القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

انتفاضة بلا قيادة.. حتى متى؟

انتفاضة بلا قيادة.. حتى متى؟

بقلم: عدنان أبو عامر

بعد مرور أسبوعين على اندلاع المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، أواخر سبتمبر، بقيت الفصائل الفلسطينية بعيدة عن تبني الأحداث، وبدا الميدان كأنه يسير بطريقة عفوية عشوائية دون قيادة تحركه.

عجز الفصائل

يحيى موسى، القيادي في حماس، ورئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي، وأحد قادة الانتفاضة الأولى 1987، قال "للمونيتور" أنه "يجب الإسراع بتشكيل قيادة وطنية موحدة للانتفاضة، حتى تكون المنسق للجهد الوطني حفاظاً عليها، وتطويراً لها، بما في ذلك عودة قيادة السلطة الفلسطينية من الضفة الغربية لقطاع غزة، لأن بقاءها في الضفة سيؤدي حتماً لإجهاض الانتفاضة، وإفشالها".

كان ملفتاً تأخر القيادات الفلسطينية في التطرق للمواجهات، فقد تحدث إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس يوم 9 أكتوبر عنها، داعيًا لتوفير وسائل الدعم والإسناد لما وصفها بانتفاضة القدس، وحمايتها من أي محاولة للالتفاف عليها، وأي مؤامرة تستهدف إعادتها لنقطة الصفر، وتناولها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عنها مساء 14 أكتوبر، مطالباً المجتمع الدولي للتدخل الفوري لوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في الأيام الأخيرة لأنها تهدد السلام والاستقرار، وتنذر بإشعال فتيل صراع ديني في المنطقة والعالم أجمع.

لكن المفارقة الملفتة التي تشير لغياب قيادة فلسطينية موحدة للأحداث الفلسطينية الجارية، أن الفلسطينيين حتى اللحظة لم يتفقوا على اسم موحد لها، واختاروا لها تسميات عدة، ومنها: انتفاضة القدس، الهبة الجماهيرية، الموجة الثورية، الانتفاضة الثالثة.

حسام خضر، عضو المجلس التشريعي السابق، ومن رموز فتح في الضفة، وأحد قادة الانتفاضة الثانية 2000، طالب في حديثه "للمونيتور" الفلسطينيين "بعدم الدخول في انتفاضة جديدة، لأنها فعل وطني يمارسه الشعب الفلسطيني عند نقطة أمل أو يأس محددة، وواقعنا الفلسطيني غير جاهز لتحمل تبعات انتفاضة جديدة".

مرور كل هذه المدة الزمنية دون وجود قيادة سياسية ميدانية طرحت أسئلة مثل: من يقود الحراك الجماهيري، وهل هناك رؤية سياسية واضحة وأهدافاً محددة لهذه الموجة الشعبية، أم مجرد ردات فعل عاطفية على الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى؟ علماً بأن متوسط أعمار المشاركين في التظاهرات وعمليات الطعن والدهس يقل عن 20 عاماً، ممن ولدوا بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل 1993.

مسئول فلسطيني رفيع المستوى في رام الله، ذكر "للمونيتور"، رافضاً ذكر اسمه، أن "الرئيس عباس، يواجه تياراً داخل قيادة فتح يطالب بدعم الحراك الشعبي الفلسطيني، والسماح لقادة الحركة بالمشاركة في تشييع الشهداء، عقب تعليمات صادرة عن جهات فلسطينية عليا بعدم مشاركتهم فيها، بعكس ما حصل في غزة حين سارعت حماس لتبني الشهداء الـ7 الذين سقطوا على حدود القطاع في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي يوم 9 أكتوبر".

الحديث عن غياب قيادة للانتفاضة امتد لشبكات التواصل في الأيام الماضية، فقد طالب بعض النشطاء الفلسطينيين بقيادة ميدانية لا مركزية قادرة على التخطيط والتوجيه لمواجهة القرارات الإسرائيلية التصعيدية، وأكد نشطاء ميدانيون آخرون على ضرورة أن تبقى الانتفاضة عفوية بلا رأس يحركها ويقودها، وثالث يرى بأن نجاح الحراك الشعبي العفوي دليل قاطع على فشل التنظيمات الفلسطينية وقياداتها في أدائها السياسي خلال السنوات الماضية، ورابع يعتبر أن الاستعجال بتشكيل قيادة سياسية سيضر بالانتفاضة، لأن قيادات الفصائل الفلسطينية عاجزة، وليس لها دور في تفجير الانتفاضة.

