القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

اليرموك يكشف عمق الأزمة بين «حماس» والنظام السوري ـ الإيراني

اليرموك يكشف عمق الأزمة بين «حماس» والنظام السوري ـ الإيراني


بقلم: أحمد الحيلة

ما تعرض له مخيم اليرموك من هجوم لمنتسبي ما يعرف بتنظيم الدولة "داعش" في الأول من نيسان الجاري، لم يكن عملاً أسطوريًّا خارقًا للعادة، مقارنة بما تعرض له اليرموك طوال عمر الأزمة السورية؛ فالمخيم تعرض تكرارًا لمحاولات اقتحام، ولعمليات قصف بالأسلحة الثقيلة والطائرات والبراميل المتفجرة العمياء، ولكن المخيم بأهله وشبابه استطاع الصمود وأوقف جميع محاولات الاختراق، واستطاع في العديد من المرات دفع قوات النظام السوري المدعومة من بعض الفصائل الفلسطينية إلى خارج المخيم رغم حجم التضحيات البشرية والمادية.

الملفت والغريب في هذه المرة أن المخيم بدأ الانهيار أمام جماعات "داعش" المسلحة بأسلحة خفيفة منذ اليوم الأول للهجوم من الناحية الجنوبية من الحجر الأسود، وشارع الثلاثين، ودوار فلسطين، حتى إن "داعش" استطاعت السيطرة على نحو 80% من مساحة مخيمي اليرموك وفلسطين المتلاصقين في أقل من 72 ساعة، الأمر الذي أثار الاستغراب والتساؤل عن سبب هذا الانهيار السريع؟!

أسباب سقوط اليرموك السريع بيد "داعش"

قبل الدخول في تفسير أسباب وخلفيات الحدث في اليرموك لا بد من الإشارة وبوضوح إلى أن المعركة كانت محصورة وبشكل أساس بين تنظيم الدولة "داعش" المدعومة من"جبهة النصرة"، وبين كتائب "أكناف بيت المقدس" الفلسطينية المحسوبة على حركة "حماس" المتواجدة داخل اليرموك بذريعة الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين هناك.

وعند النظر في تفسير سقوط اليرموك بيد "داعش"، فإننا نعتقد أن هناك جملة من الأسباب الموضوعية التي تقف خلف هذا الأمر ومنها على سبيل المثال:

أولاً: أن مخيم اليرموك يعاني من حصار شامل منذ نحو 600 يوم متواصلة؛ حيث النقص الحاد في الأدوية، والطعام، والمياه..، وما سقوط العشرات من الشهداء نتيجة الجوع إلا شاهد على قساوة الحصار الذي تعرض له مخيم اليرموك.

ثانيًا: نزوح الغالبية الساحقة من سكان المخيم، فلم يتبق من الفلسطينيين فيه سوى نحو 18 ألفًا من أصل ربع مليون نسمة، معظمهم من المرضى، وكبار السن، والفقراء المعدمين الذين لم يجدوا ملجأً آمنًا خارجه، أو لم يتحملوا كلفة الحياة في دمشق، فآثروا البقاء مرحبين بالموت على المذلة.

ثالثاً: هجوم منتسبي ما يسمى بتنظيم الدولة "داعش"، جاء بالشراكة، أو التنسيق، أو بالتواطؤ مع "جبهة النصرة" التي تسيطر على العديد من النقاط جنوب مخيم اليرموك؛ حيث تواترت الأنباء التي تؤكد تسليم النصرة مواقعها لجماعة "داعش" وفتح الطريق لها للدخول إلى المخيم دون إبداء أدنى درجات الممانعة.

رابعاً: انضمام عناصر تابعة لحركة "فتح" المركزية ممن يسمون بكتيبة "الزعاطيط" التي يقودها المدعو أبو جهاد الزعطوط إلى تنظيم "داعش"، هذا ناهيك عن عدم تحرك أي فصيل فلسطيني من المؤيدين للنظام السوري كالقيادة العامة، أو النضال الشعبي، أو الصاعقة، أو جيش التحرير.. لإنقاذ المخيم من هجوم "داعش" المدعوم من جبهة النصرة.

خامساً: تخلي معظم كتائب أو ألوية المعارضة السورية المتواجدة في ريف دمشق الجنوبي عن مخيمي اليرموك وفلسطين؛ حيث سكتت حركة أحرار الشام، وشام الرسول، وجيش الاسلام، وأبابيل حوران، ولم تقم بمؤازرة حقيقية لأكناف بيت المقدس التي انفردت في الدفاع عن المخيم في مواجهة عناصر "داعش".

سادسًا: غياب الإسناد الإعلامي والسياسي فلسطينيًّا وعربيًّا، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى خذلان الفلسطينيين (فصائل وقوى، ومنظمة التحرير، وسلطة فلسطينية، ورئيس السلطة "محمود عباس") خذلانهم لإخوانهم وشعبهم المحاصر في اليرموك، فلم نلمس أي تحرك سياسي أو إعلامي أو ميداني حقيقي في لبنان أو الأردن أو الضفة والقطاع..، وكأن المحاصرين في اليرموك من كوكب آخر..!!

