المصالحة الفلسطينية:
على القضية السلام!
بقلم: أسعد عبد
الرحمن
دون تشاؤم أو تفاؤل،
ودون تهويل أو تهوين، فإن الانقسام الفتحاوي الحمساوي -في أعين كثير من المراقبين-
يتعمق بإجراءات وتصريحات من كلا الطرفين. فالحركتان ماضيتان في تبادل الاتهامات والتحريض.
وما يحدث في الساحة الفلسطينية ليس فقط خلافات بين سلطتين مختلفتين أيديولوجياً وسياسياً
وتنظيمياً فحسب، بل هي أزمة عميقة تخص كل فلسطيني بعد أن بات مصيره وحقوقه الوطنية
الثابتة في خطر شديد. ودون أن نكون من المتشائمين، أو ممن يعطون الخطوات على طريق إنهاء
الانقسام قيمة أكبر مما تستحق، فإن غالبية الشعب تأمل في أن تكون المصالحة خطوة ارتكازية
في طريق بناء وترسيخ الدولة الفلسطينية المستقلة، مع تلاشي الخوف من أن يكون مصير الاجتماعات
الأخيرة كسابقاتها "مجرد ديكور". وهذه الغالبية تطالب بتحديد المطلوب بدقة،
مع التأكيد على استراتيجية مشتركة للنضال الوطني الفلسطيني باعتباره السبيل الحقيقي
لتأكيد حسن نية الحركتين للخروج من الانقسام وليس الاكتفاء بمجرد إدارة الانقسام، خاصة
وأن كلا الحركتين لم تعلنا تغييراً في مواقفهما من الملفات الرئيسية، الأمر الذي يستعيد
كوابيس سياسات سابقة قادت في الماضي إلى الاقتتال والانقسام، وكأن كلا من الحركتين
-في أعين الكثيرين- تعلن أنها تملك الضفة وعينها على غزة، فيما الآخر يعلن أن الضفة
له ولابد من الحصول أيضاً على غزة.
نعلم أن قرار
"المصالحة" ليس قراراً فلسطينياً فلسطينياً أو حتى عربياً فحسب... فعملياً،
ثمة أطراف إقليمية ودولية لها "حصة" في هذا القرار، وإن كنا، نحن الذين نقرر
"حجم" تلك الحصة لو كنا أصحاب قرار فعلا! لكن، باتت هناك قناعات عند الكثيرين
بأن لدى كل من فتح وحماس ما يبرر عدم حصول المصالحة. فحماس تصر على أن السبب الأبرز
لعدم إتمام المصالحة، يعود لوجود "فيتو أمريكي" إسرائيلي، وأن الخروج من
هذا المأزق لن يتم إلا بتحدي فتح لهذا الفيتو. وفي المقابل، فإنها متهمة من قبل فتح
بالارتباط بأجندات إقليمية، وبالتالي فإن نجاح الحوار أصبح مرهوناً بالتطورات التي
تحدث في المنطقة. هذا، ولنلاحظ أنه فقط قبل يومين، رحّب عباس وحركة حماس بدعوة أمير
قطر لعقد قمة عربية مصغرة برئاسة مصر في القاهرة، بحضور الحركتين لتسريع إنجاز المصالحة
الفلسطينية. فدعونا ننتظر قليلا لنرى مصير هذه الدعوة!
من واقع اجتماع
اللجنة المكلفة بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية يومي 8 و9 من شهر فبراير المنصرم،
تفاءلنا بحذر، لكن سرعان ما تبين أن الأزمة جد كبيرة وخطيرة، وأن هناك مساعي أخرى هدفها
إفشال القضية النبيلة الخاصة بالمصالحة (على درب إنهاء الانقسام). ففي أعقاب الاجتماع،
انفجرت معركة سياسية إعلامية عبّر فيها عدد من المسؤولين الفلسطينيين عن خوفهم الحقيقي
من أن ما يجري هو مجرد مظلة لإبقاء الأمر الواقع على حاله: "بلديتان"؛ واحدة
في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة، في ظل اتهامات متبادلة بأن كلا الطرفين يتصل
سراً بإسرائيل وينسق معها، وربما حتى ضد الآخر: فحماس بالنسبة لبعض فتح هي "حركة
لها برنامجها السياسي منذ انقلابها الدموي، تعطل المصالحة بذرائع وحجج مختلفة، وتعتبر
اختطاف قطاع غزة جغرافياً وديمغرافياً ورقة قوة تساوم بها الاحتلال، وهي تبحث عن السلطة
ولا يهمها مصير الوطن". وبالمقابل، فإن فتح بالنسبة لبعض حماس هي حركة "ألقت
السلاح وباتت ترفض المقاومة وتعالج الملف الأمني لسلطات الاحتلال بطريقة تقرها تل أبيب
عبر المداهمة والاعتقال والترهيب".
