المطلوب بعد سقوط نظام مبارك
بناء مرجعية فلسطينية حقيقية لإطلاق مشروع التحرير والعودة
رأفت مرة - بيروت
مع سقوط نظام حسني مبارك، دخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة، وذلك نظراً لتداعيات الثورة المصرية وهذا السقوط على الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ووحدة الموقف العربي، ونظراً لما تمثّله مصر من أهمية استراتيجية وموقع تاريخي، ودور سياسي وعسكري وأمني، وهو ما تحسب دولة الاحتلال حسابه تاريخياً.
تقع فلسطين بين دولتين عربيتين كبيرتين ومؤثرتين سياسياً وعسكرياً، هما مصر وسوريا. ويثبت التاريخ أنه كلما تعافت مصر وسوريا وقويتا ازدادت فلسطين قوة.
واليوم مع انتظار عودة مصر إلى موقعها العربي الأمر الذي ستحسمه التطورات والإجراءات في مصر من انتخابات وتعديلات، فإن القضية الفلسطينية ستنال دعماً جيداً، يضاف إلى الدعم السوري الطبيعي للقضية الفلسطينية.
عوامل مؤثرة
تتأثر القضية الفلسطينية بما حصل في مصر من الزوايا التالية:
- النهضة الشعبية ووعي المصريين.
- تأثر اتفاقية كامب ديفيد.
- دخول قوى قومية وإسلامية وناصرية على خط سلطة القرار في مصر.
- احتمال انفراجات على الحدود مع غزة.
- سقوط نظام مبارك الذي كان حاضناً للمشروع وللسلطة الفلسطينية، ولفريق محمود عباس، ونظام مبارك غطّى كل قرارات وتجاوزات «م.ت.ف»، ودعم تخلّيها عن الثوابت الوطنية والحقوق التاريخية، وساند أساليبها في إضعاف أو تخريب المصالحة، ودعم أجهزتها الأمنية، واحتكر القرار العربي في الملف الفلسطيني.
على الصعيدين الإسرائيلي والأميركي
لخّص السفير الصهيوني السابق لدى مصر تسيبي مازل الحالة بقوله: «بعد انهيار نظام مبارك باتت (إسرائيل) في أزمة استراتيجية واسعة النطاق إذ بقيت وحيدة.. لن نجد أحداً آخر يقود مصر بصورة طبيعية براغماتية مرة أخرى بعد مبارك». وينصح قادة الكيان الصهيوني: لا تظنّوا أن مصر القديمة في عهد مبارك سوف تعود ثانية، وعليكم أن تستعدوا لمصر جديدة على الطراز التركي وغير محبة لإسرائيل». وهذا كلام صحيح إلى حدّ بعيد، لأن مواقف الشعب المصري العدائية تجاه (إسرائيل) ليست عابرة، وقد أشارت صحيفة «هآرتس» لذلك بقولها «مصر الآن أكثر عداءً لإسرائيل، لأن الشعب أخذ دوره، العداء لإسرائيل مستحكم في الذهنية الشعبية المصرية».
الأزمة استراتيجية لأن مصر هي الدولة العربية الأكبر، وجيشها الأكثر قوة وتطوراً، ويربض على حدود هذا الكيان، ولأن التغيير يأتي بعد خسارة (إسرائيل) لتركيا، وبعد خسارة حرب تموز ومعركة الفرقان.
ورغم أن مسائل الأمن والحدود والاتفاقيات الدولية، وتحديداً اتفاقية كامب ديفيد وحتى اتفاقية بيع الغاز لإسرائيل، هي مسائل معقدة ومرتبطة بالتزامات أكبر، وتحتاج إلى وقت وجهد لإحداث تغيير، إلا أن التغيير واقع ولو بنسبة لا يمكن التنبؤ بها، وذلك لأنه لا بد للمرحلة الجديدة أن تأخذ الإرادة الشعبية المصرية بعين الاعتبار.
وفيما يخص الولايات المتحدة، سيظهر في المرحلة القادمة تيار يدعو إلى استمرار العلاقة مع واشنطن، وذلك نتيجة المصلحة الاقتصادية، فمن المعروف أن مصر تتلقى مساعدة سنوية من الولايات المتحدة تبلغ 1.3 مليار دولار، كما أن تسليح الجيش المصري صار بأكمله أميركياً.