سابعًا: الخلل في ميزان القوى لصالح تنظيم الدولة "داعش"؛ حيث ينتسب لهذا التنظيم نحو 1000 عنصر على الجبهة الجنوبية من الريف الدمشقي، مقابل 200 عنصر من اللاجئين الفلسطينيين الذين يقاتلون باسم أكناف بيت المقدس في اليرموك، أخذًا بالاعتبار أن تنظيم "داعش" لاقى إسنادًا من جبهة النصرة المتحكمة بالحدود الجنوبية للمخيم، مقابل خذلان الفصائل الفلسطينية والسورية لكتائب أكناف بيت المقدس التي بقيت تقاتل لعدة أيام وحيدة في الميدان دون إسناد عسكري في العدة والعتاد، أو حتى إسناد سياسي وإعلامي.

حماس.. الهدف غير المعلن

لوحظ ومنذ اليوم الأول لدخول عناصر "داعش" إلى اليرموك، استهداف النظام السوري للمخيم بقذائق الهاون والعديد من البراميل المتفجرة التي اشتهر باستخدامها في المدن والبلدات السورية عموماً، وهذا في حد ذاته رسم علامة استفهام عن دور النظام السوري في هذه المعركة.

الملاحظة الأخرى، أن جميع الفصائل الفلسطينية المؤيدة للنظام والمتواجدة في محيط المخيم وخاصة المناطق الشمالية منه لم تتحرك لمواجهة المد والهجوم الداعشي على اليرموك، وتركت كتائب "أكناف بيت المقدس" المحسوبة على حماس وحدها في الميدان، وهي التي أخذت على عاتقها الدفاع عن المخيم واللاجئين فيه أمام تنظيم الدولة "داعش".

أي أن النظام السوري ومن خلال سلوكه الميداني، وسلوك حلفائه من الفصائل الفلسطينية، كان يرغب في سقوط المخيم تحت سيطرة تنظيم الدولة "داعش" محققًا في ذلك عدة أهداف أهمها:

سيطرة تنظيم الدولة "داعش" على اليرموك، سيفتح الباب وسيوجد المبرر للنظام السوري لقصف المخيم بعنف بهدف السيطرة المباشرة عليه، دون حرج سياسي أو إنساني تجاه اللاجئين الفلسطينيين ومخيم اليرموك ـ الذي يعد رمزًا للصمود والعودة عند الفلسطينيين ـ فكل العمليات العسكرية التي سيقوم بها النظام في اليرموك لاحقًا ستكون مبررة بقتال "داعش" المتطرفة التي تمثل أقصى درجات الإرهاب في نظر المجتمع الدولي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية موقع مخيم اليرموك بالنسبة للنظام السوري؛ فهو بوابة دمشق الجنوبية، وهو أقرب نقطة لمنطقتي الميدان والزاهرة الدمشقيتين، ناهيك عن قربه من طريق مطار دمشق الدولي، ومن هنا فإن النظام معني بشكل مباشر السيطرة على اليرموك.

التخلص من كتائب "أكناف بيت المقدس"؛ الفصيل الفلسطيني الأقوى في مخيم اليرموك، وهو التنظيم الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن اليرموك واللاجئين الفلسطينيين، أمام أية قوة تفكر بالدخول إليه، الأمر الذي سبب حرجًا وعائقًا أمام النظام السوري طوال الأعوام الماضية.

توجيه صفعة سياسية وميدانية لحركة "حماس"، نتيجة لموقفها السياسي من الأزمة السورية عمومًا، ونتيجة لموقفها السياسي من الأزمة اليمنية مؤخرًا؛ حيث أعلنت الحركة في بيان مقتضب لها (28-3) بأنها "تقف مع الشرعية السياسية في اليمن، وخيار الشعب اليمني الذي اختاره وتوافق عليه ديمقراطيًّا.." مع تأكيدها على "رفض كل ما يمس أمن واستقرار المنطقة العربية دولاً وشعوبًا"، وهو ما يفهم منه أن حركة حماس ـوإن بخطاب دبلوماسي هادئـ قد اصطفت ضمنًا لجانب التحالف السعودي السني ضد التوسع الإيراني الشيعي في المنطقة، وهذا ما أثار غضب دمشق، وطهران التي سعت مؤخرًا لاستمالة حركة حماس السنية لجانبها.

إذن اليرموك اليوم واللاجئ الفلسطيني يدفع ثمن الأزمة السورية الداخلية، وثمن الأزمة الإقليمية التي تتسع تدريجيًّا في المنطقة نتيجة السياسة الإيرانية التي تتخذ من المذهب الشيعي جسرًا للتمدد والسيطرة، والتي ستؤدي بدورها ـإن استمرت ـ إلى ارتفاع جدار الفصل الديني بين الشيعة والسنة.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام