انتفاضة ثالثة...
غير محتملة!
أسعد عبد الرحمن
رئيس الوزراء
الإسرائيلي نتنياهو غير معني بالتوصل إلى اتفاق "سلام دائم"، ناهيك عن
"سلام عادل" مع الفلسطينيين. وعلى رغم اقتناع العالم أجمع بمسؤولية
حكومته عن انسداد أفق عملية التسوية، بات الفلسطينيون في موقف لا يحسدون عليه،
وبخاصة مع تزايد الآراء التي تطرح السؤال التالي: ما فائدة المفاوضات مع عدم وجود
ومشاركة الولايات المتحدة في الغرف المغلقة؟! بل يعلن آخرون أنه ليس عيباً أن تعلن
السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن ورائها العرب، أنه لا طائل من وراء المفاوضات،
وأنه آن الأوان لتغيير مجمل لعبة المفاوضات عبر إجراءات أكثر جذرية. وأن على
العالم إدراك عبثية استمرار المفاوضات بهذه الطريقة (فضلاً عن عبثية التفاوض
المستمر، ولو المتقطع، منذ أكثر من عشرين عاماً مع تراجع أوضاع الشعب الفلسطيني
على الأرض). ويتساءل آخرون: هل بات الشعب الفلسطيني أعجز من القيام بانتفاضة شبيهة
بانتفاضة الأقصى أو سابقتها، وبالذات مع استمرار شلل المجتمع الدولي، وتوهان
العالم العربي، ومعارضة السلطة الفلسطينية العنف باعتبار أنه لا يمكن البناء عليه
إيجاباً، وأن التمسك باتفاقات "أوسلو" هو السبيل، فيما أحكمت حركة
"حماس" وحكومتها المقالة في قطاع غزة قبضتها ومنعت إطلاق صواريخ على
إسرائيل، سواء من قبلها (أو من غيرها من الفصائل) تثبيتاً لهدنة "الأمر
الواقع" في القطاع؟!
وحتى لا نكون ظالمين
لأنفسنا، وللشعب الفلسطيني، نقول إن هناك عوامل ضد قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة!
ومن أخطر وأعقد هذه العوامل وجود الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على إيقاع الحياة
وعلى المعابر وحركة التنقل، فضلاً عن التنسيق الأمني الموجود منذ تشكيل السلطة
الفلسطينية. وظاهرياً، تحافظ إسرائيل على تقسيم وظيفي: فهي تسمح للوزارات
الفلسطينية والبلديات بإدارة نظم التعليم والخدمات الصحية، وتوفير الأمن، وتشغيل
الناس وإدارة برامج الخدمة الاجتماعية، ولكنها في الوقت نفسه تفرض قيوداً عسكرية
تمنع حركة الناس والبضائع وتجعل هذا التقسيم الوظيفي ذاته مستحيلاً. ويتصل بالعامل
ذاته، عملية تقطيع الأوصال في الضفة الغربية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على
الأرض، علاوة على حصار غزة، بحيث يمكن اعتبار ما يقرب من أربعة ملايين مواطن
فلسطيني في الضفة والقطاع في سجن كبير. وقد شملت هذه الإجراءات التعسفية وضع
الحواجز العسكرية الثابتة على مداخل المدن، وإغلاق الطرق الرئيسية التي يسلكها
المستعمرون/ "المستوطنون" الإسرائيليون أمام الفلسطينيين بالمكعبات
الإسمنتية والأتربة وحفر الخنادق العميقة على عرض الشوارع، محولة بذلك المدن
الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى كنتونات معزولة بعضها عن بعض. وليس أخيراً،
اقتراح إسرائيل أن يكون مسار جدار الفصل العنصري أساساً لمحادثات السلام بدلاً من
حدود عام 1967 التي يطالب بها الفلسطينيون. وبحسب ما أوردت صحيفة يديعوت أحرونوت
والإذاعة العامة الإسرائيلية، اقترح المفاوضون الإسرائيليون على نظرائهم
الفلسطينيين أن يكون هذا الجدار الذي تقع 85 في المئة منه في الضفة الغربية ويؤدي
إلى عزل 9,4 في المئة من الأراضي الفلسطينية من بينها القدس الشرقية (بحسب الأمم
المتحدة) نقطة انطلاق المحادثات. كما لا ننسى قضم الأرض الفلسطينية وتسمين
المستعمرات/ "المستوطنات" في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي
تشهد تهويداً في ظل تجاهل عربي وإسلامي ودولي، فضلاً عن محاولة اليمين الإسرائيلي
المتطرف مناقشة إجراءات يريد تطبيقها في موقع وداخل المسجد الأقصى من خلال شرعنة
صلاة اليهود فيه، وتقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود وتسليم إدارته
لما يسمى بوزارة الأديان الإسرائيلية، والقيام بأعمال الترميم وفق قوانين وتعليمات
تصدر من مؤسساتهم الإسرائيلية.
