انقلاب مصر.. فرح إسرائيلي، وعزاء في غزة
عدنان أبو عامر
طرح الانقلاب في مصر جملة من الأسئلة على صناع القرار في إسرائيل، من
أهمها: هل توقعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التطورات المصرية وصولا إلى حدث
الانقلاب؟ وكيف نظرت "إسرائيل” إليه، ومدى تأثيره على الواقع الإسرائيلي؟ وإلى أي
حد تدخلت "إسرائيل” ببعض أحداثه، لتجييره خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟
مع العلم أن ما سبق الانقلاب في مصر من أحداث وتطورات طوال السنة الماضية،
شهد طرح تخوفات إسرائيلية من فرضية انسحاب مصر ولو نسبيا من محور "الاعتدال
العربي"، وتحولها إلى محور المواجهة، مما يُشكل خطرا أمنيا وجغرافيا وسياسيا
كبيرا على إسرائيل.
ترحيب بالانقلاب
ولذلك جاء ترحيبها بالانقلاب واضحا جليا، وفي ضوء ما لفتت إليه الأوساط
الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أنه منذ فوز الرئيس محمد مرسي، ونجاح الإخوان
المسلمين في الانتخابات البرلمانية، ازدادت "برودة السلام" البارد أصلا
مع القاهرة، ويمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على ذلك من خلال توقفها عن تزويد تل
أبيب بالغاز الطبيعي، وعودة الشيخ يوسف القرضاوي إليها بعد نفي دام عشرات الأعوام.
ورغم أن "إسرائيل” استبعدت قيام النظام المصري السابق "الإخواني"
بإلغاء اتفاق السلام، فإنها تعتقد أنه في المقابل سيتوقف عن لعب دور
"الإنقاذ" لها في محاولاتها للخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها،
كما توقعت أن يقوم أيضا بتحسين علاقاته مع الفلسطينيين عموما، بمن فيهم أعداء
إسرائيل.
بصورة أكثر تفصيلاً، افترضت "إسرائيل” أن القوى المعادية وخاصة الإخوان
المسلمين، سيسيطرون على مقاليد الحكم، وبعد مرور فترة زمنية سيمتدون للجيش، ليشكل
تهديدا لجيشها، وهنا تكمن مشكلتها الكبيرة.
ورغم أن "إسرائيل” تريثت في إصدار موقف رسمي معلن تجاه انقلاب مصر، فإنها
وصفت ما حدث في القاهرة، خصوصا من تزايد نفوذ الإسلاميين بأنه "مأساة"
ستحل بها، وهنا يمكن القول إنه تم الانقلاب على "المأساة"، فماذا حل
إذن؟
ولذلك أظهرت الأيام الأخيرة أنه لا يمكن وصف سعادة "إسرائيل” بإقصاء أعداء
ألداء لها عن الحكم في مصر، ويمكن الجزم بأنها أكبر مستفيد من الانقلاب، ورغم أنها
تتشدق بالديمقراطية فإنها تخاف منها ومن نتائجها العكسية في المنطقة العربية، حيث
إنها ستكون أكبر الخاسرين من نتائج أي انتخابات شفافة تجري في المنطقة العربية
طبقا لما أكدته الاستحقاقات الانتخابية التي نظمت بعد الثورات العربية.
القطيعة المصرية
في ذات السياق، عاشت حركة حماس "شهر عسل" لم يدم طويلاً مع
الرئيس المصري المعزول مرسي، لكنها سرعان ما أقامت "بيت عزاء" عقب
الانقلاب عليه من قادة الجيش المصري، أو الحكام الجدد للبلاد، لأنها أصيبت
بانتكاسة خطيرة على أكثر من صعيد سياسي وأيديولوجي في ضربة واحدة.
لكن الجانب العسكري لا يقل أهمية وخطورة، عبر استفراد "إسرائيل” مجددا
بحماس، وتوجيه ضربة عسكرية مؤلمة لم تكملها في الحرب الأخيرة في نوفمبر/تشرين
الثاني 2012، نظرا لعدة اعتبارات من بينها ضغوط مصر عليها، وخشية تل أبيب من تضرر
علاقاتها مع القاهرة إذا استمرت في عمليتها العسكرية ضد غزة.
