بيانات المقبورين !
بقلم: د. أسامة الأشقر
طال الزمان على آخر بيان أصدرته دائرة اللاجئين
أو دائرة المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية ، فهي دوائر لا يسمع لها أحدٌ حِسّاً،
ولا تنشط بالمرة إلا في دوائرضيقة خفيّة لا يعلمها المغتربون أو اللاجئون ، بل إن منظمة
التحرير نفسها مختطفة بالكامل لصالح السلطة الفلسطينية، وهي بلا قيادة شرعية وبلا لجنة
تنفيذية تمتلك نصاباً ، ولا مجلس وطني يجتمع أو يحصر عضوية مَن مات منه أو أقعدته الشيخوخة
، إنها منظمة منهارة سياسياً وشعبياً ولكنها ذات قيمة عالية لدى من يسيطر عليها وهي
أنها تمثل لديها العنوان البنكي للأرصدة الدولية التي تودع في حسابها الذي مات أصحابه
قديماً وبقي الأوصياء المتنفِّذون يديرونه.
كنت أتمنى ألا يصدر مثل هذا البيان من هذه
الدوائر الباردة ، وكنتُ أحسب أنها ستخجل من نفسها قبل كتابة هذا البيان المستفز الذي
يبحث عن إنجاز لها بإبرة لا تُرَى لكي تتيح لنفسها فرصة الاعتراض على تجربة مشروع وطني
وليد ؛ وطفقت أبحث في فضاء الإنترنت عن هذه الجهود التي زعمها البيان وكتبها بمفردات
عائمة ليستحيل الحصول على حقيقتها أو وجودها أو ثمرتها إن كانت.
هذه الدوائر المحسوبة علينا نحن المغتربين
الفلسطينيين هي مكاتب ذات عناوين لا يعلم كثيرون أين توجد لأنها لم توجِّه لهم يوماً
رسالة في تحصيل منفعة أو دفع مضرة أو حل مشكلة أو تسهيل مهمة ، ولكنها - للأمانة -
تنشط جداً في الاستجابة للدعوات الرسمية ولاسيما من الجهات الكريمة المترفة، وهي فرصة
لاصطحاب العائلات والأصدقاء أيضاً ؛ وفي مواسم المفاوضات حولنا تأتيهم دعوات دولية
وفيها سفريات ونثريات مجزية باليومية، كما أنها تحصل على نثرية مناسبة لاستقبال ضيوف
الصباح بأطيب مذاقات القهوة وأفخر أنواع الشاي وأشياء أخرى في المساءات أو أعياد رأس
السنة لدى بعضهم.
هذه الدوائر مع منظمتهم تستغل اسمنا لتسمين
مدخراتها وزيادة أرصدتها واستمرارية وظائفها الخدمية وهياكلها الثلجية في منطقتنا الدافئة،
والإنفاق على منظومتها الأمنية التي تعمل في خدمة المحتل عبر ما يسمونه التنسيق الأمني
؛ والتي تعمل بكفاءة في ضرب النضال الفلسطيني.
هذه الدوائر مع منظمتهم وسفاراتهم تحولت
إلى بؤر أمنية تتنافس في تقديم المعلومات إلى الخصوم والأعداء وتتجسس على كل فلسطيني
وغير فلسطيني تصل إليه أيضاً وترتزق بالإضرار بنا مقابل أجور عالية.
هذه المنظمة هي السلطة التي هي المشروع
الإسرائيلي المموّل دولياً ، رئيسهما واحد وقرارهما واحد ووجهتهما واحدة.
وعلى كل حال فليست المشكلة الكبيرة في هذه
الدوائر الشكلية وإنما في منظمة التحرير نفسها التي انحرفت عن مسارها، وباتت أداة رخيصة
في يد المتسلطين المستولين عليها المنتفعين بها بحيث إنك لو سمعتَ كلام مؤسسها الراحل
أحمد الشقيري لأبكتك كلماته عنها، فكيف بنا اليوم ونحن نرى أن هذه المنظمة تغتال فينا
أجمل الكلمات "التحرير"، وتمنع عنا أن نرسم فلسطين ببحرها ونهرها بعد أن
منحت أرضنا المحتلة لعدونا في اعترافها الشهير بالكيان الصهيوني في اتفاق أوسلو الكارثة.
إنها منظمة لا تمثلني ولا تعنيني، كما أنها
بلغة المصالح لا تنفعني ولا ترمّ عظمي ولا تروي حلمي فلذلك لا أحترم هذه المنظمة القائمة
اليوم ، لأنها عنوان الهزيمة الذي يفرضونه عليّ يومياً عندما يقررون أنها الممثل الشرعي
الإجباري الوحيد لي رغم أن أحداً من شعبنا لم يقرر ذلك في أي مجمع انتخابي.
إنها منظمة عاجزة مشلولة وتدّعي في الوقت
نفسه الشباب والقدرة؛ وهي منظمة مريضة هاوية وتدّعي الصحة والاعتدال ، وهي تكاد تكون
عاهرة تتكسّب بشرعيتها الدولية لينتفع القائمون عليها من حلوان الزبائن الواقفين على
بابها.
إنني أعمل في العمل العام منذ ربع قرن ،
وقد حاولتُ بجهد وعناء وصدق في المربعات الثقافية التي كنتُ أعمل فيها أن أمارس فرصة
الإصلاح من الداخل كما نقول في تبرير سياستنا، لكنني عجزت في كل مرة أن أنال مع المئات
من رفاقي المثقفين رضا هؤلاء المتنفذين الذين أغلقوا أبوابهم دوننا، ومنعونا من الدخول
إلى أي جسم نقابي، ظنوا أننا سنقاسمهم ميراث الفاحشة الذي يقتاتون منه أو تغرّهم لذة
السيطرة عليه والألفة بالمكان الوجيه فيه.
إنني واحد من ملايين الفلسطينيين الذين
ينتظرون إطاراً يجمعنا ويحشد جهودنا ويوجه أهدافنا ويستفيد من خبرتنا وإمكاناتنا في
تحقيق حلمنا المسافر عبر الأجيال ، ولن نتردد في الانضمام إلى أي إطار وطني نظيف يرشد
جموعنا بأناة وحكمة ويحاول رسم مسارات عودتنا بذكاء؛ وهو لا يدّعي تمثيله لأحد، ولا
يسرق حقنا في اختيار ممثلينا، ولا ينصِّب نفسه مسؤولاً عنا، وهو قد حدّد جمهوره في
الجهة التي لا توجد للمنظمة أي حضور أو مشاركة فيه.
وسنجرّب هذا الإطار الجديد الذي يولد بهدوء
في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي سينعقد في إسطنبول بهدوء، وسنساعده برغبة
وحرص، وسنشاركه بقوة وإصرار، وسنراقب حركته وسيره ، وسنسعى إلى تقويم مساره ونقده نقدَ
المحب الحادب على أهله وعشيرته، ولن نتردد في الخروج منه إذا تيقّنّا أنه مجرد فقاعة
شعبية استعراضية أو فورة عاطفية لا أساس لبنائها.