القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

انتفاضة فلسطينيي العراق والقمة العربية

انتفاضة فلسطينيي العراق والقمة العربية
 

بقلم: محمد مشينش

لم يعد يحتمل ما تفعله المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بحق اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الظلم والمطاردة في العراق؛ فبقرار غريب، قررت المفوضية أن تغلق مخيم الوليد. هذا هو القرار، ولا أحد يعلم السبب، ولا أحد يعلم المبررات. في المخيم لاجئون مضى على وجودهم في الصحراء أربع سنوات. ناموا بين الأفاعي والعقارب، وشربوا المياه المكبرتة وأكلوا الخضار الفاسدة. ينتظرون يوماً بيوم، بل ساعة بساعة، ليُفاجَأوا بمسؤول المفوضية في العراق محمد العاني (هكذا يعرفه الناس، مسؤول المفوضية)، وهو يخبرهم بأن المخيم يجب أن يقفل، وأنه يجب أن يعودوا إلى بغداد. لماذا، وكيف، وما السبب؟ «لا تتكلموا ولا تعترضوا ولا تناقشوا؛ فأنتم لاجئون فلسطينيون». لم يكتف بهذا، بل أحضر معه قوة أمنية عراقية لتهددهم بأن الذي يرفض العودة سيُتهَم بالإرهاب، لكن اللاجئين صمدوا وبقوا في مكانهم، واضطرت المفوضية إلى أن تمدد وجود المخيم، لكنها تهدد بقطع الطعام أو تقليله أو تقديم نوعيات سيئة، وقد قطعت العلاجات عن اللاجئين واكتفت بعلاجهم في المخيم، إلى غيرذلك من الأساليب التي يراد بها إذلال اللاجئين ليضطروهم إلى مغادرة المخيم. أما «إلى أين؟»، فهذا هو الأغرب... «عودوا إلى بغداد، عودوا من حيث خرجتم، عودوا إلى الموت، عودوا من حيث طردوكم.

وفي بغداد يستمر مسلسل الاستهداف، وبالسيناريوات نفسها التي استُخدمت منذ الاحتلال الأميركي للعراق، ولغاية الآن. الغريب أن المفوضية لها مكتب في المجمع الفلسطيني في البلديات، وتصلهم آهات اللاجئين ولوعاتهم كل يوم، فكيف تقرر المفوضية أن تغلق مخيم الوليد وتطلب من اللاجئين العودة إلى بغداد؟

أما مخيم الهول، فما يحصل فيه هو أيضاً من الغرائب؛ إذ في سوريا ما يقرب من 850 أسرة، قسم كبير منها حصل على موافقة الدولة السورية في الدخول إلى مخيم الهول، وسُلِّم ورقة رسمية بهذا الخصوص. وهنا يكون من واجب المفوضية أن تتعاطى مع هؤلاء اللاجئين وتسجلهم وتقدم لهم الخدمات؛ فهذا هو عملها، وهذا السبب الذي قامت من أجله.

الغريب أن المفوضية تطلب من اللاجئين القادمين إليها أن يعودوا إلى الشام، وهناك تتعامل الأونروا معهم لتقدم لهم بعض الخدمات التي قد يراها البعض منحة كبيرة، ولكنها تفتقر إلى أهم عنصر من عناصر الحياة، ألا وهو معرفة المصير ومعرفة التعريف الذي لطالما فقده اللاجئون الفلسطينيون في العراق.

الأونروا تعدّهم أشخاصاً فلسطينيين ضيوفاً غير مسجلين في قيودها، ولا تسجّلهم، رغم أنهم في ساحة عملياتها، وتعترف بأنهم فلسطينيون وتقدم لهم الخدمات على هذا الأساس.

أما المفوضية، فقد أوقفت عنهم إمداد الوقود في الشتاء، وقالت إن هذا البرنامج مخصص للعراقيين فقط، وكأن الفلسطيني لا يبرد، رغم أن المشروع كله مخصص للعراقيين والفلسطينيين الآتين من العراق، وإلا فلماذا تسجلهم المفوضية في البرنامج نفسه؟

لم تكتف المفوضية بقطع إمدادات الوقود، بل قطعت الإعانات الغذائية عنهم، وتقطع القرطاسية عن أولادهم.

هذا بالنسبة إلى من هم في مخيم الهول أو من هم مسجلون في مخيم الهول ويقيمون في دمشق. أما من هم في دمشق، ولم يسجلوا إلى الآن في مخيم الهول، وتقف المفوضية بوجههم وتمنع تسجيلهم في مخيم الهول، فهي بذلك تحرمهم الوضع القانوني الذي يسعى إليه اللاجئ الفلسطيني الآتي من العراق.

المفوضية تفعل هذا وتعلن أنها تريد غلق المخيم وأيضاً لا أحد يعرف السبب ولا المبررات؛ فالحاجة إلى المخيم ما زالت حاصلة والناس ما زالوا يهربون من العراق، فلماذا يقفل المخيم بوجههم؟

لم يعد اللاجئون الفلسطينيون الفارون من العراق يحتملون هذا الظلم، وجاء يوم الحادي عشر من آذار، فقرروا القيام باعتصام ليصل صوتهم إلى المسؤولين الذين أصمّوا آذانهم عن سماع مطالبهم، وأغمضوا عيونهم عن معاناتهم، في سابقة مهمة في حياة اللاجئين؛ فالاعتصام انطلق من ثلاث مناطق، في مخيم الوليد ومخيم الهول وفي دمشق من أمام مقر المفوضية. حدث لا بد من أن يسجل ضمن ملحمة اللاجئين الفلسطينين الفارين من العراق. يأتي هذا الحدث وسط استعدادات كبيرة يقوم بها حكام العهد الجديد في العراق لاستضافة القمة العربية التي أنفقوا عليها المليارات لأجل عودتهم إلى الحضن العربي.

