انتفاضة القدس قد تفجر الوضع في المنطقة مع "إسرائيل"
بفلم: حلمي موسى
يتناول الكثير من المعلقين الإسرائيليين أحداث القدس والصدامات الجارية مع
الاحتلال بشكل يغاير تماما المنطق الذي يحاول قادة الحكم في "إسرائيل” ترسيخه عبر
اعتبار ما يحدث مجرد سلسلة أحداث عابرة. ويرى هؤلاء أن الوضع في القدس متفجر وأنه
قد يقود إلى تغيير جوهري في البيئة المحيطة عبر تفجير انتفاضة ثالثة وربما تدشين
أحداث تقود إلى تغييرات إقليمية هامة. ولكن الحكومة الإسرائيلية في واد آخر وهي
تشيع بأن أحداث القدس لن تقود إلى انتفاضة ثالثة ولن تحدث أي تغيير وأن السلوك
الأمني المتشدد سوف يقمع هذه الظاهرة.
وينطلق أصحاب الرأي القائل بأن القدس ركبت قطارا سريعا نحو الانفجار ليس
فقط من رؤية ما يجري في المحيط العربي وإنما أيضا من رؤية ما يجري من تطرف وانسداد
أفق داخل "إسرائيل” مجتمعا وحكومة. وعلى سبيل المثال، فإن الكثيرين يلاحظون مثلا
أن أوروبا تحاول وضع خطوط حمر أمام "إسرائيل” في الضفة الغربية وبهدف التهديد
بعقوبات دولية إذا ما واصلت "إسرائيل” سياسة تفريغ شعار "دولتين لشعبين"
من محتواه. كما يلحظ هؤلاء كيف أن الإدارة الأميركية عمدت إلى تصفية الحساب بشكل
شبه علني مع وزير الدفاع موشي يعلون وحظرت عليه الاجتماع مع مسؤولين كبار، مثل
نائب الرئيس ووزير الخارجية ومستشارة الأمن القومي الذين طلب الاجتماع بهم. ويدق
هؤلاء ناقوس الخطر بأن سلوك الحكومة اليمينية صار يهدد بتجريد "إسرائيل” من
شرعيتها عبر خسارة الحليف الأكبر والشريك التجاري الأكبر.
وبديهي أنه في قلب كل هذا الخلاف الجوهري بين "إسرائيل” وكل من الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي يكمن الموقف من المستوطنات ومن حل الدولتين. وحكومة
نتنياهو تعلن بشكل صريح أنها لن توقف الاستيطان من ناحية وأنها معنية بوضع أكبر
العقبات أمام حل الدولتين لدرجة أن وزير الدفاع قال إن المعروض على الفلسطينيين هو
حكم ذاتي وليسموه دولة أو إمبراطورية. وتحاول حكومة "إسرائيل” لعب دور ناظر
المدرسة في السياسة الدولية بحيث أنها الوحيدة في العالم التي تفهم العرب وتدرك
أنهم ليسوا بحاجة للديموقراطية وأن في ذلك مصلحة لـ"العالم الحر" خلافا
لما يعتقد "الغرب".
وواضح أن كل الإشارات الدولية للحكومة الإسرائيلية لم تُجْدِ نفعا. فوزير
الدفاع يصدر تعليماته بمنع العمال الفلسطينيين في "إسرائيل” من ركوب المواصلات
العامة وهو نفسه الذي يصدر أوامر بمنع الفلسطينيين في الضفة من السير في طرق خصصها
فوق أراضيهم للمستوطنين. ولكن وزراء هذه الحكومة نفسها لم يفهموا حتى الآن كيف
للأوضاع أن تفلت من زمامها كما حدث في انتفاضة الأقصى عام 2000 حينما سمح لزعيم
المعارضة حينها، أرييل شارون بزيارة الحرم القدسي فنشبت انتفاضة الأقصى. إذ يعلن
وزير الإسكان من حزب "البيت اليهودي"، أوري أرييل أنه ينوي السكن في حي
سلوان المقدسي الذي يشهد صدامات شديدة منذ شروع المستوطنين في اقتحامه واحتلال
البيوت فيه. ومعروف أن أرييل وحزبه يبذلون كل جهد ممكن لمنع أي احتمال لتسوية تقوم
على أساس دولتين لشعبين ولذلك يعززون الاستيطان في القدس ويهددون بتفكيك الحكومة
إذا لم يعزز الاستيطان في الضفة الغربية أيضا. ويشدد صحافيون إسرائيليون على أن
بحث أرييل وزوجته عن بيت في سلوان للسكن فيه يأتي على خلفية المواجهة الواضحة حول
الاستيطان بين "إسرائيل” والإدارة الأميركية خصوصا. تجدر الإشارة إلى أن رئيس
الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حاول في الشهور الأخيرة تأكيد حق اليهود
"في السكن حيثما شاؤوا" ما يجعله عاجزا عن منع وزيره إذا قرر السكن في
سلوان.
ومن الجائز أن نية أرييل الاستيطان في سلوان تُظهِر وجهة الحكومة
الإسرائيلية التي لم تَأْلُ جهدا من أجل إحداث الصدام مع الفلسطينيين سواء المقاومين
في غزة أم المسالمين في رام الله. فحكومة نتنياهو سدت تقريبا كل سبل التوصل إلى
تسوية مع الفلسطينيين عبر إصرارها على توسيع الاستيطان ورفضها رسم حدود الدولة
الفلسطينية. كما انها، من خلال استمرارها في رفض إعادة إعمار غزة إلا عبر مرور كل
المواد والبضائع عبر خرم إبرة الحصار الذي تفرضه يجعل يوم الصدام أقرب من أي وقت.
وربما أكثر من أي وقت مضى وبسبب الإصرار اليميني الإسرائيلي على تهويد
القدس وتقاسم الحرم القدسي صارت ترتفع أصوات تبدي حتى رغبتها في الصدام مع الأردن.
ولا ينبغي تجاهل حقيقة أن اليمين الحاكم في "إسرائيل” يحمل إرث حركة حيروت والحركة
التنقيحية الصهيونية التي تؤمن بأن أرض "إسرائيل” تقع على ضفتي نهر الأردن ولذلك
كان شعارها: "للأردن ضفتان الأولى لنا والثانية أيضا لنا". ولهذا السبب
فإن التحذيرات الأردنية بشأن ما يجري في الحرم القدسي ومشاريع سن قوانين للسماح
بصلاة اليهود فيه تمهيدا لتقسيمه صارت تستفز هذا اليمين وتدفعه ولو بشكل خجول
للعودة إلى منطق الشعار القديم عن الضفتين.
يكتب بن كسبيت في "معاريف الأسبوع" أن "انفجارًا الآن في
القدس سيُطلَق للفضاء في المنطقة بأسرها أو ما بقي منها. ماذا يفترض بزعيم مسؤول
أن يفعل؟ تهدئة الأوضاع. اتخاذ سلسلة سريعة من الخطوات لتبريد الأجواء ولتحييد
بخار البنزين المضغوط في الجو، منتظرا الشرارة. ماذا يفعل نتنياهو؟ العكس
تماما".
المصدر: السفير