القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

انتفاضة ثالثة أم ربيع فلسطيني؟

انتفاضة ثالثة أم ربيع فلسطيني؟

بقلم: نزار بدران

تعم الأراضي الفلسطينية حالياً موجة من الاحتجاجات العارمة، يقودها شباب وفتية فلسطينيون، كما كان ذلك دائماً، فالشباب كانوا دوماً سباقين للعطاء دفاعاً عن الوطن، ذلك صحيح الآن، وصحيح أيضاً في أيام الثورة الفلسطينية الأولى، بقيادة الشيخ عز الدين القسام وما تلاها.

هؤلاء الشباب لا يتطلعون لتحقيق هدف مرسوم لهم، من قِبل القيادات والمختصين بالسياسة والمفاوضات الاستراتيجية، وإنما يؤكدون بعفوية، ولكن بإصرار، ثوابت الشعب الفلسطيني، وثوابت الفكر الإنساني. الحق أولاً والدفاع عنه حتى الموت؛ الحق بحياة كريمة عادية، والتنقل والعمل والدراسة، الحق بالخروج والدخول من وطنهم، الحق بالتعبير عن رأيهم، الحق بتملك أراضيهم وأراضي آبائهم من قبلهم، الحق بان لا تُمارس ضدهم العنصرية المقيتة ولا توضع حولهم الأسوار لعزلهم عن بعضهم البعض وعن العالم.

الشاب الفلسطيني له الحق في دخول القدس والصلاة بالأقصى وكنيسة القيامة متى شاء، الحق بالبناء والتعمير وتعليم لغته وتاريخه لأولاده وليس الخضوع لتاريخ مزور. الحق لابن اللاجئ المُهجر من أكثر من ستين عاماً بالعودة إلى قرية أبيه وزرع أرض جده. الحق بانتخاب قياداته ومراقبتها وتغييرها متى شاء، الحق بالعيش بدون احتلال ومكافحته.

هؤلاء يريدون ان يكونوا أناساً لهم كامل الحقوق المُعترف بها ككل شباب العالم، وتؤكدها كل المنابر الدولية والهيئات الأممية، وليست قابلة للنقاش والمناقصات.

شبابنا لا تهمهم المحادثات العبثية الدائرة منذ عشرات السنين مع العدو، ولا يريدون أن يستجدوا دويلة صغيرة مُقسمة مليئة بالمستوطنين كقطعة الخبز العفنة.

قيادات الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، لم تعد تفهم هؤلاء الشباب، وما زالت تصر على نقاش تحسين شروط الاستسلام، المفروضة من إسرائيل وحُماتها الغربيين.

الشباب الفلسطيني يريد أن يربط الحق الفلسطيني ببوصلة الربيع العربي، الهادف إلى بناء أمة جديدة، لا تقبل الضيم والاستبداد، والتي ترفع شعارات الحرية والكرامة عالياً، وتسعى لبناء دول تضع حق المواطن العربي في المقدمة، وتبني بناء عليه سياساتها الداخلية والخارجية. دول تُكرس مواردها وثرواتها لخدمته ونموه، دول تسعى جميعاً لبناء صرح الأمة على أسس الديمقراطية وتعامل الآخر تعامل الند للند.

شعارات شبابنا في القدس وغزة واللد أو المدن الفلسطينية الأخرى، تلتحق بنفس الشعارات التي رُفعت بتونس أو سـاحة التحـرير أو مدارس درعا وسـاحات صـنعاء، وحـدة الهدف ستخلُق وحـدة الوسـيلة وتجـميع القوى لتحقيقها.

ستعود القضية الفلسطينية الهم الأول للأمة، وتحرير فلسطين هدفها، بعد أن تتخلص من براثن الاستبداد وحكم القلة المُستغلة، النضال من أجل الحرية وإزالة الظلم ودحر الاستبداد، لا يتناقض مع هدف إزالة الاحتلال وتحرير الوطن، بل على العكس هو شرطه الأول، لذلك فإن تفاعل شباب فلسطين مع شباب الأمة، ومواءمة شعاراتهم وتوحيد أهدافهم، هو الجديد على الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي للأسف عزلت نفسها منذ أكثر من خمسين عاماً عن بُنيتها العربية الشعبية وحاضنتها الطبيعية، برفع شعارات انعزالية، تدعي ظاهرياً حماية القرار الفلسطيني، ولكنها بالحقيقة قزمت القضية ووضعتها في مهب الريح.

نأمل أن تكون الأحداث الجارية بداية الربيع الفلسطيني العربي، وليس فقط هبة جديدة لبعض الوقت، توقفها عجلة السياسة ودهاء الحكام.