بين المتشائمين والمتفائلين..
هل تندلع انتفاضة ثالثة؟
أحمد الحاج
يثور النقاش مجدداً حول إمكانية اندلاع انتفاضة
فلسطينية ثالثة من عدمها. وينقسم المحللون والشارع بشكل عام بين متفائل بحدوث تلك
الانتفاضة، وفق معطيات كثيرة، وبين عدم مصدّق لاندلاع انتفاضة شاملة لأسباب عديدة.
يعتبر أصحاب الرأي القائل بحدوث انتفاضة فلسطينية
ثالثة ستفاجئ العالم، بأن الأجواء العامة تشبه تلك الأجواء التي سبقت الانتفاضة
الأولى عام 1987. فقبل شهر تقريباً من ذلك الحدث، كانت قمة عمّان العربية، وفيها
جرى تجاهل القضية الفلسطينية، على اعتبار أن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من
بيروت، وتراجع الفعل الفدائي، وخفوت الاهتمام الدولي، يحتّمون هذا التجاهل.
فجاء الردّ الفلسطيني على التجاهل العربي والدولي
ليفاجئ الجميع، بما فيهم منظمة التحرير الفلسطينية، ويقول للعالم بأن الشعب
الفلسطيني موجود ولا يمكن تجاوزه. وكذلك فإنه اليوم، وفي جلسة الأمم المتحدة، جرى
تجاهل القضية الفلسطينية بشكل كبير، مما شكّل استفزازاً لكبرياء الشعب الفلسطيني،
ولا يُستبعد أن يُشعل انتفاضة جديدة فيهز العالم بها، ويشعره بوجوده.
إن فشل عملية التسوية، ومحادثات كامب ديفيد عام
2000، كانت السبب المباشر في الوصول إلى إجماع فلسطيني، وقناعة عامة، بأن تلك
العملية لن توصل ولو جزء بسيط من الحقوق إلى أصحابها، وهي ليست أكثر من شراء وقت بالنسبة
للمحتل، ليغير الحقائق والوقائع على الأرض. ولا بدّ من إيجاد أساليب أخرى لطرد
الاحتلال، وعلى رأسها الكفاح المسلح. فكانت الانتفاضة الثانية.
لقد كان خطاب محمود عباس الأخير في الأمم المتحدة
مضبطة اتهام ضد عملية التسوية ونعياً لها. وهذا ما قاله بوضوح من أن"الحكومة
الإسرائيلية أصرت على استمرار نهج تدمير حل الدولتين، وتكريس نظام
الأبرتايد"، ليخلص بأنه "بناء على كل تلك المعطيات، نعلن أنه ما دامت
إسرائيل مصرة على عدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة معنا، والتي تحولنا إلى سلطة
شكلية بدون سلطات حقيقية، وطالما أن إسرائيل ترفض وقف الاستيطان والإفراج عن
الأسرى وفق الاتفاقات معها، فإنها لا تترك لنا خياراً، سوى التأكيد على أننا لن
نبقى الوحيدين ملتزمين في تنفيذ تلك الاتفاقيات". هذا سيعطي معارضي التسوية،
ومؤيدي الكفاح المسلح بأشكاله المتعددة، زخماً وذخيرة مهمة في تأييدهم وتمهيدهم
للانتفاضة.
أما المتشائمون بإمكانية اندلاع انتفاضة، فيرون
أن الانقسام الفلسطيني لا يسمح بحدوث انتفاضة، لأنها تحتاج إلى مشروع يكفل
استمراريتها، ويتجنب مخاطرها. كما أن جزءاً من المشهد السياسي الفلسطيني، أياً كان
حجمه، هو معارض للانتفاضة مهما كان شكلها، وسيمنع حدوثها، كما يردد مراراً. ويضيف
هؤلاء إن تسليم العدوّ إدارة معظم الكتل السكانيةالفلسطينية لأجهزة السلطة يُضعف
من الاحتكاك الشعبي مع الاحتلال، ويقلل من إمكانية وقوع انتفاضة.
يردّ مؤيّدو اندلاع انتفاضة ومرتقبوها بأن
الانقسام سينحصر في حال وقوعها، كما حصل في الانتفاضة الأولى والثانية، وأن ترك
العدوّ للكتل السكانية لا يلغي إمكانية ملاحقته. وإن العمليات الفردية المستعرة
لهي إرهاصات عمّا ينتظرنا من أيام، وهي أجواء شبيهة إلى حدّ ما، بتلك الأجواء التي
سبقت الانتفاضة الأولى، والعمليات التي بدأت تنشط خلال تلك المرحلة، خاصة وأن
الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية تردد مراراً بأنها لم تتوقف يوماً عن التخطيط
لإشعال انتفاضة ثالثة.