الهاربون من جنات العرب
بقلم: فؤاد أبو حجلة
في أوروبا اكثر من خمسة ملايين مهاجر عربي، هربوا من القمع ومن الموت قتلا أو الموت جوعا في بلادهم العامرة بالطغاة.
توزع هؤلاء على بلدان القارة القديمة، وتركز معظمهم في بريطانيا وفرنسا وكأنهم مدفوعون بعاطفة الحنين الى الاستعمار القديم.
صحيح أن فتح ابواب المهاجر لم يعد سهلا مثلما كان في العقود الماضية، لكن الحصول على تأشيرات اللجوء والعمل والاقامة الشرعية للعربي في أوروبا اسهل كثيرا من الحصول على تأشيرات الدخول الى دول عربية كثيرة.
هنا، في شوارع لندن تجد العرب منتشرين وكأنهم أهل البلاد الأصليين، فهم يعرفون كل شيء ويجيدون العمل بروحية الانتاج المألوفة في هذه البلاد، ويتقنون ما يفعلون حتى أن قرص الفلافل ألذ هنا من شبيهه في عمان أو القاهرة.
صاحب الشقة التي اقيم فيها فلسطيني الأصل، وهو غزي أصيل، وصاحب المتجر الواقع تحت الشقة فلسطيني أيضا من عزون، وكذلك الحلاق وصاحب محل الأغطية والمفارش.
في المطعم القريب أجد الملوخية والبامياء في انتظاري، وحتى المعمول موجود قبل العيد. وبعد الغداء اشرب الشاي الثقيل مع «أبو عادل» صاحب المتجر والمخبز.
هذا الجزء من شارع «نورث اند» في لندن يبدو وكأنه حي فلسطيني.. وهناك أجزاء أخرى في الشارع تبدو وكأنها أحياء عراقية وسورية ولبنانية ومصرية، لكن اكبر تجمع عربي في المنطقة هو للصوماليين الذين انتشروا في ضاحية «شيبردز بوش».
قد يكون مبررا ومفهوما وجود ثلاثة ارباع مليون مهاجر فلسطيني الى اوروبا، فالاحتلال قديم في البلاد. وقد يكون مفهوما أيضا وجود عدد كبير من العراقيين بسبب الاحتلال، وسوريين بسبب الاقتتال، ولبنانيين بسبب الانفعال، ومصريين ومغاربيين بسبب الرغبة في العمل. في الواقع هناك مبرر منطقي لهجرة اي عربي الى اوروبا، لأن كل ما تبثه الشاشات الوطنية العربية عن البلاد وجناتها مجرد اكاذيب يكتشفها العربي في اول خطوة خارج الحدود.
الكل هنا يعرف هذه الحقيقة لذا ينخفض منسوب الحنين الى البلاد، ويختصر الوطن في العائلة وبعض الاصدقاء.
تتوقع التقديرات العلمية أن يرتفع عدد المهاجرين العرب الى اوروبا من خمسة ملايين الى عشرين مليونا مع حلول العام 2030. وهذه تقديرات مبنية على اساس المتوسط الحسابي في الزيادة السنوية للعدد، لكن ما يجري في البلاد التي يأكلها الطغاة وأبناؤهم وأنسباؤعم ويستعد للانقضاض على ما تبقى منها الظلاميون الذين يسبحون بحمد اميركا.. ما يجري الآن قد يدفع أعداد المهاجرين الى تجاوز التقديرات والقفز عن العشرين مليونا خلال سنتين فقط.
هذا ما فعلته الزعامات العربية المظفرة بالمواطن العربي، وهذا ما ينهمك الكهنوت الاعلامي الرسمي العربي لتغييبه والتعتيم عليه.
الطغاة يحتاجون دائما الى الكذابين، والظلاميون يحتاجون الى الأغبياء.. ومن لم يكن كذاب او غبيا فليهاجر.
المصدر: جريدة الحياة الجديدة