وقد جاءت دعوة "أفيغدور ليبرمان"، رئيس لجنة الخارجية والأمن في
الكنيست الإسرائيلي، وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، الشريك الأساسي في
الائتلاف الحكومي، لإعادة احتلال قطاع غزة دون إبطاء، مزعجة لحماس أكثر من أي وقت
مضى، ليس لأنها المرة الأولى التي يعلن فيها ذلك، ولكن لأنه ربط دعوته هذه بإسقاط
حكم الإخوان المسلمين في مصر.
وهو ما جعل قادة حماس يلتزمون الصمت بعدم التعقيب على هذا التهديد، بعكس ما
درجت عليه الحركة في الأشهر الأخيرة، لأنها ربطته مع تسريبات عسكرية إسرائيلية
تحدثت عن تهريب الحركة لكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة عبر الأنفاق، تتضمن
صواريخ "غراد"، وصواريخ مضادة للدبابات ومدافع، وكميات كبيرة من
الذخيرة.
وقد نظرت الأوساط العسكرية الفلسطينية في غزة، بكثير من الريبة والحذر لما
كشفت عنه "إسرائيل” من اعتمادها إستراتيجية جديدة لحماية آلياتها وجنودها قرب حدود
غزة، بحيث أخلت المواقع من الجنود بشكل كبير، واستبدلتهم بأجهزة إلكترونية متطورة،
وأقامت تلالا من الرمال ومناطق ألغام أرضية قرب المواقع العسكرية، معتبراً ذلك
مقدمة لتحضير الميدان العسكري على الحدود مع غزة لمواجهة قادمة، بالتزامن مع
التطورات المصرية.
بل إن "إسرائيل” أعلنت مؤخرا تطوير معدات المراقبة المستخدمة لرصد قطاع
غزة، تشمل رادارات وأسلحة يتم التحكم بها عن بعد، ومناطيد تحلق على ارتفاع يصل
ثلاثمائة متر، لمساندة قوات المشاة في رصد كل شبر على الحدود مع غزة، وجمع معلومات
استخبارية ميدانية مطلوبة على مساحات واسعة.
مما يعني أن جميع التسريبات الإسرائيلية تعتبر بمثابة "لائحة
اتهام" ضد حماس، تهيئ الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي لإمكانية البدء
بعملية عسكرية ضدها، خاصة وأن مثل هذه التسريبات عسكرية بامتياز، ويفترض أن تكون
سرية كما جرت عليه العادة في الجيش الإسرائيلي.
وهنا يصبح التساؤل مشروعاً: لماذا كشفت "إسرائيل” عن مثل هذه الإجراءات
العسكرية الخطيرة في هذا التوقيت بالذات، بالتزامن الدقيق مع التطورات المتلاحقة
في مصر؟ علما بأن حماس ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة تدير سياسة "منضبطة"،
وتفي بالتزاماتها الواردة في اتفاق التهدئة مع إسرائيل.
وبالنظر لما يحدث من تطورات متلاحقة في مصر، يزداد القلق عند حماس لأنها
تركت "يتيمة بغير أب" بعد إسقاط نظام الإخوان المسلمين في مصر، ويتوقع
أن تفعل كل شيء كي لا تعطي "إسرائيل” ذريعة لتوجيه ضربات ضدها، لأنها في هذه
الآونة مطمئنة أن تل أبيب لن تكون قلقة على تأثر علاقاتها مع القاهرة، بعد أن غادر
مرسي القصر الرئاسي، وجاء محله من لا يرتبط بعلاقات ودية مع حماس.
ومع ذلك، فإن هناك قلقا ينتاب الأوساط العسكرية في قطاع غزة، من استمرار
الجيش المصري بمواصلة عمليات إغلاق الأنفاق الرابطة بين قطاع غزة ومصر التي بدأها
فور حصول الانقلاب مباشرة، نظراً لما يسببه ذلك من نتائج وتداعيات سيئة للعمل
المسلح في غزة.
تهديد غزة
فالأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء، يتم تهريب الأسلحة من خلالها للأجنحة
العسكرية الفلسطينية، وعبرها تصل الأموال من بعض العواصم إلى غزة للنشطاء المسلحين
لتمويل أنشطتهم وتدريباتهم.
