"بس مات وطن": العنصرية ونعت النّاس بالحمير ليست حرّية
بقلم: زينب سرور
بعيداً عن أنّ فكرة "الجدار"
أعمق وأبعد من الارتباط المباشر بالإرهاب بتشعّبات المصطلح، وبصرف النّظر عن أنّ أيّ
اعتراضٍ على "الجدار" ليس متواطئاً، حصراً، مع ما يُحاك ضدّ لبنان،
"بس مات وطن" سقط سقطة مدوّية لن يكون لها صدًى.
في أغنية هزليّة (على ألحان لمّا بضمّك
عصديري) لا تنطبق عليها تلك المواصفات عُرضت أمس في البرنامج، اجتمعت أسباب السّقوط.
العنصريّة، الكلام المُبتذل، التّنميط، الجهل، انعدام احترام تعدّديّة الرّؤى والآراء،
اختزال شريحة مهمّشة تتلقّى، منذ ما قبل النّكبة، ممارساتٍ عنصريّة متعدّدة الجنسيّات،
بأفعالٍ إرهابيّة. والأكثر وقاحةً، تبرير ذلك كلّه.
نُعت المُعترض على "جدار مخيّم عين
الحلوة" في صيدا بـ"الحمار". طُلب منه أن "يسدّ بوزه"، أن
"يفهم نتفة" (قليلاً). وُجّهت إليه أسئلة طرحُها دليلٌ على "طفوليّة
المعالجة".. "بكرة ان طلع انفجار، شو رح بتبرّر يا حمار"؟ سؤالٌ وجوديّ
مُغلّفٌ بالاحترام طالعَنا به كاتب الكلمات. هل يُعقل أنّ هذا الأخير كان منتشياً فقط
لقدرته على إيجاد القوافي الشّعريّة؟
من المُفترض أن يكون ذلك طريفاً. أن يجعلنا
ننقلب على قفانا من الضّحك. أن يُحرّكَ لدينا نزعة "الوطنيّة" الدّفينة في
وجه "الغريب"، فننتفض. من المفترض أنّ المخرج شربل خليل يحمل رؤيةً إصلاحيّةً
هادفة من وراء العرض الهزليّ. أنّه يُمارس نوعًا من دعمٍ فنّيّ للمؤسّسات الأمنيّة
يتغلغل في لا وعي المواطن العادي بينما هو جالسٌ، مساء الجمعة، على كنبته الدّافئة
ملتهماً البوشار.
لكن، مع بالغ الأسف، ذاك لم يحصل.
ما حصل كان متوقّعاً. عاجلاً أم آجلاً،
كنّا على انتظار أن يخرج التّبرير الإعلاميّ، الّذي اعتدنا سخافته، علينا. لن يكون
هناك صدى لسقطة "بس مات وطن". سبقت هذا الأخير سقطات أصحاب القرار. وعن أصحاب
القرار يتخطّى الكلام حدود الوطن. ما حصل كان انعكاساً لتراكمٍ عايشه ويعيشه أبناء
المخيّمات الفلسطينيّة. الإعلام مرآة الواقع، والواقع مُهشَّم. "بس مات وطن"
حالة غير منفصلة عن فلتانٍ أخلاقيّ وإنسانيّ طاعنٍ في السّن معشّشٍ في بلادنا.
المعترضون من "الحمير" فنّدوا
أسباباً لواقع اللّجوء الفلسطينيّ يرجع تاريخُها إلى ما قبل النّكبة. ليس خافياً على
أحد أنّ لبنان أسوأ دولة عربيّة تعاملت مع ملفّ اللّجوء. الحجج دائما اختبأت تحت عباءة
التّوطين، وكأنّ المياه النّظيفة تمنع ابن القدس من أن يُصاب بالحنين.
