المصالحة الفلسطينية.. للمرة الألف
بقلم: هاني المصري
هل سيذهب وفد «منظمة التحرير» إلى غزة، أم أنّ الزيارة
أُجِّلَت أو أُلغِيت؟ وهل سيكون هناك وفد يمثّل المنظمة برئاسة عزام الأحمد أم وفود
تمثل الفصائل؟ وهل سيبحَثُ الوفد القضايا أم أنّ ذهابه من أجل إضاعة الوقت والاستهلاك
الشعبي من خلال ظهور الفصائل بوصفها حريصة على الوحدة، أم أنه من المفترض أن يحمل حلًا
إيجابيًّا لمسألة رواتب موظفي حكومة «حماس» حتى يتمكن من الذهاب وتوافق «حماس» على
استقباله؟ وإذا ذهب، هل ستؤدي الاجتماعات التي سيعقدها إلى نتائج مختلفة عن الاجتماعات
والاتفاقات السابقة؟ ولماذا لم يترأس الرئيسُ الحكومةَ كما نصّ «إعلان الدوحة»، ولماذا
تمّ الاتفاق شفويًّا على تجميد ملف الأمن إلى ما بعد الانتخابات، وتم سحب الحديث عن
إجراء انتخابات المجلس الوطني، وتبنّت حكومة الوفاق برنامج الرئيس الرئاسي برغم أنّ
الاتفاق لم يتضمن هذا البند؟
المعضلة ليست فقط في النصوص، وإنما أساسًا في ما
يعتمل في النفوس، وما يظهر من خلال المماطلة والتسويف في تطبيق اتفاق المصالحة، برغم
توقيعه في الرابع من أيار 2011.
وإذا أردنا تحميل المسؤوليّة عن استمرار الانقسام
ـــ بالرغم من أنّ الوحدة أولويّة ملحّة وضرورة وطنيّة تتزايد أهميّتها مع فجر كل يوم
فمن يتحملها هي الأطراف المتنازعة، أي الرئيس و «فتح» و «حماس». فالرئيس يتحمل المسؤوليّة
الأولى لأنه صاحب الصلاحيّات والإمكانيّات والشرعيّة بوصفه رئيسًا لـ «منظمة التحرير»،
ويتحكم بمفاتيح القرار كافة في السلطة والمنظمة، وهو يريد مصالحة من خلال تسليم «حماس»
بشروطه كاملة، بحيث تنضم إلى المنظمة التي تقودها «فتح» رسميًا، بما يعني انضواءها
كأقليّة تحت مظلّة المنظّمة، والتخلي عن مصادر سلطتها الأمنيّة والإداريّة في غزة،
وليس فقط عن الحكومة، أي أن تصبح فصيلًا إضافيًّا تمامًا مثل الفصائل الأخرى المنضوية
تحت لواء «منظّمة التحرير»، التي تقول ما تريد فيما يفعل الرئيس ما يريد. وما دامت
المصالحة التي يريدها الرئيس ولا تعارضها «فتح» متعذر تحقيقها الآن، فلا مناص من انتظار
اللحظة التي تنهار فيها «حماس» تحت وطأة أزماتها، أو تقبل بالمصالحة بشروط «فتح».
أمّا «حماس»، فتريد أن تحمّل حكومة الوفاق الوطني
جميع المسؤوليّات، من الرواتب إلى الخدمات وفتح المعابر وإعادة الإعمار، مع استمرار
احتفاظها بمصادر سلطتها في غزة، ومع امتلاكها حق «الفيتو»، وذلك كله مقابل تخلّيها
عن الحكومة، وهذا مستبعد أن يقبل به الرئيس و «فتح». لذلك فالمصالحة معطّلة، والحوار
الدائر في سبيلها أشبه بحوار الطرشان.
ينتظر الرئيس خضوع «حماس» لشروطه، و «حماس» تنتظر
متغيّرات عربيّة وإقليميّة، بينما الأرض الفلسطينيّة تضيع والقضيّة تهمّش والشعب تتفاقم
معاناته.
إضافة إلى ما سبق، هناك طرف آخر يتحمل مسؤوليّة وقوع
الانقسام واستمراره، وهو الاحتلال الذي زرع بذور الانقسام ويحرص على استمراره، فهو
دجاجة تبيض ذهبًا لإسرائيل.
إن الاستقطاب الثنائي الحادّ وغياب طريق ثالث فاعل،
يلعب دوراً مهماً يساعد على استمرار الانقسام، لأن القوى الأخرى من يساريّة وغيرها
ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص مبعثرة وضعيفة، أو تدور في محور هذا الطرف أو
ذاك، ولم تتفق على قواسم مشتركة تمكّنها من التقاط اللحظة التاريخيّة من خلال العمل
المشترك وممارسة الضغط الكافي على طرفي الانقسام، بحيث تفرض إرادة الشعب بالوحدة والتغلب
على جماعات المصالح المستفيدة من الانقسام.