فهل أحسن حكام العهد الجديد في العراق تعاملهم مع العرب، وهل هم مؤهلون ليعيدوا العراق الى الحضن العربي؟ صحيح أن العراق بلد كبير، وصحيح أن إمكاناته المادية هائلة، ولكنها ليست أكبر من دماء الفلسطينيين، وليست أكبر من آلام من تشرد في أصقاع الأرض، وليست أكبر من آهات المعتقلين، وليست أكبر من حسرات أم فقدت ولدها برصاص مجاميع مسلحة همجية موتورة طائفية لعينة لا تعرف الإنسانية تتنفذ الآن في حكم العراق، وليست أكبر من همٍّ ركِبَ على ظهر والد تشتت أولاده في أصقاع الأرض، وليست أكبر من همّ والدة طاعنة في السن ابتعد عنها أهلها هرباً من ظلم حكومات العهد الجديد المتعاقبة من بعد الاحتلال.

كيف يعود حكام العهد الجديد في العراق إلى الحضن العربي، وهم من طارد العرب وقتلهم ورفع الشعارات وكتب اللافتات ضد كل ما هو عربي؟ كيف يعودون وهم من أغلق أكبر بوابة للعودة إلى الحضن العربي، بوابة فلسطين، بعد أن قتلوا وشردوا الفلسطينيين الذين عاشوا في العراق ستين عاماً؟

كيف وكيف وكيف؟

تساؤلات كثيرة عند فلسطينيي العراق لم يُجب عنها أحد. هل هو من باب العجز أم من باب المصالح أم من باب الإهمال؟ تساؤلات أغفلها كثيرون، لكن التاريخ لا يغفل شيئاً.

.........

الاعتصام من أجل المطالبة بالحقوق
 

نظمت رابطة فلسطينيي العراق، المؤسسة المدنية في دمشق التي تمثل فلسطينيي العراق، اعتصاماً أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دمشق. وقد شارك المعتصمون من رجال مسنين ونساء وشباب وأطفال ومعوّقين في الاعتصام بسبب عدم الصدقية التي تبديها المفوضية تجاه فلسطينيي العراق في دمشق والمخيمات وكثرة القرارات التي أصدرتها المفوضية والتي سببت معاناة جديدة لفلسطينيي العراق لتضاف إلى معاناة التهجير القسري من العراق. وقد تضمنت المطالب:

المطلب الأول: إبقاء مخيم الهول في محافظة الحسكة مفتوحاً أمام فلسطينيي العراق المسجلين في المخيم، وكذلك مخيم الوليد داخل الحدود العراقية إلى حين إيجاد حلول ملائمة تضمن حياة كريمة وآمنة مثل باقي البشر في العالم.

المطلب الثاني: في مخيم الهول ما يقارب مئة شخص من رجال ونساء وأطفال مسجلين في المخيم، ولا يسمح لهم بالسكن، وترفض المفوضية منحهم أي مساعدة غذائية، نرجو مساعدتهم والسماح لهم بالسكن ومنحهم كافة حقوقهم كلاجئين، وإيجاد حل للساكنين في مخيم الوليد وإلغاء قرار غلقه وإعادة الحقوق التي قطعت عنهم.

المطلب الثالث: نطالب بمنح غير المسجلين في مخيم الهول أوراق التسجيل في المخيم.

المطلب الرابع:إيجاد حل للاجئين الفلسطينيين الآتين من العراق يضمن لهم الحياة الكريمة والاستقرار وإعطاء سقف زمني لإيجاد الحل لهم.

المطلب الخامس: إعادة الحصة الغذائية التي كانت توزعها المفوضية على فلسطينيي العراق، حيث قُطعت عنهم فقط، مع الاستمرار بتوزيعها إلى اللاجئين من الجنسيات الأخرى. علماً بأنها أصدرت قراراً سابقاً بأن المفوضية لن تقطع المساعدات الغذائية عن كل اللاجئين.

المطلب السادس: إعادة منح المساعدات الطبية، حيث قامت المفوضية بالأمور الآتية:

إنهاء العقد المبرم مع مشفى فلسطين داخل مخيم اليرموك.

عدم استقبال الفلسطيني العراقي في المركز الطبي للهلال الأحمر في الزاهرة.

يمنع إجراء العمليات الجراحية لفلسطينيي العراق، ويتحمل اللاجئ تكاليفها.

قطع توزيع الأدوية للأمراض المزمنة على فلسطينيي العراق.

المفوضية لم تستجب لأيٍّ من مطالب اللاجئين، وتصرّ على استخدام سياسة التضليل والتسويف والمماطلة، محاولة خلق ظروف تجبر اللاجئ على حلول غير ملائمة، مدعية أن اللاجئ اختارها طواعية، وهذا ما سبق أن اتبعته المفوضية في إغلاق مخيمات الرويشد والتنف. وبهذا، تؤكد المفوضية أن سياستها في غلق المخيمات هدفها إنهاء مهمتها كمفوضية في خدمة اللاجئ من دون النظر إلى إنهاء معاناته بحلول تكفل ضمان حقه الإنساني في العيش الكريم.

ملاحظة: اللاجئون في مخيمي الهول والوليد مستمرون في الاعتصام إلى حين تحقيق مطالبهم بعدم إغلاق المخيمات، وبإيجاد الحل الملائم الذي يكفل حقوقهم.

المصدر: مجلة العودة العدد الـ55