المقاوم والمتسول هل يستويان؟!
عزالدين أحمد ابراهيم
في المثل الشعبي الفلسطيني أن "القرعة تتحالى بشعر بنت خالتها"، أي ان المرأة التي أصابها الصلع في رأسها تتباهى أمام الناس بشعر ابنة خالتها الطويل، وذلك كناية عن أن البعض ممن لايملك شيئا ذو قيمة، يضطر إلى التباهي بما يملكه قريب له ليظل حاضرا في المشهد، وحتى لا يذوق طعم الحسرة.
هذا هو الحال بالنسبة لبعض الفصائل الفلسطينية التي أصبح قادتها ينظّرون للمقاومة السلمية فقط، بالشموع وأغصان الزيتون التي اقتلعتها جرافات الاحتلال، ويعتبرون المقاومة المسلحة عنفا وارهابا، لنتفاجأ في لاحقا بأنهم حشروا أنفسهم في المشهد الأخير في غزة وأطلوا برؤوسهم التي أخفوها في الرمال في مواجهات سابقة، في محاولة لاثبات الحضور ولو على حساب الاخرين.
لا أفهم كيف يخرج علينا البعض اليوم ليدعي وصلا بالمقاومة وما حققته في غزة، وهو في ذات الوقت يقر جهار نهارا بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ويعتبر ملاحقة من تبقى من مقاومين بالضفة ضرورة وطنية، ثم يخرج علينا متمسحا بالمقاومة في غزة وهاتفا باسمها؟!
الأنكى من ذلك كله، وبعد الفشل في تسويق أنفسهم على صعيد المقاومة، يسعى هؤلاء إلى المساواة بين ما جرى في غزة من ملحمة بطولية للمقاومة مرغت أنف الاحتلال وجنوده في التراب وبين من يطوف على أعتاب الدول ليتسول دعمها لنيل صفة مراقب في المنظمة الأممية، لن يقدم ولن يؤخر في ظل مجتمع دولي منحاز إلى الكيان وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل ويعتبر ذلك جبهة جديدة من جبهات النضال الفلسطيني!.
هل يستوي يا قومنا من فرض شروطه على عدوه في تهدئة بعد أن أجبر مستوطني الكيان على الاختباء لايام في الملاجئ، هل يستوي مع مفاوض يتبرع للمحتل بحقوقه ووحقوق شعبه ارتقى دفاعا عنها آلاف الشهداء؟!
هل يتسوي من يسهر الليالي الباردة حارسا لثغور الوطن، رادعا للاحتلال، مع من كان جلّ عمل أجهزته الأمنية خلال السنوات الماضية إرجاع الجنود والمستوطنين "التائهين" إلى الكيان سالمين غانمين بعد أن صالوا وجالوا في قرىومدن الضفة؟ّ!
شتان بين من يطالب بحقه بقوة الحق، متسلحا بالايمان وما تيسر من سلاح أبدعته عقول شباب تناثرت أجزاء بفعل الغارات والاستهدافات الاسرائيلية، وبين من يتسول جزءا منقوصا من حقه وحق شعبه ويعتبر كل الدنيا تتآمر عليه لمنعه من الوصول لهذا الحق، بل ويقدم مواقف مجانية للكيان باستعداده للدخول في مفاوضات فور حصوله على عضوية غير كاملة في منظمة دولية تتحكم بها عدة دول.
معركة غزة أحدثت مفاصلة في الشارع الفلسطيني، بين مشروعين، مشروع يقاوم، وآخر يساوم، ولسنا بحاجة لكثير جهد للتدليل على ما انتجه المشروع المقاوم وما فرضه على الاحتلال، بينما لا نجد أي نتائج تذكر لمشروع المساومة والتفريط، غير التنازل تلو التنازل والتراجع تلو التراجع، يقابله حضور طاغ للاحتلال وممارساته في الضفة الغربية بعد أن أُلجمت وجُرمت المقاومة المسلحة.
علينا أن لا نتفاءل كثيرا فيما تركته معركة غزة من أجواء وحدة وتصالح – وان كنا نتمناها-، فأصحاب مشروع التسوية يصرون على أن نهجهم هو الأقرب لتحصيل الحقوق، ويعتبرون توجه عباس للأمم المتحدة معركة لا تقل عن معركة غزة الأخيرة، إن لم تكمن أهم منها، فهيهات لهؤلاء التراجع عن ما يضمن لهم وظيفتهم ومكتسباتهم.