الوطن البديل في الأردن وسيناء أم البديل هو فلسطين؟
بقلم: د.
أحمد سعيد نوفل
عبر الفلسطينيون
بالذكرى الخامسة والستين على احتلال فلسطين، بتأكيدهم على حقهم بالعودة إلى وطنهم،
ورفضهم التوطين في أوطان بديلة عن فلسطين. ومع ذلك، هناك من يتحدث عن الوطن البديل
لفلسطين في الأردن ومن يتحدث عن الوطن البديل في شمال سيناء. علما أن من يثير هذا
الموضوع ويتهم الفلسطينيين بقبولهم لهذا المخطط المشبوه، تقف وراءهم نفس الجهات
التي تريد إثارة الفتنة والكراهية بين مواطني تلك الدول والفلسطينيين.
ومن يتابع كتابات
أدعياء الوطنية الذين يثيرون الوطن البديل في الأردن ومصر، يجد أنهم يتحدثون نفس
اللغة ومتشابهين في كراهيتهم للفلسطينيين، لأسباب باتت معروفة. علما أنه لا يوجد
فلسطيني يوافق التنازل عن وطنه ويبحث عن أوطان بديلة غير فلسطين. كما أن فكرة
الوطن البديل خلقتها إسرائيل لإثارة الفتنة بين الأردنيين والمصريين ضد
الفلسطينيين. ولهذا فمن الضروري الحذر من الوطن البديل لأن إسرئيل هي التي تسعى
إلى تحقيق ذلك وليس الفلسطينيون الذين يريدون أن يكون الوطن البديل في فلسطين
التاريخية.
وبما أن إسرائيل تقف
وراء مشروع الوطن البديل الذي يرفضه الأردنيون والفلسطينيون، وهم لا يثقون
بإسرائيل، فليس من الممكن أن يوافقوا على المشروع الصهيوني بإقامة وطن للفلسطينيين
في الأردن، مقابل أن يتنازلوا عن وطنهم فلسطين لإسرائيل. ومع ايماننا بالوطن
العربي الكبير كجغرافيا لكل العرب، إلا أن وجود كيانات سياسية بات أمرا مفروضا على
العرب بانتماءاتهم القطرية من الصعب تجاهلها. مما يتطلب أن يتوحد الجميع في محاربة
هذا المشروع المشبوه وليس إطلاق اتهام لبعضهم البعض، بينما من هو وراء المشروع
يعمل بخفية على تنفيذه. كما أنه لا يجوز أن يوضع الأردني من أصل فلسطيني في قفص
الاتهام وبأنه يؤيد الوطن البديل إذا ما طالب بالمساواة في الحقوق والواجبات
كمواطن، لأن تلك المطالب لا تقلل من استمرار مطالبته بالعودة إلى فلسطين وإقامة
الوطن البديل فيها.
ولهذا فإن حماية
الأردن من المشروع الصهيوني يتطلب تضافر جهود جميع الأردنيين والفلسطينيين ضد
الوطن البديل، وليس أن يشتبكا مع بعضهما، لأن كليهما مستهدف أمام إسرائيل. وإن
صمود الفلسطينيين منذ مائة عام وتعرضهم للقتل والتعذيب والطرد من وطنهم، لا يعني
بأي حال من الأحوال أنهم راغبون في التخلي عن وطنهم على حساب وطن غيرهم. ومن تابع
ردود فعل الفلسطينيين في داخل فلسطين التاريخية أم في الشتات والمخيمات، يتأكد
تمسكهم بوطنهم مهما مرت السنون، ولن يقبلوا عن فلسطين بديلا، الصغير قبل الكبير.
إن مشروع الوطن
البديل، يحقق إنجازا تاريخيا واستراتيجيا للمشروع الصهيوني في تصفية القضية
الفلسطينية أساسا وعلى حساب الأردن والشعب الفلسطيني معاً، لتبقى فلسطين التاريخية
تحت هيمنة الكيان الإسرائيلي، وليصبح الأردن وطناً بديلا للشعب الفلسطيني بعد
ترحيله من أرضه، ولهذا فإن المشروع الصهيوني يستهدف تصفية القضية الفلسطينية. ولا
يجوز شيطنة صورة الفلسطينيين في وسائل الإعلام، وإظهارهم بأنهم يؤيدون الوطن
البديل في الأردن أو شمال سيناء، وهذا سيؤدي إلى خلق أحقاد الجميع في غنى عنها،
إلا لمن يقف وراءها وله أهداف باتت مكشوفة. ومن الخطأ اتهام الفلسطينيين أنهم
يؤيدون الوطن البديل، لأن عدوهم الإسرائيلي هو الذي يريد ذلك لأن الأردني والمصري
والفلسطيني في خندق واحد ضد هذا المشروع الإسرائيلي. إن مطامع الحركة الصهيونية
وإسرائيل في الأردن قديمة وما تزال قائمة وتتجدد باستمرار. فقد قال فلاديمير
جابوتنسكي أحد قيادات الحركة الصهيونية، في شهادة له أمام لجنة بيل في لندن في
الحادي عشر من شباط 1937، بأن هدف الصهيونية هو إنشاء دولة يهودية على جانبي نهر
الأردن’. ولهذا وللرد على هذا المشروع، لا بد من قيام تيار قوي في الأردن ضد
المخططات الإسرائيلية وتؤكد على أن فلسطين هي الوطن للفلسطينيين وأن الأردن هو وطن
الأردنيين.
