المفاوضات… مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية
د. فايز
رشيد
مؤامرة جديدة لتصفية
القضية الفلسطينية هذه المرة. مباحثات بدأت في واشنطن (الثلاثاء 30
تموز/يوليوالماضي) بين السلطة الفلسطينية واسرائيل وباشراف الامريكي الصهيوني حتى
العظم ذي التاريخ الحافل بالتآمر على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مارتين انديك
سفير الولايات المتحدة في اسرائيل. الدولة الصهيونية لم تتراجع عن أي من بنود
تعنتها الرافضة للحقوق الفلسطينية، بل زادت من اشتراطاتها للتسوية. مثلما هو
مُتوقع، أسفرت جولة كيري الأخيرة عن تنازل السلطة الفلسطينية عن شروطها للعودة إلى
المفاوضات، نتيجة للضغوطات التي تمارسها عليها الإدارة الأمريكية من خلال وزير
خارجيتها، السلطة حددت موقفها من خلال مباحثات واشنطن بين صائب عريقات، رئيس ملف
المفاوضات في السلطة وتسيبي ليفني وإسحق مولخو مستشار نتنياهو، باجتماعات قليلة،
لكن أنباء العاصمة الامريكية أكدت أن المدى الزمني للمفاوضات سيستمر تسعة أشهر،
المفاوضات بدأت في واشنطن وستستأنف في المنطقة.
السلطة للأسف،لا
تتعلم من الدروس، فمباحثات عمّان التي أُجريت من قبل مع مستشار رئيس الوزراء
الإسرائيلي لم تُسفر عن شيء جديد سوى المزيد من تعنت المفاوض الإسرائيلي، ورغم ذلك
تذهب السلطة للمفاوضات، رغم وضوح الموقف الإسرائيلي بشكل تام، فقد أعلن نتنياهوعن
رفض إسرائيل التام والمطلق لأن تكون المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حدود عام
1967، ليس ذلك فحسب بل أعلن وزراء حكوميون في الائتلاف الحالي رفضهم التام لإجراء
مفاوضات على أساس هذه الحدود، ولإقامة دولة فلسطينية. لقد صرّح وزير الإسكان
الإسرائيلي أوري أرييل من حزب المستوطنين ‘البيت اليهودي’: ‘إنني لن أسمح بأي
إجراء من شأنه أن يجمد الاستيطان. لقد قلت مراراً بأن لا حل قريبا للصراع
الإسرائيلي الفلسطيني، ولهذا فإن ما هو متاح ومهم فعله، هو إدارة الصراع وليس
حلّه’.
من جانبه عبّر رئيس
حزب المستوطنين ‘البيت اليهودي’ نفتالي بينيت عن ‘رضاه’ من أن المفاوضات ستجري من
دون شروط مسبقة من الجانب الفلسطيني، وقال بالحرف الواحد ‘إن هذا نتيجة لإصرارنا
على أن تستمر الحياة بشكل سليم، بما في ذلك استمرار البناء في القدس ويهودا
والسامرة (الضفة الغربية المحتلة). أما رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست
ورئيس حزب ‘إسرائيل بيتنا’ الفاشي افيغدور ليبرمان فقد صرّح قائلاً: ‘انه ليس
واضحاً مدى شرعية محمود عباس، ولكن على ضوء حقيقة أننا نرفض تجميد الاستيطان، ومن
أجل منع مباحثات في مراحل متقدمة، فمن الأجدر إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي مسبقاً
بخططنا الاستيطانية القادمة، وهذه الخطط على وشك التنفيذ’. وزير المواصلات إسرائيل
كاتس المقرب من نتنياهو، أكد رفضه اقامة دولة فلسطينية في حال تم طرح مثل هذا
الأمر على الحكومة، واعتبر استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من دون تحقيق أي من
شروطهم، إنجازاً كبيراً، بل العكس من ذلك فالقادة والمسؤولون الحكوميون
الاسرائيليون يطالبون بضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) الى اسرائيل، من هؤلاء أوري
أرييل وزير الأسكان من حزب ‘البيت اليهودي ‘، نائب الوزير أوفير أكونيس المسؤول عن
ردود الفعل في حزب الليكود الحاكم، النائبة الصهيونية تسيبي حوتينبيلي وغيرهم.
بالنسبة لاطلاق سراح
الأسرى: أقرت الحكومة الاسرائيلية اطلاق سراح 104 من الاسرى الذين جرى اعتقالهم
قبل توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993. اسرائيل ربطت هذا الأمر باربع مراحل زمنية
تمتد 9 أشهر. معروف أن اسرائيل تطلق سراح الأسرى الذين قاربت احكامهم على
الانتهاء، وليس هناك ما يجبرها على عدم اعادة اعتقالهم، فهذا ما جرى بعد صفقة
شاليط. اسرائيل رهنت اطلاق السراح بمدى التقدم في المفاوضات أي أنها تقصد القول:
ان تحرير الأسرى سيتم حين يبدي الطرف الفلسطيني المزيد من التنازلات.