وبفضل هذه الأنفاق يأتي إلى غزة ويغادر منها عدد من المسلحين، حسب ما تقول
الروايتان المصرية والإسرائيلية، وبالتالي فإن إغلاقها وهدمها يلقي بظلال سلبية
على هذه القوى المسلحة إن قررت مواجهة هجوم إسرائيلي على غزة، لأنها في هذه الحالة
ستفتقر إلى الإمداد الفوري لما قد تخسره من معدات وذخيرة وأسلحة.
أكثر من ذلك، فإن مما يقلق حماس من إمكانية استفراد "إسرائيل” بها، أن
اتصالات المسؤولين المصريين مع الفصائل الفلسطينية في غزة متوقفة تماما منذ
الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، وما تلاه من تغيير سياسي في مصر، بسبب الانشغال
المصري بالوضع الداخلي هناك.
مصادر في حماس عبرت عن خشيتها من امتداد أمد هذه القطيعة بين غزة ومصر، ليس
بالضرورة لانشغالات داخلية فقط، وإنما تعبيرا عن حالة غضب مصري من تداول تقارير
إعلامية تتهم فلسطينيين بالمشاركة في الأحداث الداخلية، لا سيما في سيناء، وهو ما
نفته حماس جملة وتفصيلاً.
ومع ذلك، فإن الحركة لا تبدو صامتة إزاء التحركات المتلاحقة التي تحدث
حولها من جهتي القاهرة وتل أبيب، ولئن التزمت الصمت من الناحية الإعلامية على كل
ما يحصل في مصر، رغبة منها في عدم تسجيل مواقف تحسب عليها لاحقا، لكنها من الناحية
الميدانية تبدو نشطة أكثر من أي وقت مضى.
ويمكن تسجيل عدد من الشواهد الميدانية من خلال قيام كتائب القسام بنشر
العشرات من عناصرها على الحدود مع مصر قرب مدينة رفح الحدودية، لضبط هذه المنطقة
الرخوة من الناحية الأمنية، وعدم مبادرة أحد بإطلاق صواريخ باتجاه المعبر
الإسرائيلي "كرم أبو سالم" القريب منها، أو منع تسلل أي عناصر مسلحة من
مصر إلى غزة، وبالعكس.
كما أن الحركة تعقد لقاءات ماراثونية على مدار الساعة مع مختلف الأجنحة
المسلحة في غزة لمنع تعكير صفو الهدوء الحاصل في القطاع، وعدم تقديم أي ذريعة
لإسرائيل تستغلها لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة، في غمرة انشغال العالم كله بتطورات
مصر.
لكنها في الوقت ذاته تبدو مطمئنة لأمرين اثنين:
- قدراتها العسكرية المتنامية خلال الشهور الأخيرة التي أعقبت الحرب على
غزة، وما قامت به من تطويرات ملموسة، دفعت بالناطق العسكري باسمها للقول علانية
قبل أيام فقط إنها مستعدة للتصدي لأي هجوم إسرائيلي متوقع، معلناً على غير العادة
توفر ما اعتبرها "مفاجآت" أعدتها كتائب القسام للجيش الإسرائيلي إذا فكر
بمهاجمة غزة.
والأمر الثاني قناعتها أن النظام المصري الجديد، الذي لا يحظى بأغلبية
شعبية مصرية، ليس بحاجة لمزيد من المشاكل التي قد تزيد الأمور تعقيدا عليه في
الداخل والخارج، من خلال حرب إسرائيلية جديدة، ومع ذلك فإن أكثر ما يقلقها أنها لا
تملك ضمانات مصرية بعدم ذهاب "إسرائيل” نحو هذه الحرب!
لكن خشية حماس من توقف الاتصالات المصرية مرده أن تفهم "إسرائيل” ذلك بصورة
خاطئة، وتعتقد أنه رفع للغطاء المصري عن قطاع غزة، وبالتالي تعريضه لحملة عسكرية
كبيرة، بعد أن كان الموقف الرسمي المصري زمن مرسي أحد كوابح أي تحرك عسكري
إسرائيلي ضد غزة.
الجزيرة نت، الدوحة