القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

انتفاضة القدس تهزم سياسة "فرّق تسُدْ" الإسرائيلية

انتفاضة القدس تهزم سياسة "فرّق تسُدْ" الإسرائيلية

بقلم: حلمي موسى

لم يعد الأمر مجرد تهويل بل صار حقيقة واضحة: الانتفاضة تحدث على الأرض حيث يتواجد الإسرائيلي. وهي تتصاعد في القدس الشرقية وتنزلق بأشكال مختلفة إلى مناطق 48 لتشهد بأن الأمور ليست كما تريد إسرائيل وأن ظروفاً جديدة قد تنشأ في كل لحظة سواء بسبب تطوّرات قد تحدث مع القطاع أو جراء دخول الضفة في المواجهة. ولا يُخفى على أحد أن محاولات تركيز الاهتمام بالقدس ثم محاولة التهدئة فيها لا تغيّر من واقع الحال شيئاً: المسألة الفلسطينية واحدة في الضفة والقطاع وفي مناطق 48 وفي الشتات أيضاً.

قبل أسبوعين كان تركيز رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على القدس لاعتبارات تتعلّق بمحاولته حسم مكانه كزعيم لليمين في الانتخابات المقبلة أيضاً. كان صوته عالياً ومحرضاً في تأكيده على الاستيطان وفي صمته على محاولات المقربين منه تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي والسماح لليهود بالصلاة فيه. ويبدو أن ردة الفعل الفلسطينية في القدس المحتلة أولاً والتي أظهرت زيف الادعاء الإسرائيلي بشأن «وحدة العاصمة الأبدية» وإحراج القدس لكل الأطراف العربية المتعاملة مع إسرائيل دفعت نتنياهو للتراجع خطوة إلى الوراء. والتأكيدات صارت تصدر من أعلى المستويات السياسية والعسكرية بأن لا نية البتة لتغيير الوضع القائم ولا نية لتقاسم الحرم القدسي زمانياً ولا مكانياً.

وصارت تطلق تصريحات تصف أعضاء الكنيست والوزراء ممن يذهبون للصلاة في الحرم القدسي أو زيارته بالاستفزازيين، رغم أن هناك على طاولة الكنيست مشاريع قوانين للسماح رسمياً بالصلاة. واعتبر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان قيام ساسة بالصعود إلى الحرم بأنه «دعاية رخيصة»، ولكن من الذي لا يبحث بين الساسة الإسرائيليين عن دعاية مجانية. بل إن إقدام الحاخام الشرقي الأكبر على اعتبار زيارة الحرم القدسي من جانب اليهود دنساً دينياً وحرمة لأنه يقود إلى استعداء العرب ودفعهم إلى سفك دم اليهود يقع في هذا السياق. لكن كل هذه التصريحات كانت تجد ما يناقضها أيضاً من داخل الحكومة الإسرائيلية التي تقوم على توازنات تصب جميعها في مصلحة اليمين، خصوصاً الأشد تطرفاً منه.

وكان لافتاً انتقال الأحداث من القدس إلى داخل الخط الأخضر حيث المدن والقرى والبلدات العربية. وشكل اغتيال الشهيد خير الدين رؤوف حمدان تأكيداً على أن الإسرائيلي لا يميّز بين فلسطيني وآخر بغض النظر عن مكان تواجده أو لون البطاقة التي يحملها. ويشهد موقف فلسطينيي الداخل على أنهم حينما يناضلون من أجل حقوقهم المدنية لا ينسون هويتهم الوطنية وأنهم في دفاعهم عن رموزهم الدينية والوطنية لا ينسون حقوقهم المدنية. وقد أجاد عضو الكنيست أحمد الطيبي حينما قال إن الشرطة الإسرائيلية لم تطلق النار حتى على قاتل رئيس الحكومة اسحق رابين، لكن إصبعها رخو جداً في كل ما يتصل بالعرب.

ومهما يكن الأمر فإنه لا يمكن تجاهل أن نتنياهو تحدث عندما بدأت انتفاضة القدس عن وجوب استخدام القبضة الحديدية في مواجهة المنتفضين وهو اليوم يعلن، بعد امتداد الاحتجاج إلى داخل الخط الأخضر، أنه سيوصي بدراسة نزع الجنسية الإسرائيلية عن المنتفضين. وفي ذلك إشارة مؤكدة بأن نتنياهو لا يعتبر الاحتجاج من حقوق العرب في إسرائيل، لأنه في قرارة نفسه لا يرى فيهم مواطنين وبالتأكيد لا يملكون أية حقوق إلا ما يرضى هو لهم بها.

وبديهي أنه لا يمكن مواصلة قراءة المشهد من دون ملاحظة أن التحركات في الضفة الغربية وغزة كانت محدودة رغم استمرار انتفاضة القدس لأسابيع وشهور. وهذا يضع علامات استفهام لا يمكن الاستهانة بها. وإذا كان يمكن العثور على تبريرات لغزة بأنها خارجة من حرب منهكة وأنها على الصعيد الشعبي، وليس العسكري، بعيدة عن القدرة على التأثير في الحدث فإنه يصعب العثور على تبريرات في الضفة. وتزداد حدة التناقض في هذا الشأن مع علو حدة الاتهام الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية وللرئيس محمود عباس بالوقوف خلف التحريض الذي يشعل الأوضاع في القدس المحتلة.

وأياً يكن الحال فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدّث عن مشاورات ومداولات مكثفة في الأوساط العسكرية والسياسية حول ما يجري في القدس واحتمالات تسرب المواجهة إلى أماكن أخرى. وتكشف «هآرتس» أن «الجيش والشاباك يخشيان جداً من احتمال انزلاق العنف أيضاً إلى عرب إسرائيل وإلى داخل مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وأن منظمات إسلامية مختلفة، على رأسها حماس، تحاول إشعال موجة من العنف الشعبي على خلفية خشية الفلسطينيين من محاولات إسرائيل تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي».

وفي كل حال ورغم تصويب الأنظار نحو الحرم القدسي والقدس عموماً إلا أن كل جوانب المسألة الفلسطينية مؤهلة للانفجار. فأفق الحل السياسي مسدود تماماً لا تغيّر في ذلك حقيقة أن الإدارة الأميركية تتحدّث عن رغبة في استئناف جهودها لإحياء المفاوضات. فالمشكلة كانت ولا تزال في حكومة يمينية وفي نزعة إسرائيلية تقليدية للمماطلة ومحاولة تكريس أمر واقع على الأرض يتمثل في توسيع الاستيطان من ناحية ودفع الفلسطينيين لليأس من احتمال تغيير الواقع من ناحية أخرى.

غير أن أحداث القدس وكفركنا تبين من دون ريب أن إسرائيل التي فشلت في سياستها مع فلسطينيي 48 مثلما فشلت في سياستها مع القدس تفشل في سياستها مع غزة وتفشل مع الضفة الغربية. وبداهة أن هذا يعني أنها فشلت في سياستها مع الفلسطينيين جميعهم وخصوصاً سياسة «فرّق تسُد».

المصدر: السفير