انطلاقة حماس.. كشف حساب
د. عدنان أبو عامر
فيما تحيي حركة حماس ذكرى تأسيسها
السادسة والعشرين، تشعر أنها بلغت بهذه المرحلة الزمنية القصيرة نسبياً في عمر
التنظيمات والأحزاب، أقصى ما تتمناه أي حركة سياسية، فيما ينظر إليها الخصوم
بمشاعر يختلط فيها الإعياء بالحنق من كثرة الإحباط الذي ألم بمخططاتهم لاستئصالها
والقضاء عليها، وفي ذات الوقت، يبدو المجال متاحاً للحديث في محاور هامة، لابد
للحركة من أن تقرأها جيداً، وتتأمل ما بين سطورها التي ليست بالضرورة أن تكون
واضحة، وضوح العنوان الوارد أعلاه..
وربما فاجأتني أولا الأعداد التي شاركت
في العروض العسكرية الأخيرة لكتائب القسام، واكتفت بها حماس بديلاً عن إقامة
مهرجان الانطلاقة السنوي، ما يعني أن هذه الشعبية للحركة في قطاع غزة تحديداً، تضع
أسئلة هامة، حول ما قد تستفيده فعلاً من شعبيتها هذه، خاصة وأنه قد يكون من
البديهيات السياسية أن وصول أي حركة سياسية لمرحلة الحكم والسلطة أقصى ما تتمناه
وتسعى إليه، وقد وصلت حماس بالفعل لذلك في بقعة جغرافية تجري عليها أكثر الصراعات
والنزاعات دموية وتاريخية، وفي ظل رفض شبه مطلق لأن تخوض الحركة تجربتها السياسية،
في ظل فيتو محلي إقليمي دولي عليها.
وبغض النظر عن موقفي الشخصي في مسألة
تولي حماس للحكم وفق المنطلقات التي تحكم العملية السياسية في الأراضي الفلسطينية،
فإن الحركة ماضية في برنامج الحكومة، رغم أنها تجد عثرات متلاحقة في طريق إدارة
الأمور في غزة، وبالتالي فإن حماس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل أن
بقاء الأمور في قطاع عزة والضفة الغربية مرشحة للاستمرار لأجل غير مسمى، فإن ذلك
يفرض تحدياً على حماس في مجال الحكم، من خلال اجتراح بعض الميكانيزمات والآليات
التي يجب أن تتسلح بها لاجتياز هذا التحدي بأقل الخسائر.
علماً بأن انتقال حماس إلى الحكم
والسلطة لم يكن انتقالاً مكانياً، من موقع لآخر، بل انتقالا زمانيا، من زمن الدعوة
إلى الدولة، من لحظة الفعل الذي يحكمها مبدأ الواجب الشرعي والوطني، إلى لحظة
يؤسسها مبدأ الممكن السياسي، من الأيديولوجيا إلى السياسة، والأخيرة هي الدرجة
التي تحترق عندها الأولى، من الاستراتيجيا إلى التكتيك، من الأهداف العليا إلى
المرحلية، وبالتالي قدر كل أيديولوجيا أن تنزل من عليائها النظري للواقع حين تصطدم
بالسياسة، لأنه من الصعوبة بمكان المحافظة على "العذرية الثورية" حين
تترجل وتمشي على الأرض، لأنها ستصبح في هذه الحالة كائناً مادياً نسبياً تسري عليه
نواميس التحول والعثرات والأعطال.
على صعيد الأداء الحكومي، فمن نافلة
القول أن حماس بذلت جهوداً مضنية لتشكيل حكومات ائتلافية تشكل قوس قزح فلسطينيا،
يحظى بإجماع شعبي وطني، لكن الحسابات المختلفة لجميع الأطراف أعاقت خروجها لحيز
الوجود، فالحزبية الضيقة للبعض، والتخوف من ضخ التمويل من البعض الآخر، والنقاش
الموضوعي الذي قد يدور من قبل بعض ثالث، لم يمنح الفرصة لتلك الحكومة أن ترى
الحياة.
ومع ذلك، فإن حماس في ذكرى انطلاقتها،
يتطلب منها أن تدير قطاع غزة، هذه البقعة الجغرافية التي تنتظر أياماً عصيبة، أكثر
مما هو عليه الآن، بآليات أكثر انفتاحاً على الكفاءات الفلسطينية التي لا تنتمي بالضرورة
للحركة، أقول ذلك، لأن الوزارات والدوائر الحكومية تكتظ بمئات الكوادر النظيفة
وذات الأيدي البيضاء، تترقب بشوق وتلهف أن يدير وزراء أكفاء وزاراتهم ومديرياتهم،
أيا كان انتماؤهم السياسي، ولا أظن أن هؤلاء الوزراء أقل شوقاً من الالتقاء
والتعامل معهم، ومنحهم فرصهم الطبيعية في الترقي الوظيفي والإداري، ولو كانوا من
لون مختلف!
الآلية المطروحة أمام حماس ليست بحاجة
لكثير شرح أو تفسير، الحرص المعلن والمشروع على إنجاح مشروع التجربة الحكومية، لا
يجب أن يكون على حساب المشروع الأم، مشروع المقاومة التي لن تحافظ على ذاتها
وكينونتها إلا من خلال الجسم التنظيمي التي استطاعت حماس خلال خمسة وعشرين عاماً
المحافظة عليه، رغم جسامة الضربات التي وجهت إليها من قريب أو بعيد.
أخيراً.. تدخل حماس عامها السادس
والعشرين من عمرها وهي تبدو أكثر انتشاراً من ذي قبل، وأقل عرضة للاستئصال والغياب
عن المشهد السياسي، مع عدم تناسي جسامة التحديات التي ما زالت في طريقها، ما يحتم
عليها أن تكون أكثر حذراً في التعامل مع الآخر، المحتل والمتواطئ، وأقل توجساً من
الآخر الوطني، المستعد لمد يد العون لها فيما تستقبله من سنوات قادمة.
فلسطين أون لاين، 16/12/2013