عبد العليم دعنا، القيادي في الجبهة الشعبية، أبلغ "المونيتور" أن "تشكيل القيادة السياسية الموحدة في غاية الأهمية إن تم الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية المشاركة في الأحداث الحاصلة في الأراضي الفلسطينية على برنامج وطني مشترك، ولو في حده الأدنى فيما يتعلق بالمواجهة مع الاحتلال، وهناك تصورات لدى بعض الفصائل حول تشكيل هذه القيادة، لكن معظم المشاركين في الانتفاضة لا ينتمون لتيارات سياسية، والاتفاق على برنامج وطني مشترك بحاجة لنقاشات معمقة وطويلة".

ربما يبقى المتظاهرون الفلسطينيون عاجزين عن الاستمرار في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي دون توفر الحاضنة الرسمية من القيادات الفلسطينية، من مختلف الفصائل والتنظيمات، وفي حين يبدو أن السلطة الفلسطينية تؤيد هذه الهبة الجماهيرية دون الوصول لمرحلة العمليات المسلحة، فيما حماس تؤيد كما يبدو استمرارها في الضفة الغربية، ولا تريد وصولها لغزة، لأنها لا ترغب بحرب جديدة مع إسرائيل، وفقاً لما رجحه محللون فلسطينيون يوم 12 أكتوبر.

القيادات الميدانية

مراجعة أولية للمواجهات الدائرة في الأراضي الفلسطينية تشير لعدم وجود قيادة سياسية توجه الأحداث وتدعو للإضرابات، وتصدر بيانات نعي الشهداء، ومساندة أهاليهم، وإقامة بيوت العزاء، وقد تتبع "المونيتور" البيانات الصادرة عن التنظيمات الفلسطينية في الأيام الأخيرة، فلم يجد أنها توثق أعداد الضحايا، ومناطق المواجهات، ولم يعثر إلا على صفحة على الفيسبوك باسم "مقاومة برس"، توثق يوميات الأحداث، تحصي فيها القتلى والمصابين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدار الساعة.

حسام بدران، الناطق باسم حماس، قال "للمونيتور" أن "حماس معنية بان يتم قيادة الانتفاضة بتوافق وطني ومشاركة من الجميع، ولذلك نعمل على إيجاد قيادة وطنية تضم كل القوى الفلسطينية، والخطوة الأولى والأسهل في هذا التوجه تشكيل قيادات مناطقية لتوجيه الفعاليات الميدانية".

هناك قناعة واضحة في الشارع الفلسطيني، مفادها أن الثورة الحاصلة في الضفة والقدس لم تستأذن السلطة الفلسطينية ولا أي فصيل آخر، وهناك عامل ذاتي فلسطيني قد يمنع وجود قيادة سياسية موحدة لهذه الأحداث، يتمثل بالخلافات الداخلية بين فتح وحماس، واختلافهما في توصيفهما للمواجهات، والنظرة لمآلاتها، وهو ما عبر عنه تقدير موقف نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة يوم 8 أكتوبر، ويترأسه المفكر العربي عزمي بشارة، جاء فيه أن الأحداث الدائرة في الضفة والقدس اندلعت في ظل حالة من التردي الحزبي الفصائلي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، وتجري خارج نطاق سيطرة السلطة الفلسطينية.

أخيراً.. يبدو أن غياب القيادة عن الأحداث الفلسطينية الحاصلة ليس عفوياً، فهناك من يرى أن هذه الهبة الجماهيرية قد تتوقف بين يوم وآخر، ويمكن اعتبارها كسابقاتها، فلا داعي لتصدر أحداث لا يعلم أحد كيف ستنتهي، ومن يعتقد أن الدخول على خط قيادة الأحداث قد يدخل الساحة الفلسطينية في أتون استقطاب حزبي يفرغ الأحداث من مضمونها الوطني العام، ولأن ما بين الفصائل من الخلافات أكثر مما قد يوحدها، وفريق ثالث ربما تمثله حماس يتخوف من كشف قياداتها الميدانية لأنه قد يعرضها للاعتقال فور انتهاء الأحداث، من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية.

المونيتور