"برافر" من البحر إلى النهر
بقلم: أحمد
جميل عزم
استخدمت الصحف
الإسرائيلية الصادرة بالإنجليزية كلمة "مستوطنات" (Settlements) -وهي الكلمة نفسها التي تُستخدم بشأن
المستوطنات أو المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية- لتصف مشروع ترحيل البدو في
النقب من أماكن تواجدهم الحالية والطبيعية، إلى أماكن محدودة. وهي تستخدم وصف
"التجمعات غير القانونية" البدوية، إشارة إلى هذه القرى القائمة حاليا.
بدأ الكنيست
الإسرائيلي خطوات إقرار هذا المشروع نهاية الشهر الماضي، والذي يعرف بـ"قانون
برافر"، نسبة إلى لجنة حكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي
السابق إيهود برافر، ومشروعها بخصوص "تنظيم إسكان البدو في النقب"- جنوب
فلسطين.
انطلقت يوم الاثنين
الماضي عشرات المظاهرات في كل فلسطين تقريبا: نحو 15 مظاهرة في فلسطين المحتلة
العام 1948، شمالا وجنوبا؛ ومظاهرات عدة في الضفة الغربية، تحتج على القانون. ربما
لم تجمع المظاهرات عشرات الآلاف، لكنها كانت حدثاً تاريخياً وفارقاً، قد يكون له
ما يتبعه. أضف إلى ذلك أنه كان هناك تجاوب ملحوظ في الدعوة للإضراب الاحتجاجي،
وأَغلَقَت بنوك وشركات ومتاجر في الوسط العربي أبوابها.
أول ما يستحق التوقف
عنده هو أنّ مشروع برافر ليس بعيدا عمّا يجري في الضفة الغربية؛ أي تحويل
الفلسطينيين إلى مستوطنين. فالنقب تشكل، بحسب ما تنقله تقارير عن الناشط الحقوقي
د. ثابت أبو راس، نحو 60 % من أراضي "الدولة"، ويسكن فيها 8 % من
السكان، أو نحو 200 ألف فلسطيني. ويرمي المشروع إلى إلغاء عشرات القرى البدوية
وجمع أهاليها في مراكز محددة. وهذا سيحقق مصادرة ما قد يصل إلى مليون دونم، ورفض
أو سحب حقوق ملكية البدو فيها. أي إن الخطة هي ضم مساحات من الأرض لتكون في تصرف
اليهود، وحصر العرب في أقل مساحة ممكنة. فليس الأمر إنهاء تجمعات بدوية عشوائية
وجمع عشرات الآلاف منهم في تجمعات محددة؛ بل هناك مستوطنات يهودية في النقب تحظى
بدعم "الدولة"، وتحظى بالخدمات المختلفة، من مياه وكهرباء وطرق
ومواصلات، وكثافتها السكانية أقل من قرى بدوية مستهدفة. والقرى البدوية فيها ما هو
زراعي، وفيها نمط إنتاج معين. نقل البدو ليعيشوا في تجمعات مدنية قضية إشكالية
عالمية، لأنها تعني أحيانا تدمير النسيج الثقافي والاجتماعي، وإحداث تغيير مفاجئ.
ولكن سياسة برافر متبعة في الضفة الغربية أيضاً.
لقد توصل ناشطون
فلسطينيون في مناهضة جدار الفصل العنصري، وناشطو "باب الشمس"، وأحفاد
يونس، وغيرهم منذ سنوات إلى حل للجدل حول حل "الدولة الواحدة" أو
"الدولتين"، وقالوا إنّ العنصرية الإسرائيلية (الأبارتهايد الصهيوني)،
قائمة على كل أراضي فلسطين. ولذلك، فإنّه قبل الدخول في جدل ما هو الحل السياسي،
لا بد من حركة موحدة للشعب في كل فلسطين ضد السياسات العنصرية. ويأتي مشروع برافر
ليؤكد صوابية وجهة النظر هذه، وليؤكد وحدة الفلسطينيين من البحر إلى النهر في
مقاومة سياسات تستهدفهم بطريقة متشابهة. ففي الضفة الغربية والقدس أيضا يجري
التضييق على الفلسطينيين في الريف وخارج المدن، بحيث يرحلون إلى قلب المدن لتكتظ
بهم، وتفرغ الأرض منهم تمهيدا لاستيطانها.
التدقيق في الشعارات
والهتافات التي رفعها وقالها المحتجون، يشير إلى أنّ "فلسطين" كانت
حاضرة. كان الهتاف بالروح بالدم نفديك يا فلسطين حاضرا، كما قالت الصحف
الإسرائيلية. بل إنّ اميتشاي يوغيف، الإداري في جمعية صهيونية تدعم القانون، قال
إنّ المحتجين "يريدون أن يرى الجميع البدو باعتبارهم فلسطينيين". ويزعم
يوغيف أنّ القضية بالنسبة للبدو ليست قضية وطنية. ومعنى هذا الحديث أنّ البدو في
النقب برأيه لا يرون الأمر جزءا من الصراع العربي–الإسرائيلي.
والواقع أن القضية
بالتأكيد بالنسبة لكثير من البدو متشعبة، وتتعلق بحقوقهم كأقلية تتعرض للتمييز.
وهذه قضة سياسية وطنية بامتياز، حتى لو مست حياتهم الشخصية أيضا. ولكن السياسات
الإسرائيلية حولت القضية إلى قضية وطنية عامة صريحة، وأسهمت في تشجيع التشبيك بين
الناشطين الفلسطينيين من البحر إلى النهر، ومن النقب حتى الناقورة، وعززت آليات
التواصل والتوحد بينهم.
"برافر"
يعني أنّ نكبة العام 1948 ما تزال متواصلة لم تنته في كل فلسطين، وأن التوحد بين
كل الفلسطينيين في مواجهة ذلك ضروري.
المصدر: الغد، عمّان