بطاقة حمراء فاقع لونها لفتح!
بقلم: يونس أبو جراد
ليست هذه البطاقة الحمراء الأولى التي حصلت عليها
حركة فتح من حَكَم المباراة الذي لا يجامل، ولا ينافق، ولا يخاف، فقد رفع الشعب عام
2005-2006م، بطاقته الحمراء الشهيرة، قائلاً لحركة فتح: قفي وفكري!
لماذا لم تفز الشبيبة الفتحاوية، الجناح الطلابي
لحركة فتح هذه المرة في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، الذي سيطرت عليه لسنوات؟
للإجابة على هذا السؤال أحيلكم إلى بعضٍ من الوقائع العنيدة التي كان لها الدور الأكبر
في مفاجأة هذا العام.
من بين تلك الوقائع ما يسمى بسياسة الباب الدوار
التي كانت -ولا تزال- قوات الاحتلال وأجهزة أمن السلطة تمارسها ضد الحركة الطلابية
في الضفة المحتلة، فلا تستثني من تلك السياسة أيّاً من الكتل الطلابية، حتى أصبحت الحركة
الطلابية التي تقف في مقدمة المقاومة والنضال ضد العدو الصهيوني، تعيش خريفاً بائساً
من الحريات والديمقراطية.
في ظل تلك الظروف كانت الشبيبة الفتحاوية تشارك
في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة، وتحقق نجاحاً وهمياً في غياب مشاركة حقيقية
من الكتل الطلابية الأخرى، ولا سيما الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة حماس. ولكنَّ
الشبيبة الفتحاوية كانت تخدع نفسها بذلك الوهم، وتعتقد أنها تمثل نبض الحركة الطلابية!
لم يكن بمقدور الكتلة الإسلامية في السنوات الماضية
أن تشارك بقوة في انتخابات مجالس الطلبة، نظراً لاعتقال واستدعاء كوادرها في مختلف
جامعات الضفة، وينسحب ذلك أيضاً على انتخابات هذا العام، حيث لم تتوقف الأجهزة الأمنية
عن "واجبها المقدس".
ولكنَّ الجديد في الأمر أنَّ الحركة
الطلابية في الضفة المحتلة كسرت حاجز الخوف، وأتلفت كاتم الصوت، وأصرت على ممارسة حريتها،
وانتزاع حقوقها من بين أنياب الاستبداد والظلم، ولذلك رأينا النتيجة المبهرة التي حققتها
الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، وما حققته قبل ذلك بيومين من تعادل مع الشبيبة الفتحاوية
في انتخابات "بولتكنك فلسطين" في الخليل، وقد حصدت الكتلة مقعدين إضافيين
هذا العام.
ستسأل حركة فتح نفسها عن أسباب التراجع الواضح
في انتخابات هذا العام، بعد أن كانت تسيطر على مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت وغيرها
من خلال انتخابات وهمية في السنوات الماضية، كانت الأجهزة الأمنية تتكفل بنتائجها مسبقاً.
ولا أعتقد أن تقدم الكتلة الإسلامية –حيث فازت بــ26 مقعداً مقابل 19 مقعداً للشبيبة-
في هذا العام مرتبط بتراخي قبضة الأجهزة الأمنية الآثمة عن الحركة الطلابية، بقدر ما
هو مرتبط بثلاثة أسباب رئيسة:
الأول: فشل الشبيبة الفتحاوية في تقديم خدمات
جوهرية للطلبة، واعتمادها على عوامل خارجية لتقوية موقفها، والبقاء على عرش مجلس الطلبة
لسنوات، بعد أن كان المجلس تحت قيادة الكتلة الإسلامية من قبل، وخصوصا أن سيطرة الشبيبة
الفتحاوية على المجلس جاء بعد "الانقسام الفلسطيني" الذي حدث عام 2007م.
الثاني: تراجع التأييد لحركة فتح، وانحسار شعبيتها،
نظراً لتبنيها خيار التسوية البائس الذي كانت نتيجته (0) مربعاً، إلى جانب الضعف والترهل
داخل مستويات الحركة، وسيطرة الفرد الواحد، وما يعنيه ذلك من دكتاتورية في قيادة الحركة،
جعلتها غير قادرة على تحديد البوصلة؛ فقيادة الحركة لا تريهم إلا ما ترى من خيار التسوية
والتعاون الأمني، ووضع رقابنا جميعاً على مقصلة الجزار الصهيوني، وبين قطاعات واسعة
من الحركة ترى أن بالإمكان أفضل مما كان، من خلال عمل وطني حقيقي يتجاوز تقديم الخدمات
المجانية لاحتلال استيطاني إحلالي غاشم.
الثالث: فازت الكتلة؛ لأنَّها الجناح الطلابي
لحركةٍ تتبني المقاومة فكراً وممارسة، وقد رأينا ذلك في الدعاية الانتخابية للكتلة،
والتي ذكرت فيها بعزة وافتخار تأييدها للمقاومة المسلحة، واستخدمت أسماء صواريخ المقاومة،
وصندوقها الأسود الذي يشتمل على كثير من أسرار المعركة الأخيرة في قطاع غزة. فالكتلة
لم تخجل من أن تقول ما تؤمن به، وتراه الطريقة الأنسب للتحرير والعودة. فماذا قالت
الشبيبة الفتحاوية للطلبة يا ترى؟ هل أطلعتهم على أفكارها وبرنامجها السياسي المشوه،
وقالت لهم كلاماً ضبابياً لا يحرك فيهم إلا شعوراً بالغثيان، ولا يذكرهم إلا بقيادة
التسوية التي أشبعتنا كلاماً في الهواء؟!
لقد قال طلبة جامعة بيرزيت وهي من أعرق الجامعات
الفلسطينية؛ "نعم" للمقاومة والانتماء والمصداقية، وقالوا "لا"
للتسوية والضبابية والتعاون الأمني والقمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
فهل ستقرأ تلك الأجهزة –وهي الحاكم الفعلي للضفة- مضمون الرسالة المزعجة التي وصلتها
اليوم من طلبة بيرزيت؟
هذه الانتخابات تثير كثيراً من الأسئلة حول موضوع
كان الرئيس عباس يستخدمه عصاً يرفعها في وجه حماس، معتقداً أنها تخشى خوض الانتخابات،
التي كان آخرها عام 2005-2006م، ولا ندري هل اطّلع الغيب فعلم بنتائج الانتخابات القادمة،
وضَمِن تفوق حركته فيها، أم أنه يتوعد بما يخشاه حقاً؟
أياً كانت الإجابة فإنَّ حركة فتح
ليست في أفضل حالاتها، وهي غير جاهزة لأية انتخابات قادمة سواء في "الرئاسة، المحلية
والتشريعي، أو انتخابات المنظمة"؛ فأوضاع الحركة الداخلية، وفشلها المدويّ في
كثير من القضايا الوطنية، وانحسار التأييد الشعبي لها، وخاصة في أوساط اللاجئين، ومن
لا تصلهم يد الرواتب الآثمة، كل ذلك يجعل الحركة تفكر ألف مرة قبل خوض أية انتخابات
قادمة.
على حركة فتح أن تتحسس قوتها وعافيتها وشعبيتها
التي تتآكل، فلم بعد لديها ما يغطي على فشلها السياسي، وأخطائها القاتلة. عليها أن
تدرك أن الماء قد تجاوز كتفيها، وأن تنظر في المرآة بلا نرجسية أو غرور، كي لا تندم
ساعة لا ينفعها الندم!
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام