسطينيّين إلى آليّاتهم العسكريّة.

التقى "المونيتور" عبد الهادي، وهو اسم مستعار لفلسطينيّ نجا من الاعتقال قبل أيّام على يدّ المستعربين، وسأله عن تجربته، فقال: "خلال انخراطي بين المتظاهرين على مشارف القدس، انقضّ علينا 6 من العناصر المسلّحة بالزيّ المدنيّ، بملامح عربيّة، عرفت لاحقاً أنّهم كانوا بيننا لأكثر من ساعة كاملة، حتّى سنحت لهم الفرصة، فاعتقلوا 3 شبّان، ونجوت مع اثنين بأعجوبة بعدما واصل المتظاهرون إلقاء الحجارة على المستعربين".

وسائل الحماية

يخضع المستعربون إلى تدريبات مكثّفة مختلفة عمّا يخضع إليها الجنديّ الإسرائيليّ العاديّ، فيتدرّبون على إتقان اللغة العربيّة بلكنة فلسطينيّة، ويتعرّفون على عادات الفلسطينيّين وثقافتهم بدقّة، ويتقمّصون أحياناً شخصيّة شيخ مسنّ أو بائع متجوّل، ويؤدّون أدواراً تساعدهم على الاختفاء، والتظاهر بأنّهم فلسطينيّون، فيتصدّرون التظاهرات، ويشاركون بإلقاء الحجارة، كي يشعر المتظاهرون أنّهم جزء منهم، مما يمدّهم بالراحة والثقة.

لكنّ تكرار تجارب الفلسطينيّين مع المستعربين، منح المتظاهرين فرصة معرفة العديد من تكتيكات دخول المستعربين إلى نقاط المواجهة، فعادة ما تسبق دخولهم حالة هدوء ينسحب فيها الجيش إلى الخلف، وتنخفض وتيرة إطلاق الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطّاطية، ويعمل المستعربون على تشكيل كمّاشة حول المتظاهرين بالتعاون مع الجيش، ليتقدّم الجنود من الأمام، ويكون المستعربون في انتظار المتظاهرين المنسحبين في الخلف.

عبّرت المتحدّثة باسم المرصد الأورو-متوسّطي لحقوق الإنسان مها الحسيني لـ"المونيتور" عن "القلق البالغ جرّاء توسّع استخدام الجيش الإسرائيليّ للمستعربين في المواجهات الجارية في الأراضي الفلسطينيّة، لأنّ عملها غير قانونيّ، ينتهك مبدأ التمييز بين المدنيّين والمقاتلين، وهو أمر محظور وفق القانون الدوليّ الإنسانيّ، لأنّ تنكّر الجنود الإسرائيليّين بملابس مدنيّة يعرّض المدنيّين للخطر، كما تتركّز مهام المستعربين في جمع المعلومات، التصفية، الاختطاف، أو تفريق المتظاهرين، وطريقة اعتقالهم الفلسطينيّين فيها الكثير من العنف، وتعدّ من وسائل الغدر، ويتخلّلها ضرب المعتقل بصورة وحشيّة غير مبرّرة".

نشر المركز الفلسطينيّ للإعلام، الموقع الرسميّ لحماس، في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر حملة توعويّة للمتظاهرين، لحمايتهم من المستعربين. ومن وسائل الحماية، ارتداء الفلسطينيّين الملابس ذات الألوان الفاتحة، إذ يخصّص المستعربون ملابس غامقة وفضفاضة كي يخفوا أسلحتهم تحتها، وإدخال المتظاهرين ملابسهم داخل سراويلهم، لأنّ المستعربين يبقون ملابسهم خارج السروال كي لا يكشف المسدّس، وتحرّك الشبّان في المواجهات مع الجيش الإسرائيليّ ضمن مجموعات صغيرة، ليعرف بعضهم بعضاً، وتسهل معرفة الغرباء.

أخيراً... يشكّل المستعربون التحدّي الحقيقيّ أمام استمرار المظاهرات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، لأنّهم يعتقلون نخبة المتظاهرين وأكثرهم نشاطاً. وتشيع أجواء الشكّ والريبة بين الشبّان الفلسطينيّين، لاعتقادهم أنّ المستعربين قد يكونون بين صفوفهم، ممّا يمنح الجيش الإسرائيليّ صيد عصافير عدّة بحجر واحد، وفي الوقت ذاته، يحفّز المتظاهرين على رفع وتيرة الحذر والاحتياط من الوقوع في كمائن المستعربين.

المونيتور