اليرموك يتجرع الآلام
بقلم: غسان الشامي
يعيش مخيم اليرموك منذ أكثر من عامين نكبات وأوجاعًا
متلاطمة، جعلت هذا المخيم الصامد مجرد أكوام من الركام والحجارة، وقتلت الذاكرة الحية
لشعب فلسطين ولاجئيه عام 1948م.
يحيا اللاجئون في هذا المخيم حياة المعذبين في
الأرض والمسحوقين الذين يعيشون الآلام والأوجاع في كل ساعة وكل لحظة، ولم يتبق في المخيم
سوى القليل الذين يعيشون على أعشاب الأرض ولحوم القطط، الحياة في مخيم اليرموك مأسوية؛
فقد أصبح هذا المخيم ساحة كبيرة من الصراع الذي يشتد بين قوى متعددة، وقد زادت الأمور
تعقيدًا بعد دخول تنظيم (داعش) المخيم والسيطرة على 80% منه.
مخيم اليرموك يدفع اليوم ضريبة احتضان الذاكرة
الفلسطينية، بين جدرانه وأزقته وشوارعه الصغيرة، وقد كان هذا المخيم من أجمل مخيمات
اللجوء في الخارج، وقد بقي بعيدًا عن الأحداث في سوريا، إلا أن هناك من أراد أن يزج
بالمخيم في أتون الصراع الدائر وفي قلب الأزمة السورية، وأصبح المخيم يطاله القصف والضرب
يوميًّا، وأصبحت الأمور تزداد سوءًا في هذا المخيم، بعد انقطاع الماء والكهرباء عنه،
وتدمير شوارعه ومنازله إلى أن أصبح اليوم أكوامًا من الركام والحجارة.
يحمل مخيم اليرموك أحلام وآمال الفلسطينيين في
العودة إلى أرض فلسطين ليشتموا فيها رائحة الزهر والليمون وأشجار الزيتون، لقد حمل
مخيم اليرموك ذاكرة حية في صراع اللاجئ الفلسطيني كيف تعب؟، وكيف سهر؟، وكيف تعلم على
أضواء الشموع إلى أن أصبح هذا اللاجئ ذا مكان وشأن؟، وخرج من أزقة المخيم المعلم والمهندس
والطبيب وأستاذ الجامعة، وغيرهم من الهامات العلمية، التي كان لها دور في التنمية والتطوير
في سوريا.
إن المأساة اليومية التي يحياها اللاجئون في مخيم
اليرموك تذكرنا بمأساة الوجود الفلسطيني في الشتات، والجرائم التي مورست بحق اللاجئين،
والمعاملة القاسية التي يواجهها اللاجئون بعيدًا عن أرضهم ووطنهم، كما تذكرنا مأساة
مخيم اليرموك بالتشرد والهجرة والطرد الجماعي لأجدادنا وآبائنا، فضلًا عن حالة الفقر
والقهر التي يحياها اللاجئون الفلسطينيين في مخيمات الشتات، وعانى الفلسطيني من التمييز
والمعاملة القاسية، ولم يكن سفره إلى الدول العربية بسهولة ويسر مثل أي مواطن عربي؛
لأنه لا يمتلك جواز سفر فلسطينيًّا، وكان يتنقل بوثائق سفر وإجراءات صعبة، ويحمل بطاقة
لاجئ مؤقتة تمنحه إياها الدولة المضيفة للمخيم الفلسطيني.
مخيم اليرموك يمثل حالة قاسية من الألم والوجع
اليومي، هذا المخيم الذي يمثل رمزًا للقضية الفلسطينية، وهو حارة الفدائية، هذه الحارة
التي تقع على مدخل المخيم، واحتضنت القوافل الأولى من الثوار الفلسطينيين، وسميت كتيبة
الفدائيين وكتيبة الاستطلاع الخارجي.
لقد أسس مخيم اليرموك في عام 1954م على أحجار
وعتبات حارة الفدائية التي كان يقطنها مئات اللاجئين الفلسطينيين، ثم استقبل الآلاف
من مدن وقرى شمال فلسطين المحتلة، وقد زار مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني عام
1955م حارة الفدائية، وأطلق اسم اليرموك على تجمع الفلسطينيين في هذا المكان، واستقبل
اللاجئين الفلسطينيين من حيفا، وعكا، وطبريا، والناصرة، ويافا، وصفد، والطنطورة، والطيرة،
وعرابة البطوف، وعلما، والرأس الأحمر، وصفورية، وأبو سنان، ولوبية، وشفا عمرو، وكفر
كنّا.
يمثل مخيم اليرموك اليوم عنوانًا أليماً وداميًا
في صفحات التاريخ الفلسطيني، وتتصدر مشاهد القتل والدمار مسرح الأحداث اليومية، وما
بقي من سكانه سوى الآلاف القليلة الذين يعيشون الألم في اليوم مئة مرة وهم يبحثون عن
رغيف الخبز وعن المؤونة، والمأوى الآمن من رصاص الطغاة، الذين حولوا المخيم إلى ساحات
حرب لا تسمع فيه سوى أصوات الرصاص والقنابل والبراميل المتفجرة، لقد دمروا المخيم وحاراته
وذاكرته الفلسطينية، ودمروا أحلام وآمال اللاجئين، ووضعوهم أمام خيرات التشرد القسري
من المنفى إلى منفى آخر، بعيدًا عن الوطن والأرض التي هجروا منها في نكبة فلسطين.
اليرموك بحاجة إلى من ينقذ أهله من الآلام والأوجاع
اليومية، وبحاجة إلى من يحميه من القتل والمجازر الدموية، ويستهدف فيه فلسطين وحق العودة،
النساء والأطفال يستصرخون العرب والجامعة العربية: متى الخلاص من هذه العذابات والعودة
إلى أرض الأمجاد والأجداد فلسطين؟!
المصدر: فلسطين أون لاين