القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

"المقاومة" لا تشكر أحداً

"المقاومة" لا تشكر أحداً

بقلم: عبّاد يحيى

يمكن القول، بثقة كاملة، إن المقاومة الفلسطينية، طوال تاريخها، لم تحظ بداعم "استفادت" منه أكثر مما "استفاد" منها. دوماً، كان الداعمون ذوي مطامح ومصالح عديدة، تلبيها علاقة دعمهم الفلسطينيين، واستثمرت العلاقة تلك بكفاءة في تحسين شروط تمركزهم، إقليمياً ودولياً وقُطريّاً أيضا، ناهيك عن استخدام ذاك الدعم في حصد ولاءات جماهير، أو إسكاتها.

أما المقاومة فكانت تخوض معاركها بمواردها، وبأقل قليل الدعم، من دون تمكينٍ من أدوات تخلق فرقاً نوعيّاً في المواجهة، أو تكلف الداعمين انتقالاً إلى موقع أوضح في المواجهة.

ينسى كثيرون أن كل ما قد يقدمه أي طرف للمقاومة، أو حركات التحرر الفلسطينية، هو تعويض بسيط عابر عن التقصير الفادح في المواجهة مع الصهيونية، مشروعاً ودولة استعمارية في قلب المنطقة العربية والإسلامية.

كل ما يقدم هو تعويض عن الخذلان والخسران والانكفاء إلى وضعيات تقبل بوجود إسرائيل ضمن معايير محدودة، سقفها أدنى مما يحلم به أي عربي حر. والمنطق الذي يرى الدعم، ويتعامل معه على أنه أبسط أوجه التعويض عن التأخر في مجابهة إسرائيل، كان المنطق الذي فرض عبره فلسطينيون الدعم المالي وتوابعه على نظم عربية في مراحل الثورة الفلسطينية الأولى، وهو، بالضرورة، مختلف عن السائد اليوم، كان منطق حق صريحا، لا منطق تمنن وتفضل يستوجب الشكر.

إن كان لا بد اليوم، وفي هذا السياق، من مراجعة مواقف سريعة لسلوك المقاومة أمس واليوم؛ فلا بد أن يعاد النظر في تلك اللحظة التي خرجت فيها المقاومة لتشكر. مع الوعي بخطورة متتالية الشكر المتحولة إلى أحلاف وولاءات، خصوصاً حين يبدل الداعمون المشكورون مواقفهم في مستقبل قريب، ويقفون ضد بديهيات النضال في سبيل الحرية والتحرر، بل تصل متتالية الشكر، وتوابعها، إلى انقلاب المعادلة، وبدل أن تُشكر المقاومة على قيامها بأدوار الداعم المقصر؛ يتمركز الداعم عنواناً للمقاومة ودالاً عليها. طبعاً، لا يخفى كمّ الدعم الذي تحوّل إلى اختراق وسيطرة وتوجيه حتى صناعة وكلاء حرب.

لا بد من التذكير، دوماً، أن المقاومة كانت، في البدء، ثم لحقها الداعمون، لا العكس، وإن واحدةً من أفدح الخطايا والمغالطات هي أن تقود حالة الخذلان، الواسعة عربياً، لكل جهد تحرري؛ إلى القبول بمنطق دوني، يعفي دولةً أو نظاماً، من مهماته البديهية، في مجابهة إسرائيل، لمجرد أنه يقدم الدعم لشعب يقاوم، خصوصاً إن كان الدعم، بكل أشكاله، لا يسد بنداً واحداً في فاتورة الأثمان الباهظة التي تفرضها المواجهة والحرب المفتوحة مع الاحتلال. إن القبول بمنطق اليد الدنيا لا يصح في حالة شعبٍ وحركات تحرر، تقارع الخطر المحدق بكل آمال الأمة وطموحاتها، عربية كانت أم إسلامية.

اليوم، ينسى المشغولون بأهمية تشكرات المقاومة خلال الحرب الدائرة على غزة؛ أن منطقهم يفرض المضي إلى شكر السودان، مثلاً، لأنه محطة مركزية في توريد السلاح، بكل أشكاله، إلى غزة، وتعرض غير مرة للقصف والهجوم الإسرائيلي. بل وتقود حفلة الشكر هذه إلى مطالبة جماعات وحركات عربية، لا سيما في لبنان، بشكر الفصائل الفلسطينية على جهدها في تمكينهم من ثقافة السلاح، وتدريبهم عليه، بل ورفدهم بموارد مادية وبشرية، كان لها كل الفضل في جعلهم على الهيئة التي هم عليها اليوم. وأسوأ ما تقود إليه حفلة التشكرات هو نكران ونسيان المجهولين الذين صنعوا المقاومة من دمهم، على الأقل الذين استشهدوا خطأ في أثناء تجارب صواريخ غزة أيام كانت بدائيّة.

المقاومة، مع التحفظ على المفردة التي حُمِّلتْ بإحالات كان "النضال" الفلسطيني، ولا يزال أكثر جذرية وأولية وشمولية منها، منشغلة في مواجهة إسرائيل وحيدة. لذلك لا تشكر أحداً، والشكر الوحيد المتواضع، والممكن، هو لمن يدفعون الكلفة اليومية للمقاومة، هو لحاضنتها الشعبية، والحاضنة الشعبية هي المقاومة، في معناها العملي الواسع، فإن كان للمقاومة أن تشكر أحداً فهو نفسها، ونفسها فقط. وحق لها أن يشكرها الآخرون، لأنها تقاتل بالنيابة عنهم جميعاً.