ما أوردناه من
تصريحات للمسؤولين الاسرائيليين هو غيض من فيض التصريحات التي يطلقها القادة
الإسرائيليون عن المفاوضات مع الفلسطينيين، التي تذهب إليها السلطة الفلسطينية، من
دون تحقيق أيٍّ من شروطها، بالتالي ما هو السبب الذي حدا بالسلطة الى الموافقة على
اجتماعات واشنطن واستئناف المفاوضات مع إسرائيل؟ بالتأكيد هي الضغوطات الأمريكية،
وهذا عذر أقبح من ذنب. السلطة للأسف رغم كل ما تراكم لديها من تجربة مع الإدارات
الأمريكية المختلفة، لا تدرك حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن الولايات المتحدة لا
يمكن أن تكون وسيطاً نزيها بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين حليفتها
الاستراتيجية إسرائيل من جهة أخرى. هي لا تملك إمكانية الضغط على تل أبيب، بل
تمارسه على الجانب الفلسطيني وعلى العرب.
للأسف، السلطة قامت
بقمع المظاهرات والمسيرات التي نظمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في رام الله
والعديد من المدن والبلدات الفلسطينية بأشد أشكال القمع، جرح كثيرون وجرى اعتقال
العديدين.
قبيل جولة كيري
الأخيرة، تعهدت الولايات المتحدة بإيجاد خطة إنمائية للسلطة الفلسطينية بقيمة
أربعة مليارات دولار، من خلال منح واستثمارات أمريكية وأوروبية وعربية. كان هذا
هو’الطُعم’الذي استخدمته الولايات المتحدة لاستدارج محمود عباس إلى مفاوضات مع
إسرائيل. من ذلك يتضح أن الإدارة الأمريكية ليست فقط لا تمارس الضغوطات على
إسرائيل وإنما تتبنى المواقف الإسرائيلية جملة وتفصيلاً.
جون كيري وزير خارجية
الدولة العظمى الأولى في العالم، لا يعمل كمراسل فقط لإسرائيل من خلال ما يبلغه
لرئيس السلطة محمود عباس من مواقف وشروط إسرائيلية، وإنما يُترجم ما يقوله نتنياهو
ويحوله إلى وقائع. لقد تحدث رئيس الوزراء الصهيوني من قبل عمّا سماه ‘أولوية
السلام الاقتصادي’، فهو يطمح إلى إنشاء مشاريع إنمائية أمريكية، اولاً في الضفة
الغربية واستعمالها كمدخل للهيمنة السياسية، وإبقاء الاحتلال على الفلسطينيين
والنفاذ من خلالهم إلى العالم العربي.
هذه الخطة الأمريكية
-الإسرائيلية تصب في مجرى مشروع ‘الشرق الأوسط الجديد’ الذي كان قد اقترحه شيمعون
بيريز رئيس الدولة الصهيونية الحالي، وبالتعاون مع خبراء اقتصاديين من كل من
إسرائيل والولايات المتحدة، وتبناه الطرفان ويهدف أيضاً إلى جعل إسرائيل مكوناً
رئيسياً من مكونات المنطقة، إن لم يكن العامل الرئيسي الأساس.
هذا المشروع إضافة
إلى كل الأهداف السابقة، يُقفل الأبواب على الحلول السياسية العادلة للصراع
الفلسطيني العربي - الصهيوني، ويكون بمثابة إلهاء للفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية
العادلة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة
وعاصمتها القدس، هذه التي ضمنتها الشرعية الدولية للفلسطينيين، من خلال قرارات
صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدار سنوات الصراع، منذ إقامة الدولة
الإسرائيلية في عام 1948 وحتى هذه اللحظة.
للأسف، السلطة
الفلسطينية تذهب للمفاوضات في ظل الاستيطان وتهويد القدس ومنطقتها، وفي ظل طرد
أهلها العرب وتجريدهم من مواطنتهم وهوياتهم واعطائهم بطاقات اقامة لمدة عشر سنوات،
وفي ظل مصادرة أراضي النقب (800 ألف دونم، تدمير 80 قرية وتهجير 40 ألف فلسطيني
قانون برافر) وفي ظل الاعتقال والاغتيال للفلسطينيين، وفي ظل تنكرها للحقوق
الفلسطينية كافة، وفي ظل استمرار محاصرة قطاع غزة.
للأسف، السلطة حشرت
نفسها في زواية المفاوضات، باعتبارها الخيار الأوحد في التعامل مع دولة الكيان
الصهيوني. هذا الخيار (مثلما قلنا ذلك مراراً نحن وغيرنا) أثبت عقمه وفشله مع
إسرائيل، التي استفادت وما تزال تستفيد منه وأيضا من الانقسام الفلسطيني والوضع
الفلسطيني عموماً. قرارات الشرعية الدولية يتوجب اعتبارها مرجعية أساسية ورئيسية،
كل ذلك وغيره يعتبر بدائل لخيار المفاوضات مع إسرائيل. كما أن تجاوز الانقسام
والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع
الكيان الصهيوني عمادها الرئيسي، المقاومة والمسلحة منها تحديداً، هي الخيار
الاستراتيجي الفاعل في التعامل مع الدولة الصهيونية.. بالتأكيد ستلتف الجماهير
العربية من المحيط إلى الخليج من حول هذه المقاومة، وهذا ما سيجبر إسرائيل على
الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية. لن يكون مصير المؤامرة
الجديدة سوى السقوط والفشل، فمثلما أسقط شعبنا الفلسطيني مؤامرات امريكية
اسرائيلية غربية سابقة، سيفشل المؤامرة الجديدة.
القدس العربي، لندن،
1/8/2013