النكبة بين مشروع المقاومة ومشروع التسوية
بقلم: إياد القرا
كثيرًا ما نتحدث عن النكبة ببعدها التاريخي ومحاولة
تعزيز الوعي الجمعي الفلسطيني العربي بنتائج النكبة التي وقعت على الشعب الفلسطيني
عام 1948 وما قبلها من محاولات لاستئصال الوجود الفلسطيني، إلا أن شعبنا قاتل بقوة
وشراسة للحفاظ على هويته الوطنية ووجوده في أراضيه المحتلة، وفي مخيمات اللاجئين، ورفض
كل أشكال التوطين أو التنازل, إلا أن العشرين عامًا الماضية مثلت انتكاسة سياسية بمحاولة
تمرير مشاريع التسوية السياسية القائمة على الاعتراف بالاحتلال الصهيوني، والتنازل
عن فلسطين التاريخية، والتفاوض على المتبقي عبر مساومة سياسية أمنية من خلال سياسة
التنسيق الأمني ومواجهة المشروع المقابل وهو مشروع المقاومة الذي استطاع أن يحافظ على
ما تبقى من القضية الفلسطينية.
النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني ليست نكبة
واقعية فقط، لكن ما تعرض له خلال السنوات الأخيرة هو النكبة السياسية عبر مشاريع التسوية
المتوالية التي تبنتها قيادة منظمة التحرير, وقادت الفصائل الفلسطينية مكبلة اليدين
نحو تسوية سياسية تفتقد عنصر القوة بعد أن تخلت فصائل منظمة التحرير عن المقاومة، وانخرطت
في مشروع التسوية، وخاصة بعد أن فقدت الشرعية القانونية التمثيلية للشعب الفلسطيني،
باستمرار مجموعة من "العواجيز" بقيادة منظمة التحرير برئاسة محمود عباس،
وسيطرته على رئاسة السلطة وقيادة حركة فتح.
كل ذلك ساهم في تشتيت المشروع الوطني الفلسطيني،
وخَلَق صراعًا حقيقيًّا بين مشروعين؛ الأول تقوده منظمة التحرير, يقوم على التفاوض
مع الاحتلال والتنازل عن حقها في مقاومة الاحتلال، وبناء سلطة وظيفية تقوم بالتنسيق
الأمني مع الاحتلال, وغياب حقيقي لمفهوم العمل السياسي، والانتقال للعمل الفردي الارتجالي
دون أي مرجعيات.
في حين استطاع مشروع المقاومة خلال الأعوام الأخيرة
إيجاد بديل عن مشروع التسوية السياسية عبر التمسك بالمقاومة كسبيل لمواجهة الاحتلال
واستعادة الحقوق الوطنية، وإفشال مشاريع التسوية التي تمثل الجزء الأهم من تداعيات
النكبة والتي لا زالت مظاهرها مستمرة حتى الذكرى 67 للنكبة.
تمكن مشروع المقاومة منذ عام 2000 من إحداث تغيير
حقيقي في مواجهة الاحتلال ومواجهة تداعيات النكبة من خلال الدخول في مواجهة مسلحة متقدمة
ومتطورة عبر كتائب مسلحة تقترب من تشكيلات عسكرية رسمية وتشمل قطاعات مختلفة، وما يميزها
أنها لأول مرة منذ النكبة تقاتل على أرض فلسطين، وتشكل خطرًا وجوديًا على الاحتلال.
مشروع المقاومة الذي يلقى دعمًا جماهيريًا واسعًا
يشمل كافة القطاعات، وهو ما مكنه من الصمود بشراسة أمام كافة محاولات إقصائه أو إنهائه
كما حدث خلال الحروب الثلاث الأخيرة على غزة منذ عام 2008.
نحن أمام مشروعين؛ الأول فشل فشلًا ذريعًا في
تحقيق طموحات اللاجئ الفلسطيني، بل ساهم في التنازل عن حقوق اللاجئين، سواء في العودة
أم المشاركة في مشاريع التوطين، بينما حقق مشروع المقاومة إنجازًا حقيقيًا متمثلًا
في البقاء على الأرض والقتال عليها، وتهديد المشروع الصهيوني، والمتوقع أن يواصل تحقيق
إنجازاته.
المصدر: فلسطين أون لاين