القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

المفاوضات.. عود على بدء

المفاوضات.. عود على بدء

د. أيمن أبو ناهية

"حل الدولتين شبه انتهى" هذا ما صرح به رئيس المخابرات العامة الإسرائيلية "الشاباك" السابق، يوفال ديسكين، في إشارة واضحة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري أنهم غير معنيين بأي خطة أو خارطة سلام جديدة من صناعة أمريكية"Mead in USA"، وهذا ليس بجديد فجميع ما تقدمت به الإدارات الأمريكية سواء كانت الحالية أو السابقة من خطط طريق للسلام في الشرق الأوسط وما شابهها غير سارية المفعول وباطلة إسرائيليا، ولا حاجة لتكرارها أو إعادة صياغتها من جديد، وقد علل ديسكن هذا "بأن دولته وصلت إلى نقطة اللاعودة ولم يتبق أمامنا سوى خيار الدولة الواحدة العنصرية، وان القيادة الإسرائيلية لم يكن لديها استعداد حقيقي لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين مع رفض تام من الحكومة الحالية لإزالة البؤر الاستيطانية العشوائية".

ولا بد لنا هنا الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية إلى حد كبير متماشية مع هذا التصلب فيما يخص الاستيطان، على انه أصبح امراً واقعيا لا جدال عليه أو حتى جعله شرطا مسبقا لاستئناف المفاوضات، بل هددت الإدارة الأمريكية بتقليص أو قطع المعونة المالية الشهرية للسلطة الفلسطينية في حال إصرارها على هذا الشرط، حتى وان كان كلاما إعلاميا لم تؤكده الإدارة الأمريكية فهو "فيتو" أمريكي لايزال قائما وقد سبق لها أن أعلنت عنه مرارا وتكرارا، بل نفذته بالفعل حين جمدت معوناتها المالية عن السلطة في مرات ومناسبات عديدة.

إذن المطلوب من السلطة الفلسطينية المفاوضة أن تنصاع إلى الإملاءات الإسرائيلية الأمريكية، كما تعودت سابقا بتقديم المزيد من التنازلات السياسية والأمنية والجغرافية، وان كانت غير مقصرة في هذا الشأن، فهي تربط وقف الاستيطان وعودة الأسرى بالرجوع إلى طاولة المفاوضات، ليس من باب "لي الذراع"، فهذا شيء معروف لدى الجميع أنها "تكابر" بهذه الشروط، وتعتبره كنوع من الانجاز السياسي لها على طريقتها القديمة التي أصبحت منكشفة لدى الاحتلال، وبل تزيده إصرارا على شروطه وتصلبا في مواقفه، مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الخارجية لإضعاف موقفها لتقديم تنازلات أكثر فأكثر، وبالتالي تتخذ منها السلطة مبررا لسياستها الفاشلة.

إن المشكلة ليست في صياغة الخطط وطرح المبادرات على الطاولة، وليست في الذهاب إلى المفاوضات أو عدم الذهاب إليها، وإنما المشكلة تكمن في اعتبار المفاوضات بمثابة الخيار الوحيد، والحصري، مع نبذ أي خيار آخر، سواء كان بديلاً، أو موازياً له، هذا من حيث المبدأ، أما من حيث الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذا هو الضعف الداخلي في كثير من مجالات السلطة، ومنها حال الانقسام في النظام السياسي، وتهميش منظمة التحرير، الكيان المعنوي الجامع لعموم شعب فلسطين في الداخل والخارج، وغياب أي أشكال مقاومة للاحتلال والاستيطان وسياسات التهويد في القدس، واستمرار التنسيق الأمني والاعتقالات الممنهجة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وغض الطرف عن حصار وتجويع أهالي قطاع غزة، والتنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين واستبداله بجوازات سفر في محل إقامتهم.

كل هذه الأسباب وغيرها تجعلني أقول: إن المشكلة الحقيقية ليست في "سنة" كيري حول المفاوضات، وإنما المشكلة في "فرض" السلطة وعشقها للمفاوضات وجعلها بمثابة الاستراتيجية الوحيدة في مجال الصراع مع الاحتلال، على رغم مرور عقدين على توقيع اتفاق أوسلو، وعلى رغم كل التنازلات المجانية من الطرف الفلسطيني المفاوض، من دون أن يتزحزح قادة الاحتلال قيد أنملة عن مواقفهم، باستثناء طرح بعض المواقف اللفظية والإعلامية، التي لا تقدم ولا تؤخر على صعيد الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ونحن نعلم علم اليقين أن ما يقوم به كيري من جولات مكوكية، لن تفضي إلى أي جديد، على صعيد حض حليفهم للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في مقدمتها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على ترابها.

فالكيان لا يجد من يضغط عليه للتعجيل بحسم هذا الأمر، لا من تحت ولا من فوق، لا بالمقاومة هنا، ولا بالضغوط السياسية الدولية هناك، لاسيما أن الإدارة الأميركية متواطئة بالكامل معه، وبالتأكيد فليس ثمة، أيضاً، في الرأي العام الإسرائيلي ما يضغط في هذا الاتجاه.