إن مشروع الوطن
البديل يمثل قاعدة استراتيجية من قواعد المشروع الصهيوني القائم على امتلاك ‘أرض
بلا شعب لشعب بلا أرض’، أو إفراغ الأرض من شعبها، باتباع سياسات الترحيل
والترانسفير الجماعي عبر القتل والمجازر والإرهاب الذي مارسته العصابات اليهودية
والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد الشعب الفلسطيني كاملا. وبدلا من محاربة
الفلسطينيين، فمن الأفضل محاربة المشروع الصهيوني في المنطقة وليس إلقاء اللوم على
الفلسطينيين وكأنهم أصحاب هذا المشروع. وفي السبعينات، قاد حزب الكتائب اللبناني
تيارا يمينيا في لبنان ضد الفلسطينيين، ورفع زعيم الحزب بيار الجميل شعارا يقول
‘عيدنا يوم عودتهم’ أي الفلسطينيين، وعندما لم يعودوا إلى فلسطين قاد الحرب
الأهلية في لبنان التي انتهت بمشاركته بمجازر صبرا وشاتيلا في المخيمات
الفلسطينية.
ولا نعتقد أن
الولايات المتحدة بعيدة عن المشروع الصهيوني، لأنها تريد تخفيف الضغط على إسرائيل
فيما يتعلق بتقليص عدد الفلسطينيين في فلسطين. فقد اقترح كبير مراسلي مجلة التايم
الأمريكية في الشرق الأوسط في مقال له في المجلة في آذار/ مارس 1991، تحت عنوان
‘نصائح إلى الملك الحسين’، يقول: إن الأردن هو الوطن البديل، وأطلق على الأردن (New Palestine) وقال فيه بوضوح: ‘إن الأردن هو الوطن
البديل’. كما أن فكرة توطين الفلسطينيين في الأردن كان قد طرحها وزير خارجية
الولايات المتحدة في مطلع الخمسينات جون فوستر دالاس ومن بعده دين راسك.
ان طرح الموضوع
حاليا، وحديث الزعماء الصهاينة عن الوطن البديل بالكيفية التي يطرحونها يأتي بضوء
أخضر وتنسيق مع الإدارة الأمريكية، ويبدو أن هناك مخططا عمليا لتنفيذ هذا المشروع.
وفي ظل الأزمة
الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، يخشى أن تستغلها الولايات المتحدة لتفرض على
الأردن الحلول التي تريدها والتي فيها تهديد مباشر للأردن. وفي هذا الإطار وحتى
يتم تمرير المشروع تبحث إسرائيل عمن يتبنى مشروعها أو يهدد به. علما أنه بدلا من
تهام الفلسطينيين، لا بد من محاسبة من تورط باتفاقية وادي عربة، ومن الذين قالوا
عند إبرامها إننا: ‘دفنا الوطن البديل’، والذي تبين أنه ما زال حيا لدى إسرائيل.
وإذا كان فلسطينيو
الخط الأخضر يرفضون ان يكون لهم وطن بديل في الضفة الغربية، وهي جزء من فلسطين،
للتخلي عن وطنهم وأرضهم داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فهل يعقل أن يوافق
الفلسطينيون على وطن بديل لهم خارج فلسطين. وإذا كان الوطن البديل مرفوضا في
الأردن وكذلك فهو مرفوض في أي مكان آخر غير فلسطين.
كما أن الأبواق
المشبوهة التي تتحدث عن وطن بديل للفلسطينيين في الأردن، هي نفسها التي تتحدث في
مصر عن الوطن البديل للفلسطينيين في سيناء. وعلى الرغم من نفي الفلسطينيين في غزة
وجود اية مخططات لديهم للتوطين في سيناء حسب ما تروج له وسائل إعلام مصرية مرتبطة
بفلول النظام السابق. ويربطون بين مشروع قناة طابا العريش ومشروع إقليم قناة
السويس مع مشروع توطين الفلسطينيين على أرض سيناء كوطن بديل للاجئين الفلسطينيين
في قطاع غزة. على أساس أن مشروع إقليم قناة السويس الذي اقترحه الاخوان المسلمون
لتنمية واعمار سيناء، يسمح بتنمية سيناء وبمعاملة من يتمتع بالجنسية العربية بنفس
المعاملة التي يتمتع بها المصريون في حق الملكية.
وأطلقت الاتهامات ضد
الحكومة المصرية بأنها تعمل على تنفيذ مشروع ‘الوطن البديل’ للفلسطينيين، في صحراء
سيناء، وستبدأ السماح للفلسطينيين بالدخول دون تأشيرات أو موافقات أمنية، وإلغاء
مأموريات ترحيلهم إلى غزة يوميًا بين مطار القاهرة ومنفذ رفح البري بالنسبة
للمتوجهين الى قطاع غزة. وارتبط ذلك بالعلاقات الخاصة التي تربط بين جماعة الإخوان
المسلمين بمصر، وحركة حماس. كما تسعى إسرائيل الى تحقيق مشروع سيناء وترحيل وتوطين
الفلسطينيين، وتنازل مصر عن أرض محاذية لقطاع غزة مساحتها ستمائة كيلومتر مربع
لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مما سيسمح بخفض الكثافة السكانية في قطاع غزة. بل أن
البعض وضع تفاصيل بأن مصر، ستتبرع ما بين 3500 - 12,000 كيلو متر مربع في شمال
سيناء وتحصل في المقابل على اعتراف ومكانة سياسية بارزة بالمنطقة.
ولهذا لا بد من
التأكيد على: أن الطرف الذي يطرح دائما الوطن البديل هو الطرف الصهيوني؛ ففلسطينا
وأردنيا ومصريا فإن الوطن البديل فكرة مرفوضة.
إن أي إنسان عاقل
يرفض الوطن البديل؛ فهو مشروع من مشاريع الحركة الصهيونية وليس بالضرورة أن ينجح.
الوطن البديل مرفوض
شعبيا، إلا أنه ليس بالضرورة مرفوض رسمياً أردنيا وفلسطينيا ،لأن اتفاقية وادي
عربة، لم تنه المشروع على المستوى الرسمي ومن الممكن أن تجد قبولا لدى بعض
المسؤولين الأردنيين. وكذلك الأمر بالنسبة لرموز في السلطة الفلسطينية، إذ يشاع
بانها تريد ذلك لتبقى في السلطة، فهل السلطة الفلسطينية ترفض الوطن البديل فعلاً.
لنفرض أن الشعب
الأردني رفض هذا المشروع، ولكن مورست ضغوطات أمريكية على النظام بالتهديد بقطع
المعونات الاقتصادية عنه، فهل يستمر بالرفض إذا كان هذا المشروع مرتبطا بالموافقة
على بقاء الأردن ومصيره. ولهذا يخشى حدوث تراجع في الموقف الرسمي، لا سيما مع وجود
الأزمة الاقتصادية في الأردن.
وفي نفس السياق هناك
تحليلات تقول إن بعض الدول العربية النفطية ليست بعيدة عما يخطط له من الوطن
البديل. وهذا مرتبط بعدم تقديم معونات للأردن؛ ليبقى بحاجة للمعونات وعلى أهبة
التنفيذ للقرارات الناتجة عن المطبخ المسؤول عن الدعم المادي، فهل الأردن الرسمي
قادر على مقاومة تلك الضغوطات وإلى أي مدى؟.
لا يجوز توظيف قضية
الوطن البديل لفرض سياسة التمييز ضد الفلسطينيين في الحقوق، وهذا الأمر لا يكون
على حساب هذه الحقوق. والدعم للفلسطينيين لا يكون على حساب الحقوق الوطنية التي
اكتسبها اي مواطن وفق القانون والدستور. فجواز السفر الأردني أعطي للفلسطينيين قبل
عام 1950، ولا يجوز انتزاعه خوفاً من الوطن البديل، فهذا مواطن له كافة الحقوق،
ولا يجوز سحب هويته أو التضييق عليه من نواح سياسية. وكذلك الأمر في مصر، لا يجوز
الاستمرار في معاملة الفلسطينيين في المطارات المصرية معاملة غير إنسانية، خوفا من
الاشتباه بالوطن البديل.
وهذه الاتهامات
الباطلة تقف وراءها نفس الماكينة الإعلامية في الأردن ومصر التي تريد أن يصدقها
المصريون والأردنيون والفلسطينيون، والتي تستفيد منها إسرائيل. علما أن اصحاب
العلاقة المباشرة بالمشروع الإسرائيلي وهم الفلسطينيون يرفضونها، بل يحاربونها،
لأنهم لا يقبلون أي وطن لهم سوى وطنهم الأصلي الذي تحتله إسرائيل وهو فلسطين.
وبدلا من تخويف الأردنيين والمصريين من الوطن البديل، لا بد أن تتضافر الجهود
المشتركة لفضح المشروع الصهيوني ومن يروج له. وأن الفلسطينيين حريصون على الأردن
ومصر، أكثر بكثير من الذين يطلقون فزاعة الوطن البديل، حتى عندما يتحدثون عن
تقلبات الطقس في البلدين. لأن الوطن البديل للفلسطينيين هو فلسطين، ولا وطن غير
ذلك.
المصدر: القدس
العربي، لندن، 28/5/2013