المصالحة رغبة
كل فلسطيني
بقلم: أيمن أبو
ناهية
مرت 8 سنوات على الانقسام
الفلسطيني، وما زالت رحلة البحث عن المصالحة سارية، وهي التي بدأت في مكة المكرمة حيث
أقسم هناك قادة فتح وحماس على إنجازها، ثم القاهرة والدوحة، إذ وقَّعوا ما لا يعد ولا
يحصى من اتفاقات وصولًا إلى اتفاق الشاطئ في 23/4/ 2014م، إلا أنها جميعها تعثرت، وبذلك
تعثرت الوحدة الوطنية ووأد الانقسام الذي يستشري في جميع نواحي الحياة الفلسطينية،
حتى أن الشعب الفلسطيني بات أكثر بُعدًا من أي وقت مضى عن تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام،
لغياب الثقة بين الحركتين (فتح وحماس)، إضافة إلى تداخل العوامل العربية والإقليمية
والدولية بها.
وأقول: إن النوايا الصادقة
والرغبات الحقيقية داخل الكل الفلسطيني ستجعل من تنفيذ المصالحة أمرًا واقعًا يسهل
تحقيقه وسيقضي على الانقسام منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الإنقاذ والتوافق الوطني
وهو ما يتطلب التوحد أمام أي محاولة لإشعال نار الفتنة بين أفراد هذا الشعب الذي ينتظر
حلولًا تعوضه عن سنوات المعاناة الماضية، مطالبًا المجتمع العربي والدولي بالعمل الجاد
على إنجاح مرحلة المصالحة الفلسطينية وتسهيل مهمة حكومة الإنقاذ والتوافق الوطني وإخراج
القضية الفلسطينية من كافة التجاذبات الإقليمية. وإن تجاوز هذه المرحلة يتطلب جهدًا
مكثفًا من جميع قيادات الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية لعبور أصعب مرحلة في تاريخ
الشعب الفلسطيني وتنفيذ ما وقع عليه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل مع الرئيس
الفلسطيني في اتفاقية القاهرة وإعلان الدوحة لإنهاء الانقسام.
هل يعني هذا أن حديث إنهاء
الانقسام الفلسطيني الداخلي بات يشبه الحديث عن الوَحدة العربية، التي تغنّى بها العرب
وحلموا بها أكثر من خمسين سنة؟.. ربما يكون الجواب بطعم العلقم، وهو "نعم"،
ولكن حتى في ظل مثل هذا الاحتمال، لا بدَّ من البحث في كيفية تطوير "العلاقة الأخوية"
بين الأخوين أو الشقيقين الفلسطينيين، على الطريقة الأوروبية أو حتى الخليجية العربية؛
فإن كان تحقيق الوَحدة على الطريقة اليمنية، ليس في متناول اليد في المدى المنظور،
فلا أقل من البحث في السياسات والإجراءات التي "توحد" مجتمعي غزة والضِّفة،
وهي سياسات وإجراءات واجبة وضرورية، حتى في ظل سلطة سياسية واحدة؛ لأن وَحدة المجتمع
والشعب هي ضمانة وَحدة السلطة السياسية، ومع الأخذ بعين الاعتبار العقبة الجغرافية،
ووجود الاحتلال الإسرائيلي، في طريق الوَحدة؛ فإن ذلك يحتم البحث الإستراتيجي في هذه
المسألة بالذات؛ ذلك أنه حتى لو تحققت المعجزة، وأعلن عن إنهاء الانقسام، وعن توحيد
شطري الوطن/ الدولة، فلا بدَّ من ضمانة تحول دون تكرار ما حدث من انقسام.
ولعل السؤال الذي يتبادر
إلى الأذهان هو: ما حسابات الطرفين التي تمنع إقدامهما على إنهاء الانقسام؟.. نظن أنها
حسابات عديدة لا داعي لذكرها فهي ليست أهم من الوحدة الوطنية مهما كانت تلك الأسباب
والمبررات، وتذليلها ليس أمرًا صعبًا أو معقدًا؛ كما يعتقد البعض، ولعل الجميع يعرف
ذلك، وهناك وقائع على الأرض تجبرنا على تحقيق المصالحة، ولا أريد أن أطيل، لكن ما هو
ظاهر للعيان أن سياسة عض الأصابع ما زالت قائمة، حيث يعتقد كل طرف أن الوقت يمكن أن
يكون في صالحه، ثم إنهما تعايشا مع حالة الانقسام، والجميع كان متألمًا ومتضررًا.
إن تجديد الرئيس محمود عباس
في خطابه الأخير قبل أيام لملف المصالحة يعتبر خطوة صحيحة على طريق إنهاء الانقسام،
بدعوته حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية للمشاركة في حكومة الوفاق أو حكومة من الفصائل
ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. ويعتبر هذا من الناحية المبدئية تغيرًا استراتيجيًا
مهمًا على مواقف الرئيس بإعطاء فرصة جديدة لتحقيق المصالحة والرغبة في الحياة الديمقراطية؛
وأعتقد أن هذا الأمر يصب في مصلحة الجميع، فلماذا لا نغتنم الفرصة خاصة أن الأوضاع
الفلسطينية في الضفة والقطاع والشتات تشهد أسوأ الظروف التي لم تشهدها القضية الفلسطينية
على مرّ التاريخ من مؤامرات وتصفيات لقضية اللاجئين والقدس والأسرى وسلب الأراضي والمنازل
تحت ذريعة الاستيطان والتهويد.
فليس حال أهل غزة بجيد،
ولا حال أهل الضِّفة، فهؤلاء ما زال الحصار مفروضًا عليهم، وأولئك ما زال الاحتلال
جاثمًا على صدورهم، والشباب هنا وهناك يعانون بطالةً فاقت كل ما يخطر على بالنا من
كوابيس، والمواطنون هنا بالكاد يسدُّون رمقهم، وهنا وهناك ينتظرون حتى رواتبهم. وحال
الفلسطينيين في الخارج ليس بأفضل منه في الداخل؛ فالكل في الهم شريك، فالفلسطينيون
في سوريا يواجهون الموت والتشرد، والفلسطينيون في لبنان ما زالوا يعيشون في مخيمات
البؤس، منذ أكثر من ستين عامًا، فلا من يعيش في وطنه، يعيش كما يجب، ولا من يعيش خارجه
ويتطلع إليه كذلك.
أقول: إن تطبيق اتفاق المصالحة
لن يسير بطريقة سلسة، بل ستكون هناك أثمان، وبالتالي الشيطان يكمن في التفاصيل، وإذا
كانت فتح وافقت على تنفيذ اتفاق تم توقيعه قبل عامين، في ظروف كانت لصالح حماس، فاليوم
الظروف تبدلت، وكلتا الحركتين تفهم ذلك، وعلى هذا الأساس تجري عمليات تغيير على الاتفاق
من خلال التنفيذ، وآلياته، نحن أمام عملية عنوانها مصالحة، لكنها تنطوي على حالة صراع
مرة أخرى بين الأطراف".
نحن الآن أمام مفترق طرق
خطير؛ فإما أن نجتاز هذه المرحلة وننجو بجلودنا من العدو الأساس "الانقسام"
على طريقة (قبيلتي الأوس والخزرج في ظل الإسلام)، وإما أن نرجع إلى الجاهلية الأولى
ونبقى منقسمين أبد الدهر.
المصدر: فلسطين أون لاين