ها قد مر أكثر من
شهر على الاجتماع الأخير في القاهرة، ولم تتمخض التحركات عن أي إنجاز ملموس على صعيد
إعادة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وكل طرف يتهم الآخر بإفشال المصالحة، بل
تزايدت الاتهامات الإعلامية بين الطرفين. ففي ندوة بعنوان "المصالحة الفلسطينية...
آفاق وتحديات"، نظّمتها الهيئة الطلابية بكلية العلوم والتكنولوجيا بخان يونس،
أكد الدكتور يحيى موسى العبادسة، النائب في المجلس التشريعي عن "كتلة التغير والإصلاح"
(حماس)، أن "هناك العديد من العقبات التي تُعكر جو المصالحة وبدونها يصعب تحقيقها
متمثلة في تفعيل منظمة التحرير وفق الأسس الصحيحة التي أنشئت من أجلها، وهي التحرير
والعودة"، موضحاً أن "المنظمة وأذرعها غائبة فعلياً في حين أن السلطة الفلسطينية
باتت أكبر منها، بالرغم من كون المنظمة هي التي أوجدتها كسلطة حكم ذاتي وأنها وصلت
إلى نقطة تكاد تصبح فيها غير موجودة". وبالمقابل، سجل القيادي في حركة فتح وعضو
لجنة المصالحة، صخر بسيسو، ما اعتبره جهود قيادات في حركة حماس وبعض الأعضاء في المجلس
التشريعي بغزة ضد إنهاء الانقسام. وأضاف بسيسو: "إن أعضاء حركة حماس ينظرون إلى
الضرر الذي سيعود على مصالحهم الاقتصادية من غلق الأنفاق عقب إتمام المصالحة"،
مردداً أن "تأجيلها سيكون له تأثير على دخل قيادات الحركة في غزة، ومن ثم تعمل
حماس على ابتزاز مصر بأن تعمل على فتح المعبر بشكل نهائي ليكون معبراً تجارياً أو أنها
تعطل المصالحة". وختم بسيسو قائلا: "حماس لا تريد المصالحة، وقياداتها في
غزة تريد تأجيل الانتخابات"، مضيفاً أن عقلية قيادات حماس وتصريحاتهم تدل على
"عقلية غير ناضجة حيال المشاركة مع الآخر".
ثم سرعان ما ظهر
الأمر جلياً في المشادة الكلامية وما تبعها بين مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح، عزام
الأحمد، ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس، عزيز الدويك، حيث تكشف إلى
أي حد لا يزال الخلاف بين الحركتين عميقاً، حتى أنه وصل حد التخوين!
فتح وحماس كل منهما
تحاول أن تثبت للشعب الفلسطيني أنها على صواب، وأنها الصادقة في مسألة الرغبة في المصالحة
(على درب إنهاء الانقسام)، غير أن جماهير واسعة (عربية وفلسطينية) ترى أن كلتا الحركتين
-في المحصلة- تحولان القضية الفلسطينية من قضية وجود وتحرر من الاحتلال، إلى صراع مصالح
وكراسي بينهما، الأمر الذي يطيل أمد الانقسام الداخلي والعودة به إلى المربع الأول،
ما يكرس الأزمة الداخلية للشعب الفلسطيني، ويعرّض مصالحه للخطر الداهم!
المصدر: الاتحاد،
أبو ظبي