طبعاً، هناك تأثير التجاذب بين المحاور العربيّة
والإقليميّة والدوليّة، خصوصًا في ظل العداء المحتدم ما بين جماعة «الإخوان المسلمين»
والنظام المصري، وتأثيره السلبي المتمثل باستمرار الانقسام، على اعتبار أنّ «حماس»
تمثل امتدادًا فلسطينيًا لجماعة «الإخوان المسلمين»، وهي لم تحسن تمييز نفسها عنهم
بوصفها جزءًا من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، علماً أن القضيّة الفلسطينيّة تطرح عليها
مسؤولية النأي بالنفس عن الصراعات الداخليّة والعربيّة والإقليميّة، وهذا مطروح على
جميع الفلسطينيين بلا استثناء.
وحتى ندرك تأثير هذا العامل، لا بد من الإشارة إلى
تعذّر عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت للمنظّمة في القاهرة من دون تصحيح العلاقات
الحمساويّة – المصريّة، خصوصًا في ظل الموقف المصري الرافض لمشاركة خالد مشعل، رئيس
حركة «حماس»، وحساسيّة عقده خارج مصر نظراً لموقع ودور مصر التاريخي في ما يخصّ القضيّة
الفلسطينيّة ورعاية ملف المصالحة، وللعواقب المترتبة على ذلك.
ولا يمكن إسقاط التأثير السلبي لاستمرار الرهان على
إمكانيّة استئناف المفاوضات الثنائيّة بعد الانتخابات الإسرائيليّة، والخشية من العقوبات
الأميركيّة والإسرائيليّة إذا مضى الرئيس الفلسطيني وأنجز مصالحة حقيقيّة مع «حماس»
و «الجهاد» من دون التزامهما بشروط اللجنة الرباعيّة، التي تتضمن الاعتراف بإسرائيل،
و «نبذ العنف والإرهاب»، والالتزام بالاتفاقيات برغم أنّ إسرائيل لا تعترف بالدولة
الفلسطينيّة ولا بأي من الحقوق الفلسطينيّة، وتمارس كل أنواع الاٍرهاب والعنف وجرائم
الحرب ضد الفلسطينيين، وقد تجاوزت الاتفاقيات منذ زمن طويل.
صحيح أنّ المفاوضات متوقفة، وأنّ الرئيس اعتمد إستراتيجيّة
التدويل وانضم إلى محكمة الجنايات الدوليّة وغيرها من المنظمات الدوليّة، ومضى في بعض
الخطوات على طريق المصالحة وتشجيع المقاومة الشعبيّة، ويهدد بقرارات صعبة مثل وقف التنسيق
الأمني، وتسليم مفاتيح السلطة للاحتلال، إلا أنّ هذه الخطوات هي مجرد تكتيكات لم تصل
إلى حد اعتماد إستراتيجيّات جديدة، وتستهدف الضغط من أجل استئناف وتحسين شروط المفاوضات
الثنائيّة برعاية أميركيّة.
ما سبق كله يوضح أسباب عدم تحقق الوحدة وصعوبة تحققها
سريعاً. لكن هذا لا يعني نفض اليد من الجهود الرامية إلى تحقيقها، ولا من ضرورة الشروع
في حوار وطني على كل المستويات من أجل مراجعة التجربة الفلسطينيّة واستخلاص الدروس
والعبر، لأنّ العوامل التي تدفع نحو الوحدة في ظل الأخطار المشتركة الناجمة عن تغوّل
إسرائيل في مخططاتها التوسعيّة والعنصريّة والعدوانيّة والاستيطانيّة، والأزمة العامة
التي يعاني منها الجميع («فتح» و «حماس» وغيرهما) أقوى من العوامل التي تذكّي الانقسام.
إنّ القطيعة والتراشق الإعلاميّ وتعميق الانقسام
أفقيًّا وعموديًّا من دون اتصالات ولا اجتماعات ولا حوار، ولا تحقيق ما يمكن تحقيقه
من خطوات تخفف من وطأة الحصار والمعاناة الإنسانيّة التي يعيشها شعبنا، خصوصًا في قطاع
غزة، سيجعلنا نسير بسرعة أكبر نحو تحوّل الانقسام إلى انفصال دائم بين الضفة والقطاع،
وهذا سيعود بالثبور وعظائم الأمور، ليس على غزة فقط، وإنما على القضيّة والفلسطينيين
جميعًا، ولا نبالغ إذا قلنا بأنه يمكن أن يدخلهم في مرحلة من الفوضى والفلتان الأمني،
وانتشار التطرّف والتشظي والاستسلام، وسيادة منطق «حارة كل من إيده إله».
المصدر: السفير