"جدار" عين الحلوة إسرائيليّ
الهوى. جدار الفصل العنصريّ، الّذي نحمله بيدنا ورقة قوّةٍ بوجه الكيان الإسرائيليّ
في المحافل الدّوليّة، سيُصبح عمّا قريب محلي الصنع. كلّ ذلك بالطّبع بموجب أجنداتٍ
خارجيّة، فلا سلطة محلّيّة على أيّ تفصيلٍ متعلّقٍ بفلسطين والفلسطينيّين. مع
"جدارنا" سنُصبح مطأطئي الرّؤوس. سنعطي ذريعةً لكيان الاحتلال كي يبرّر جداره.
سنُمزّق، بيدنا، أوراق قوّتنا.
لكلٍّ أسبابه. يحقّ لأيٍّ كان الاعتراض،
ولأيٍّ كان التّأييد، ولا يحقّ لكم التّعليق غير المحترم. ما حصل تخطّى مفهوم حرّية
التّعبير، الّتي يتفاخر بها لبنان ولم يعرف يوماً ممارستها، ليصل إلى التّجريح. أن
توضع شريحةٌ كبيرةٌ من اللّبنانيّين والفلسطينيّين تحت خانة "الحمير"، ليست
حرّيّة. أن يُطلب منها "سدّ البوز" ليست طرافة. أن يتمّ التّبرير بطريقةٍ
أقلّ ما يُقال عنها أنّها جاهلة وسخيفة ومختزِله وبعيدة عن الواقع ليس هروباً من المساءلة.
"لا عنصريّة ولا عار"، قولُها لن يُقنع عشرات آلاف اللّاجئين في المخيّمات،
ومئات آلاف اللّبنانيّين خارجَها وملايين الدّاعمين من الأجانب للقضيّة. وسم
"عين الحلوة" بالإرهاب واعتبار أنّ دفع الشّهداء لن يكون إلا عن طريقه ليسَ
تحليلاً تُرفع له القبّعات. هل يرضى القيّمون على البرنامج أن يُنعَتوا بـ"الحمير"
بعد هذا التّحليل؟ بالمناسبة، ابحثوا عن الإرهاب في أماكن لا علاقة لها بالفلسطينيّين
(لبنانيّة الطّابع أباً عن جدّ) تجدون المعجزات.
بعد خمسة أيّامٍ، تُصادف ذكرى تأسيس
"وكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين" (الأونروا). الفلسطينيّون
عانوا ما عانوه بسبب هذه المنظّمة، الّتي قامت أساساً لاستنزافهم لا حمايتهم. إذا كان
اللاجئون الفلسطينيّون في عين الحلوة فعلاً إخوتكم كما تقول الأغنية الضّاربة
"يا إخوتنا اللي بالعين"، فافعلوا شيئاً يُخفّف من وطأة ما يعانيه
"إخوتكم" بسبب سياسات المنظّمة المُجحفة. ليسَ الكلام موجّهاً إلى برنامجٍ
"فكاهيّ" يتّخذ من معاناة الآخرين مادّةً للتّندّر. الكلامُ إلى القيّمين
عليه، وعلى غيره على حدٍّ سواء.
وُجهات النّظر تُحترم. إن كانت لديكَ واحدة
مدعّمة بالحقائق قدِّمها. إطرَح أوراقَك. ناقِش. فنّد. حلِّل. ثمّ توصّل إلى نتائج.
لكن أن تقوم بملء الهواء بأعمالٍ سخيفة تحت مسمّى "الإبداع" وأن تنعَت غيرَك
بـ"الحمار"، وأن تطلبَ منه أن "يسدّ بوزَه" فقط لأنّه يرفض أن
يُمارسَ الاحتلالُ على أخيه الإنسان في الوطن، فذاكَ ليس مقبولاً.
للمرّة الثّالثة، لن يكون لما فعله
"بس مات وطن" صدًى يُذكر. لكن، أضعف الإيمان، أن يتقدّم كلّ القيّمين على
هذا البرنامج بالاعتذار من كلّ شخصٍ نعتوه بـ"الحمار"، من كلّ فلسطينيّ شعر
بالإهانة، وإلا، فإنّ ما تفضّل به الثّنائيّ في نهاية عملهما الفذّ سينطبق عليهم جميعاً:
"عيب، ما رح تسدّ بوزك يعني"؟
المصدر: السفير