المفاوضات ووجع النكبة
بقلم: إسماعيل عامر
مر على النكبة الفلسطينية 67 عامًا, والشعب الفلسطيني
يكتوي بنار التشرد والفرقة في تحديد المسار والهدف والوسيلة لتحرير فلسطين, ويبدو أن
أجيالًا كثيرة ستمضي وسترحل، قبل أن تنتهي مفاوضات التسوية الفلسطينية الإسرائيلية،
وعملية بناء الثقة, وإجراءات حسن النية, 24 عامًا مضت على بدء المفاوضات، والقائمون
عليها لا يعرفون متى سيزفون نجاحهم للشعب الفلسطيني، كما لا يعرفون متى سيعلنون فشلهم
بصراحة.
دخلت منظمة التحرير الفلسطينية عملية التسوية,
بناء على إدراك أن العملية ستستمر على أساس القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، ومبدأ
الأرض مقابل السلام الذي بنيت عليه هذه القرارات والاتفاقيات العديدة التي وقعت بين
منظمة التحرير والكيان العبري، وكان يفترض فيها أن تجسد هذه الصيغة، ولكن الكيان تجنب
القانون الدولي وجعل العملية بدلًا من ذلك مفاوضات طويلة جدًّا, تصب في مصلحته, والمنظمة
تلهث وراء نصر.
خلال عمر المفاوضات عمل الكيان العبري على تذويب
الحقوق الفلسطينية كحق العودة والقدس والأرض, فأنشأ مستوطنات جديدة في الضفة الغربية،
وأحكم سيطرته على شرقي القدس المحتلة وضم جبل أبو غنيم, وبنى الجدار العازل الذي قطع
أوصال الضفة الغربية, فتضاعف عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة خلال (أوسلو)، وأصبح
الفلسطينيون يعيشون في "كنتونات" محاطة ويسيطر عليها الاحتلال.
ونحن متمسكون باتفاقيات التسوية؛ لعلنا نكون عند
حسن ظن العالم بنا, والجانب الآخر غير معني بالاتفاقيات، وكل رئيس وزراء يعمل على إعادة
تقويم التزامات سلفه وتعديلها، والفلسطينيون يدورون في حلقة مفرغة، ويفاوضون على الاتفاقيات
السابقة لا على جديد.
وما زالت المفاوضات جارية وتتجدد على مدى ربع
قرن، تنطلق وتنكفئ، تمضي وتتعثر، تقطع أشواطًا ثم تعود القهقري من جديد، إلى نقطة البدء
أو ربما قبلها، فلا يتعلم المفاوض الفلسطيني ولا يتعب، ولا ييأس نظيره الإسرائيلي ولا
يمل؛ فالأخير يصمد ويتشدد، ويثبت ويتصلب، ويتمسك بمواقفه ولا يتراجع، أما الأول فيضعف
ويتنازل، ويمل ويتعب، ويحار بحثًا عن أي حل، ويقبل يائسًا أي عرض.
ماذا ينتظر المفاوض الفلسطيني ووزيرة القضاء في
حكومة الاحتلال إيلي شكيد ترى ضرورة قتل أمهات الفلسطينيين، ونائب وزير الجيش إيلي
بن دهان يصرح: "الفلسطينيون ليسوا بشرًا، وهم لا يستحقون الحياة"؟!, ماذا
ننتظر وهذه العنصرية تقول لنا من هم اليهود؟!
المجتمع الدولي ينصر الكيان العبري على فلسطين،
ويغض الطرف عن تمادي حكومات الاحتلال في أعمال الاستيطان، والاعتداء على الأراضي الفلسطينية،
والسماح للمتطرفين باجتياح المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك ساحاته وباحاته, وإذا احتج
الفلسطينيون فإنهم يتهمون بتعطيل المفاوضات، ويطالبون بأن يتنازلوا، ويكون عندهم شيء
يقدمونه بادرة خير وحسن نية لبدء المفاوضات (ماذا بقي لأهل فلسطين حتى يتنازلوا عنه؛
ليثبتوا للعالم أنهم أهل سلام؟!) فيسعى المجتمع الدولي لإجبار الفلسطينيين أن ينبذوا
المقاومة، ويصفوا كل من يعمل في مجالها بالإرهابي، ويعترفوا بيهودية الكيان الصهيوني،
والتنازل عن حق العودة.
في ذكرى النكبة التي أوجعت الشعب الفلسطيني وكوته
بنار الغربة ندعو قيادة السلطة الفلسطينية لأن تنتبه إلى شعبها وتنتبه إلى المصالحة
الفلسطينية؛ فهي الحل للخروج بمظهر الرجل القوي المعافى الذي حدد خياراته وتمسك بالمقاومة
لاسترجاع أرضه، آن الأوان أن نكون صادقين مع أنفسنا وشعبنا, وأن نشاور الشعب في القضايا
المصيرية، وأن نكون مصطلحين مع أنفسنا, مخلصين لقضيتنا وأجيالنا، وأقرب بذلك إلى تحقيق
أهدافنا: النصر على الاحتلال، واسترجاع كامل ثرى فلسطين.
المصدر: فلسطين أون لاين