الهجمة الأخطر
بقلم: يوسف رزقة
غدًا جمعة الغضب الفلسطيني، والعربي، والإسلامي، نصرة للمسجد
الأقصى، مسرى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.
في هذا اليوم يخرج المصلون من كل مساجد القطاع والضفة والقدس في تظاهرات جماهيرية تنديدًا
بالعدوان الصهيوني على المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا. المسجد الأقصى بمساحته
البالغة (١٤٤ دونمًا) هو حق خالص للمسلمين، لا يشاركهم فيه أحد، ولا يجوز لدولة الاحتلال
أن تغير طليعته وهويته بقوة السلاح والأمر الواقع. وفي تصريح واضح لشيخ الأقصى الشيخ
رائد صلاح, بين فيه أن الهجمة الأخيرة هذه الأيام على الأقصى هي (الهجمة الأخطر) منذ
عام ١٩٦٧م، فهي في نظره ليست مثل سابقاتها في الأعوام الماضية اقتحامات محدودة، لأيام
وتنتهي بانتهاء الأعياد اليهودية. إنها الآن هجمة على (هوية المسجد الأقصى وطبيعته)،
حيث اتجهت سياسة العدو نحو التشكيك بملكية المسلمين لباحات الأقصى بمساحته المذكورة،
وتريد أن تحصرها في المسجد القبلي، ليتسنى لها تحقيق التقسيم المكاني وانتزاع موقع
قبة الصخرة من المسلمين لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.
الخطورة الشديدة الآن تكمن ليس في الاقتحامات ومجموعات المقتحمين
للأقصى فحسب، بل تكمن في الرؤية السياسية للمكان على المستوى الرسمي لحكومة نتنياهو،
والتي عبر عنها نتنياهو نفسه في حملته الانتخابية الأخيرة بقوله: (لقد انتهى اليوم
الذي يمنع فيه اليهود من دخول الأقصى، ومن أداء الصلوات فيه؟!). في هذه الرؤية السياسية
الدينية التي تجعل لليهود حقًا في المكان، واقتسامه مع المسلمين، كما حدث مع المسجد
الإبراهيمي في الخليل تكمن الخطورة، ولا تزيد اقتحامات اليهود اليومية عن إجراءات تمهيدية
لتنفيذ الرؤية على أرض الواقع.
ويرتبط بهذه الخطوات الخطيرة خطوات خطيرة أخرى، حيث لم تعد
الاقتحامات أعمالًا فردية للمتدينين أو للمتطرفين، أو للمستوطنين، تنبع من قناعات فردية،
وتنتهى شدتها مع انتهاء الأعياد، بل باتت رؤية حكومية رسمية، وباتت الأفراد والمجموعات
أدوات للحكومة لتنفيذ هذه الرؤية، وتضليل الرأي العام الإسلامي والدولي، إلى حين تتمكن
الحكومة من فرض الأمر الواقع بالتقسيم الزماني، الذي يتحقق حين تقف احتجاجات أهلنا
في القدس، وحين القضاء على ظاهرة المرابطين، والمرابطات، ومصاطب العلم. وهم يتأملون
أن يتعب المصلون وأهل القدس، ثم يلوذون بالصمت والسكوت عندما يتم التقسيم الزماني،
وحينما يرون مجموعات من اليهود داخل الأقصى.
إن علامة البدء بنجاح التقسيم الزماني، وفرض الرؤية اليهودية
على الأقصى _لا سمح الله_ تكمن في توقف الاحتجاجات الفلسطينية، وصمت المصلين على ما
يرونه من مظاهر الأمر الواقع. وعلامة الفشل للرؤية اليهودية العامة تكمن في بقاء احتجاجات
المصلين والمرابطين واشتباكهم مع المقتحمين اليهود. لذا قررت حكومة نتنياهو مؤخرًا
تغليظ عقوبة إلقاء الحجارة بالسجن عشرين عامًا؟!؛ لأنها تعلم المعادلة جيدًا، وتعلم
أن المصلين سيواصلون الرباط والدفاع عن المسجد، وسيحرِّك المسجد الأقصى العالم من المشرق
إلى المغرب ضد سياسة حكومة نتنياهو لإشعال فتيل الحرب الدينية من الأقصى في هذا التوقيت.
كلمة أخيرة: يمكن للفلسطينيين بمساعدة العرب والمسلمين، أو
بدونهم، أن يفشلوا رؤية نتنياهو ومخطط حكومته بأمرين: الأول- وقف التنسيق الأمني وتحمل
تبعات الموقف بشجاعة لأنه الأقصى. والثاني- بإعطاء الحرية الكاملة للمواطنين في الضفة
للدفاع عن الأقصى بكل السبل التي يستطيعونها دون ملاحقة من أجهزة السلطة. إنه إذا تحقق
الأمران بشكل جيد استطاع الفلسطينيون إفشال مشروع نتنياهو في تغيير هوية وطبيعة المسجد
الأقصى ولا يوجد حلّ بديل.
المصدر: فلسطين أون لاين