بــرج البـراجـنــة: الصــواريــخ تـصــل إلـى تــل أبـيـــب
بقلم: عاصم بدر الدين
توجهت عيون فلسطينيي مخيم «برج البراجنة» إلى غزة، لكن حياتهم لم تتعطل.
لا تزال الحركة في المخيم، بكل صورها هي نفسها. وهم في وصف أنفسهم، لا يحبون الظهور
كما لو أن ما يجري في بلادهم هذه الأيام، يجعلهم يستنفرون فجأة. كأن تلك الصورة لغيرهم،
أو ضدهم. إذ «كيف يكون صاحب الأرض المحتلة غير مستنفر دوماً».
لا يخلو مشهد المخيم من بعض التعديلات، تأقلم سريع مع الأحداث، كأن الناس
الذين علقوا قلوبهم في مطرح آخر لا يملون من الأمل. هكذا تستمر الحياة بـ«نضالاتها»،
دائماً في المخيم، لكن نسبة الأمل ترتفع.
يوزع الناس تعليقاتهم في اتجاهين. مرة تنديداً بالعدوان. ومرة في الحديث
عن «انتصارات» و«تخويف العدو». يتقطع حديثهم، لا يكتمل بغير نظرة استطلاع إلى التلفزيون.
كأنهم الآن يشحنون أنفاسهم منه. السير في المخيم فرجة تلفزيونية، ذلك أن البيوت، المفتوحة
النوافذ، تحيل بجدرانها الواطئة، دائماً، إلى تلفزيون «شغال» على متابعة آخر التطورات.
ينظرون، خطفاً، إلى المارة ويتابعون. لا تسمع في أزقة المخيم غير صوت الماء المتسرب
من كل مكان، وصوت التلفزيون.
لا يرى الفلسطينيون في ما يحصل إلا ربيعاً خاصاً بهم. وهو، استنادا إليهم،
يستكمل «الربيع العربي» أو «ربيع الأمة»، كما في جاء في تعليقاتهم: «صرنا أقوى، وصلنا
بالصواريخ إلى تل أبيب»، يعلق أحد أصحاب الدكاكين. فرحون وحزينون في الوقت عينه. القلب
على غزة وما يتعرض له أهلها، «لكننا ننتظر الفجر». يلعب الرجل على الكلام، و«فجر
5» هو الصاروخ الذي سقط في تل أبيب. يمكن أيضاً للحديث أن يذهب في «استنكار تخاذل العرب»،
فيدخل في تفاصيل حديث منمط.
لا يدخل المخيم، في متابعته لـ«غزة»، في زمن غير زمنه. العيش فيه، في
الأصل، كفاح يومي. لا ينتقل سكانه، في انشدادهم الواضح للخبر «الآتي من هناك»، إلى
عالم غير عالمهم. كأن ذلك الخفوت تمثيل لتعبيرهم المضبوط داخل جغرافيتهم. تذكر جدران
البيوت، وهي أسوار لضيق الأزقة أيضاً، دائماً بفلسطين. كتابات منتشرة عن مساحة فلسطين،
عدا الصور والشعارات الحزبية والسياسية. لا يبدو الحدث، على أهميته، أقوى من يومياتهم.
يدخل في عيشهم، كأنه استمرار لذكريات قديمة لم تنته. «لكننا صرنا نحضر التلفزيون أكثر.
عادت فلسطين الأولى إلى الاهتمام»، يلفت أحدهم الانتباه. يقول إنه لا يتحرك من أمام
الشاشة الصغيرة. يؤكد أنه لا يبالغ، لا يترك الرجل مجالاً في حديثه لغير الأمل. لكنه
لا ينسى «ألم العدوان على أهلنا هناك». كأن لا شيء يكتمل في المخيم، لا الفرح، ولا
الحزن.
لا تغيب لغة الشجب والانتصار، وهما معنيان متلازمان في تصوير ما يحدث.
«للمرة الأولى نرى حكامهم يهربون من الخوف»، المعنويات عالية. الرجل الذي يلبس ثياباً
كأنها عسكرية لا يحب أن يقول شيئاً، يبتسم وينظر إلى التلفزيون. ثم يقول، مشيراً إلى
الشاشة: كل شيء يقال «هناك». لَبس بعض الأطفال ثياباً عسكرية، وهم في لهوهم، وأحاديثهم
الخاصة، يعرفون أن شيئاً يحصل في فلسطين . يتمركز رجال مسلحون أمام مقر «الجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين». على مدخل المخيم صور كثيرة لقادة وشهداء فلسطينيين، وطبعاً صور كثيرة
لياسر عرفات. يجلس أربعة رجال على مدخل المخيم، لا يتكلمون، يتفرجون على المارة. يدخل
الناس ويخرجون، وقت العودة من العمل، ربما. ثلاثة شبان وصبيتان يذهبون إلى اعتصام
«الاسكوا» التضامني. يتمركز على ذلك المدخل جامع يبث أناشيد «وطنية» و«ثورية»، رفعت
عليه أعلام «حركة الجهاد الاسلامي»، وذلك الصوت القوي، يبدو وحده في المظهر الخارجي
للمخيم، منساقاً إلى غزة.
المصدر:
السفير