وبالمقابل، سيرى فريق آخر أن العلاقة مع الولايات المتحدة قد صارت علاقة تبعية إلى حدّ يمسّ الأمن القومي المصري، وبالتالي على النظام الجديد أن يضع ضوابط جديدة لهذه العلاقة تعيد إلى مصر دورها وصورتها في المنطقة.
تداعيات واضحة
لا شكّ أن السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها محمود عباس، قد ارتبط وجودها بالنظام المصري السابق، وبسقوطه تعرّضت السلطة لهزة كبيرة.
وإذا ما وافقنا على أن توقيع النظام المصري الأسبق لاتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، واستمرار نظام مبارك في السياق ذاته، هو ما دفع منظمة التحرير نحو الانخراط في عملية التسوية، فإن سقوط نظام مبارك، وإيجاد نظام جديد أكثر انسجاماً مع الإرادة الشعبية المصرية، يجب أن يدفع السلطة الفلسطينية لإعادة النظر في كل عملية التسوية التي تراوح مكانها منذ عقود.
قد يشعر الكيان الصهيوني بمزيد من العزلة إذا ما طرأ تغيير على سياسة النظام المصري، وقد يفكّر حينها بتقديم عروض جديدة للسلطة الفلسطينية، إلا أن قبول الأخيرة بمثل هذه العروض لن يبعث فيها الروح من جديد في منطقة تتحلق يوماً بعد يوم حول خيار الممانعة والمقاومة.. وخيارها الأجدى سيكون بالتوجه نحو مصالحة وطنية تتجاوز الورقة المصرية السابقة، أو ورقة عمر سليمان الراحل مع النظام المصري.
وترى أوساط فلسطينية أنه من المفيد تسليط الضوء مجدداً على معاناة غزة بسبب الحصار المفروض عليها، وإبراز ممارسات النظام السابق في عملية الحصار، وبناء الجدار، ومنع قوافل الإغاثة، وكذلك الانحياز في ملف المصالحة، والتعامل معها كجزء من ملف الفساد لرموز النظام السابق، وتحديداً عمر سليمان، كي يترسّخ في ذهن المواطن المصري أن تغيير هذا الواقع جزء من مهمات ثورته، وبالتالي سيجد النظام الجديد نفسه مضطراً للتغيير، على أن يقوم بهذه المهمة إعلام يحظى باحترام شباب الثورة.
مرجعية جديدة
بناء على ما تقدّم، يحتاج الفلسطينيون اليوم إلى بناء وتأسيس مرجعية جديدة، للأسباب التالية:
- سقوط النظام المصري الذي كان تاريخياً الحاضن الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وداعمها سياسياً.
- ضعف منظمة التحرير وعجزها عن القيام بدورها، وفساد مؤسساتها، وصعوبة تخلّيها عن سياسة الاحتكار والهيمنة.
- انعدام الثقة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبنهجها السياسي، وصعوبة إقدام هذه القيادة على إجراء تحوّل سياسي يعود بها إلى مربّع المقاومة.
- ارتباط سلطة عباس ونهجها بالإدارة الأميركية، واختراق الاحتلال الصهيوني لهذه السلطة من رأسها إلى قدميها.
- وثائق المفاوضات التي كشفت عنها قناة الجزيرة، وظهور تخلٍّ هذه السلطة عن الحقوق والثوابت بما لا يؤهلها للدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
لكن يبقى المطلوب أن تعمل المرجعية الفلسطينية على ما يأتي:
- تكريس وتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
- إعادة الاعتبار لأسس القضية الفلسطينية.
- حماية الثوابت والحقوق.
- دعم خيار المقاومة بشكل كامل.
- إجراء انتخابات حقيقية في الداخل والخارج لاختيار قيادة فلسطينية.
- بناء مؤسسات المجتمع الفلسطيني.
- إعادة تصحيح العلاقات الفلسطينية العربية والدولية.
- إلغاء كل اتفاقيات التسوية مع الاحتلال.
المرجعية الفلسطينية بهذا الشكل، الموحدة للفلسطينيين هي مؤهلة لاستئناف مسيرة النضال الفلسطيني لاستكمال مشروع التحرير والعودة.
المصدر: جريدة البراق