وبالمقابل، وصل
التنسيق الأمني بين سلطة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية إلى أعلى
مستوياته وكانت نتيجته إحباط عديد العمليات التي استهدفت الاحتلال، ناهيك عن
اتهامات لها بإحباط أي تحرك شعبي حقيقي ضد الاحتلال. يضاف إلى ذلك، "الانقسام
الفلسطيني/ الفلسطيني" الذي بات عميقاً مع مرور السنوات، في ظل تبادل
الاتهامات والتحريض. وهو "الانقسام" الذي يراكم الاستعصاءات
الاستراتيجية الأمر الذي أثر سلباً على المشروع الوطني الفلسطيني وبات يطرح
تساؤلات حول مستقبله من منطلق أن المرجعيات الدولية للتسوية وللمقاومة تقوم على
وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن ناحية عملية، ليست ثمة تسوية "مشرفة"
ولا مقاومة "فاعلة" في ظل الانقسام، مما يعطل إمكانية إنجاز المشروع
الوطني. نعم، لقد أضحى "الانقسام"، مع مرور الأيام، أشد خطراً على وحدة
الفلسطينيين وتحقيق تطلعاتهم وحقوقهم المشروعة في إقامة دولة مستقلة.
كما أن هياكل منظمة
التحرير الفلسطينية وعديد الأحزاب التي شاخت وتكلست، عامل مهم جداً لا يمكن تجاهله
في إعاقة فرص اندلاع نار انتفاضة ثالثة. فالمنظمة أدت دوراً ووظيفة وطنيتين
بفاعلية جيدة في مرحلة معينة، والآن ضعف دورها كثيراً، مع إدراكنا أن هذا الحال
يتقاطع مع هدف الاحتلال بتصفية منظمة التحرير ويضرب المضمون الأساسي للمنظمة كمعبر
عن وحدة الشعب وتمثيله المشروع للشعب العربي الفلسطيني. وفي أعين عدد متزايد من
الناس والمراقبين، وبمقدار ما يتعلق الأمر بالتنظيمات الفلسطينية، فإن بعضها قد شاخ،
ومنها من أفلس سياسياً ونضالياً، فانتهينا إلى حالة جعلت عدداً من فصائل الأمس
"فسائل" لا جماهير لديها ولا أعضاء جدد! وبعبارة أوضح نقول: في البدء
كانت الفصائل حقيقية ومناضلة ولو أن بعضها كان زائداً ومزايداً! وفي حين حافظ
بعضها على نفسه، تحول البعض الآخر -من أسف شديد ودون أي شماتة- إلى الحالة
الفسائلية المشروحة آنفاً.
وعلى رغم كل ما سبق
من عرض وشرح لأبرز العوامل المانعة لإنجاح انبثاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، إلا
أنها جميعاً، وفي الوقت ذاته، عوامل تخلق توتراً وضغطاً شديدين محصلتهما الدفع
باتجاه تفعيل بناء انتفاضة، تماماً كالبركان حين ينفجر أو التسونامي حين يكتسح، مع
الفارق أن البركان أو التسونامي الإنساني صعب رصده وتستعصي التموجات داخله على
أكبر العقول البشرية والإلكترونية. فمن كان منا، مثلاً، يعتقد بإمكانية الإطاحة
بحكم القذافي بهذه الطريقة الدرامية، وحتى الإطاحة السريعة سواء بالنظام في مصر أو
تونس مع الفارق؟! فالجماهير حين تنفجر... تنفجر!
الاتحاد،
أبو ظبي، 20/12/2013