انعكاسات الهبّة الفلسطينية على
الاقتصاد الإسرائيلي
بقلم: نبيل السهلي
برزت بعد مرور شهر على الهبّة الفلسطينية مؤشرات لها دلالات كبيرة على
تراجع أداء الاقتصاد الإسرائيلي، بخاصة أن الأمن هو الركيزة الأهم لتحقيق نسبة نمو
اقتصادي ترقى الى معدلات النمو السكاني والهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" في
الوقت ذاته.
ويجمع خبراء اقتصاد بأنه مع تراجع الوضع الأمني في "إسرائيل" بفعل
استمرار الهبّة الفلسطينية ومفاعيلها المختلفة، تأثر الاقتصاد الإسرائيلي سلبياً
في شكل جلي مع مرور الوقت. والثابت وفق متابعات ودراسات متخصصة أن فاتورة الخسائر
الإسرائيلية خلال الهبّات والانتفاضات الفلسطينية السابقة كانت مرتفعة، مقارنة
بالخسائر الناتجة من انعكاسات الأزمات المالية والاقتصادية العالمية على أداء
الاقتصاد الإسرائيلي، نظراً إلى حساسية المجتمع الإسرائيلي للوضع الأمني في المقام
الأول.
وفي هذا السياق أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، بأنه وبعد شهر
على انطلاقة الهبّة الفلسطينية، تفاقمت التكلفة الاقتصادية على "إسرائيل"،
لتصل إلى 11 بليون شيكل،
أي نحو 2.8 بليون دولار، وفي حال
استمرت الهبّة لشهرين آخرين، فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيخسر 5.6 بليون دولار، وبالتالي
سيحقق معدل نمو سلبياً في نهاية العام الجاري، وسيفقد نحو 6 في المئة من النمو السنوي، أي حوالي 20 بليون دولار، ولن يتعدى معدل النمو 3 في المئة في نهاية السنة.
وفي حال اتسعت دائرة الاحتجاجات الفلسطينية لتصبح انتفاضة عارمة، فإن من
شبه المؤكد أن الخسائر الإسرائيلية ستكون كبيرة جداً، بخاصة في قطاع السياحة الذي
يساهم بنحو 7 في المئة سنوياً من إجمالي
الناتج المحلي الإجمالي، الذي وصل إلى نحو 291 بليون دولار خلال العام المنصرم 2014، وكذلك الحال في قطاع الاستثمار الأجنبي، حيث توجد
في "إسرائيل" استثمارات أجنبية في صناعات الإلكترونيات الدقيقة
والحاسوب، التي تعتبر من أهم مصادر النمو في الاقتصاد الإسرائيلي. وبدوره سيتأثر
قطاع التجارة الداخلية والبورصة الإسرائيلية في شكل سلبي مع استمرار هبّة الشباب
الفلسطيني واتساع نطاقها.
وثمة إجماع بين المتابعين للشأن الإسرائيلي، بأن هناك خسائر من نوع آخر،
حيث ستتراجع أرقام الهجرة اليهودية إلى "إسرائيل" مع استمرار الهبّة
الفلسطينية بتعبيراتها المختلفة، ويتوقع باحثون في مجال الديموغرافيا أن عوامل
الجذب للمهاجرين اليهود قد تراجعت في شكل ملموس باتجاه "إسرائيل"، بسبب
انعدام الأمن منذ بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر)، الأمر الذي يشي باحتمال أن يكون
ميزان الهجرة سلبياً في نهاية العام، كما حصل خلال الانتفاضتين الأولى والثانية،
وما يعزز هذا الاتجاه أنه مع كل هبّة أو انتفاضة فلسطينية عارمة، تزداد أعداد
طلبات الشباب اليهود المقدمة للسفر إلى الدول الأوروبية وأميركا الشمالية بفعل
انعدام الأمن الإسرائيلي، وفي هذا الإطار تفيد بعض التقارير بتفكير عشرات الألوف
من الشباب الإسرائيلي في تسجيل طلبات هجرة إلى دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا
إذا استمرت مفاعيل الهبّة الفلسطينية.
وحول الانعكاسات المحتملة لتراجع أداء الاقتصاد الإسرائيلي على الساحة
الداخلية الإسرائيلية، فإنه مع ارتفاع وتيرة الخسائر الإسرائيلية اليومية، بفعل
إغلاق عشرات المؤسسات الإسرائيلية، وكذلك ارتفاع تكلفة الجيش والأجهزة الأمنية،
بغية قمع الشباب الفلسطيني وإنهاء الهبة الفلسطينية، سترتفع نسبة الاقتطاعات من
الموازنة الإسرائيلية العامة لمصلحة الجيش والأمن، الأمر الذي سيؤدي بدوره الى
تراجع النفقات الحكومية من الموازنة السنوية على خيارات التعليم والصحة والضمان
الاجتماعي للشرائح المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، ما يدفع العديد من
الإسرائيليين إلى الخروج في تظاهرات للمطالبة بتحسين تلك الخيارات، وكذلك الارتقاء
بالرفاه الاجتماعي.
وسيكون ذلك مقدمة من قبل الأحزاب الإسرائيلية بتلاوينها المختلفة، للسعي
وراء كسب أصوات الناخبين قبل انتخابات مبكرة محتملة في ظل اتساع نطاق الهبة
الفلسطينية، ولهذا نلحظ تواتر السجالات بين الأطياف السياسية الإسرائيلية، تدعو
بمجملها إلى زيادة وتيرة عمليات قتل الفلسطينيين واعتقالهم وطردهم وإسقاط الجنسية
الإسرائيلية عنهم، لوقف زخم الهبة الشبابية الفلسطينية وفرض الأمن بقوة المجازر
الإسرائيلية.
وقد تفضي تلك السجالات، مع استمرار الهبة الفلسطينية إلى حل الكنيست
الإسرائيلي وإجراء انتخابات مبكرة، تمهد لتشكيل حكومة أكثر يمينية من حكومة
نتانياهو الحالية، وتتماهى الى حد كبير مع انزياح المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من
العنصرية والكراهية إزاء الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر، والفلسطينيين في
الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويبقى القول إنه رغم الحديث عن خسائر إسرائيلية جراء استمرار الهبّة
الفلسطينية، إلا أنها - أي الهبّة - تحتاج إلى مقومات اقتصادية مدروسة بغية
تعزيزها لنيل بعض الحقوق الفلسطينية، ولهذا لا بد من تشكيل قيادة مشتركة لها، تضم
كافة الأطياف الفلسطينية والقوة الصامتة، بعيداً من الأجندة الفلسطينية الضيقة لكل
فصيل أو حركة فلسطينية من جهة، وضرورة إعطاء بعد عربي ودولي للهبّة الفلسطينية،
بخاصة أن شعاراتها المرفوعة تتلخص بنيل الحرية والاستقلال والخلاص من نير الاحتلال
الإسرائيلي ومعالمه، عبر تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين.
الحياة، لندن