المصالحة وكذبة نيسان!
بقلم: يونس أبو جراد
ليس جميلاً أن يبدو الفلسطيني متشائماً، ولا سيما
في قضية وطنية يتطلع الجميع إلى تحقيقها. ولكن ماذا نفعل إذا كانت الوقائع العنيدة
تؤكد أن المصالحة الفلسطينية هي أشبه ما تكون بكذبة نيسان؟
هل تتصالح البرامج؟
علينا أن نعيد تسمية الأشياء بأسمائها، فالخلاف
بين حركتي حماس وفتح، يعكس حجم الاختلاف بينهما في البرامج الوطنية، وينسحب ذلك على
العلاقة بين حركة فتح والكلِّ الوطني. نحن إذن نتحدث عن مصالحة بين برنامجين؛ مشروعين،
أحدهما يتبنى خيار المقاومة، وعلى رأسها الكفاح المسلح، وهذا النهج تتبناه معظم الحركات
الوطنية الفلسطينية، والآخر يتبنى خيار التسوية السياسية، ويتمسح بما يسميه مقاومة
سلمية، أو مقاومة اللاعنف، وهذا ما تتبناه حركة فتح. وهنا يبدو التساؤل مشروعاً، هل
من الممكن أن يتصالح المشروعان؟ ولا سيما بعد أن حدث الاصطدام بينها، وكان من أهم وأخطر
تعبيراته، ما وقع في حزيران 2007م؛ وهو ما تسميه حماس "حسماً"، وتسميه فتح
"انقلاباً"، ويسميه آخرون "ثورةً تصحيحية" للوضع الفلسطيني؟
ما أريكم إلا ما أرى
عانت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ عقود من حالة
التفرد بالقرار الفلسطيني، والذي كان يأخذ بعداً تنظيمياً متمثلاً بتفرد حركة فتح من
خلال سيطرتها لعقود على منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب التفرد الشخصي داخلها متمثلاً
في شخصية الراحل ياسر عرفات، الذي كان ممسكاً بمقاليد الأمور بقبضة من حديد.
كثيراً ما أكدت الفصائل الفلسطينية داخل منظمة
التحرير أنها ليست "ديكوراً" للإيحاء بوجود إجماع فلسطيني في كثير من القضايا
الوطنية، تلك الفصائل التي دعت لتعزيز الشراكة، واعترضت على تفرد حركة فتح بالمنظمة
والسلطة والقرار الفلسطيني، حاولت أن تعبر عن رفضها مراراً من خلال تصريحات، وبيانات،
ومقاطعة لاجتماعات المنظمة، ولكنَّ ذلك لم يكن له أي تأثير على قيادة انتهجت طريق فرعون:
"ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". وفي العمل الوطني الفلسطيني
الكثير من تجارب الفصائل، وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين –الفصيل الثاني
في منظمة التحرير- التي كانت حائط صد لسياسات التفرد بالقرار الفلسطيني.
يزداد التفرد وضوحاً من خلال إغلاق أبواب المنظمة
أمام حركات وطنية كبيرة، تقود في هذه الحقبة من الزمن الجهاد في فلسطين المحتلة، ألا
وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي، "فأبو مازن" الذي في يده الدعوة إلى اجتماع
الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، والدعوة لانتخابات المجلس الوطني، والانتخابات التشريعية،
وغيرها من القرارات التي تم التوافق عليها، لا يريد شراكةً حقيقية، فكيف لقبطان السفينة
المتربع على "عرش" القرار الفلسطيني أن يتركها؟ إن هويتنا ومشروعنا الوطني
–الذي شوهته القيادة- سيكونان في خطر إذا تَرَكَنَا "المخلِّص" محمود عباس
–بالمناسبة هذا ما تروجه حركة فتح-. فمتى ينتهي التفرد بالقرار الفلسطيني؟
مرض المصالحة .. مرهم الاتفاقات
ثماني سنوات من الانقسام، حظيت باتفاق مكة في
شباط (فبراير) 2007م، الورقة المصرية أوائل عام 2009م، المبادرة اليمنية، اتفاق الدوحة
شباط (فبراير) 2012م، اتفاق القاهرة أيار (مايو) 2013م"، ثم أخيراً اتفاق الشاطئ.
في هذا العرض الموجز لتاريخ الاتفاقات التي تمت
في ثماني سنوات لإنهاء مرحلة الانقسام بين حركتي فتح وحماس، تذكير بصعوبة ميلاد مصالحة
حقيقية استمر مخاضها ثماني سنوات، لتلد في النهاية طفلاً كسيحاً يتعثر في خطواته الأولى،
وينتظر أن تسعفه القيادة الوطنية بفيتامينات الإرادة الفلسطينية حتى تُكتب له الحياة،
ويجتاز مرحلة الخطر التي يعيشها الآن.
تبدو الاتفاقات بين حماس وفتح مرهماً لعلاج علاقة
لها تاريخ مرضي طويل، علما أن تلك العلاقة بين الحركتين هي الوجه الصريح لمرض استوطن
في الجسم الفلسطيني، منذ أن دخلت القيادة الفلسطينية دهاليز أوسلو، وخرجت للشعب الفلسطيني
بولد عاق اسمه "اتفاقية أوسلو"، من يومها والشروخ تتسع، والخلاف يتعمق. فأي
مرهم ذاك القادر على معالجة مرض مزمن، ربما يحتاج إلى استئصال، وربما يكون آخر العلاج
الكي، وربما يكون بمقدورنا أن نتعايش، ربما!
نحن نريد .. "إسرائيل" لا تريد.
لقد سلبونا كل شيء، لقمتنا، شربة مائنا، التنفس
بحرية، التفكير بعقلانية، سلبونا إرادتنا فسلبوا منا الحياة، هكذا تعامل معنا الأعداء،
فكانت النتيجة ما وصلنا إليه من عجزٍ يُخرج لنا لسانه كل يوم، ليقول: أنا السرطان الذي
يلتهمكم وأنتم تنظرون إليّ، أنا الذي حطمتُ إرادتكم، وقهرتُ عزيمتكم، أنا الاستيطان
الذي يعبث في أحشاء أرضكم، ويتمدد بكامل قبحه على اتساع عيونكم التي تتطلع إلى القدس،
فتراها مكبلة محاصرة، أنا الشيطان الذي يدبر لكم هذه المكائد والمؤامرات وأنتم تبتلعونها
كحبات دواء. لأجل ذلك كله لا يزال الانقسام حياً يرزق حتى اليوم، ولا نزال نندب حظنا
المتعثر. فقدنا الإرادة، وها نحن نفقد كل شيء! فمتى نمتلك الإرادة، نتصافح بصدق، نتعانق
بإخلاص، نتوحد بنقاء الثائرين؟!
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام