القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

«اليرموك» النكبة في شيخوختها

«اليرموك» النكبة في شيخوختها


بقلم:نصري حجاج

لا يكترث أحدٌ لمأساة مخيم اليرموك، كما اكترثوا للكوارث التي أصابت الفلسطينيين سابقاً. فلم تعد مآسي الفلسطينيين تثير ذلك الدفق العاطفي والتضامن، فقد اختلطت الأمور في سورية، وكثرت عناصر المشهد الدموي، وازدحم اللاعبون الأشرار داخل الصورة، فلم يعد هناك غير نحو 15 ألفاً من سكان المخيم الطيبين الذين ليس لهم حيلة ولا قوة للخروج، فلا الحصار الذي مارسه النظام وعصاباته الفلسطينية واللبنانية التابعة، أكثر من 600 يوم، سمح لهم بالخروج، ولا إمكاناتهم المادية مكنتهم من التفكير في ذلك، فلم يبق غير هؤلاء والمكان.

جاءت مأساة "اليرموك" في لحظة بشعة من لحظات التاريخ المرير الذي عاشه الفلسطينيون منذ عام 1948، وكأن القدر جعل من "عاصمة الشتات"، كما يحلو لسكان هذا المخيم أن يصفوه، ذروة مأساة صنعتها النكبة التي دخلت في طور الشيخوخة بعد 67 عاماً من حدوثها. ربما كان يجب إزاحة هذا المكان الذي ضم أهله اللاجئين، طوال تلك العقود في ظروف لم تعد الكوارث الفلسطينية تثير الاهتمام لدى العرب والعالم، والفلسطينيين أنفسهم في مختلف تجمعاتهم داخلاً وخارجاً، رسمياً وشعبياً.

تميز أهل اليرموك عن غيرهم من سكان المخيمات في الشتات بتلك العلاقة العاطفية الجياشة مع مخيمهم، حتى أن كثيرين منهم تربطهم به مشاعر تفوق، في حدتها ورومانسيتها، المشاعر التي تربطهم بقراهم ومدنهم في فلسطين، مع أنهم أطلقوا أسماء هذه المدن والقرى على شوارع مخيمهم، وهذا من أحوال تداخل عشق مكان الولادة والعيش مع المحيط العام السوري الذي وجد فيه فلسطينيو اليرموك هناءً وتدامجاً، وقبولاً مجتمعياً افتقده اللاجئون الفلسطينيون في بلاد عربية أخرى.

ومن سمات القدر اليرموكي أن الشعار الذي أطلقه الفلسطينيون الذين تعاطفوا مع الحراك الشعبي السوري ضد النظام، "واحد واحد الشعب السوري والفلسطيني واحد والدم السوري الفلسطيني واحد"، صار مع تطور الوضع السوري، ووصوله إلى حالة من الفوضى والإحباط، وتنوع القوى على أرض الحرب، والتشويه الحاصل من قوى أصولية متعددة الخلفيات الفكرية والاستخباراتية، صار هذا الشعار مدعاة للحزن، وذريعة لقوى كان من المفترض أن تقف، اليوم، إلى جانب سكان اليرموك في مأساتهم، لكنها لم تجد أثمن من الفرصة الراهنة لمعاقبة الفلسطينيين على شعارهم المنحاز إلى الثورة.

حتى قوى المعارضة السورية في الائتلاف الوطني، وغيره من التشكيلات، لم تبد أي بادرة تعاطف، ولم تطرح موقفاً علنياً داعماً لهؤلاء الذين قدموا دمهم وحياتهم وممتلكاتهم، في الوقوف إلى جانب الثورة السورية، وكأن ذلك الشعار المشتعل حماسة وصدقاً في بدايات الثورة، استدرج تجاهلاً للحالة الفلسطينية في اليرموك، في قلقها الخاص تجاه مصيرها في اليوم التالي للحرب.

لخّصت الكارثة الفلسطينية في سورية المآلات التي تطورت فيها النكبة الفلسطينية، فقد كان مشهد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وهم يدوسون علم فلسطين على مداخل "عاصمة الشتات" الفلسطيني، والصراخ بأن هذا العلم القضية مصدر الفتنة، وبالتالي يجب محقه من الوجود، منتهى ما كان يمكن أن تصل إليه تعبيرات الهزيمة للمشروع الوطني الفلسطيني التي بدأت، منذ سنوات، مع مشاريع التسويات مع إسرائيل، وبروز حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي، إسلاميتي الهوية، وتفسخ بقية الفصائل، وجهل واندحار ما يسمى اليسار الفلسطيني، والارتماء النهائي والأبدي لبقية الفصائل في أحضان النظام القاتل في سورية.

واليرموك على وشك الاندثار، مكاناً تكونت فيه الهوية الفلسطينية عقوداً، لن يبقى منه سوى ذكريات يحملها أهله في المنافي البعيدة، بعدما ظنوا أن مكانهم هذا سيكون منطلقاً لتعزيز هوية وطنية، كانت تتآكل، وهم لا يعلمون، يوماً بعد يوم، في أمكنة أخرى من الشتات الكبير إلى أن غطاها غبار الطرقات.

المصدر: العربي الجديد