تحت
أنقاض عذابات "اللجوء" هناك.. ما زال "اليرموك" يحتفظُ بصورة
"مبتورة" لأحلام "أحمد"!!
بقلم:
آلاء أبو عيشة
في ألبوم
الأحلام "المبتورة" ذاك، التُقِطَت لـ "الوجع" أوَّلُ صورة: (إنه
صباح الأحد- الخامس عشر من آيار/مايو لعام 2011م).
كلُّ
شيءٍ على بعد ثمانية كيلو مترات من العاصمة السورية "دمشق" بدا عادياً إلا
هناك.. حيث في "اليرموك" انتَفَضت "الروح" في الطريق نحو حلُم
"العودة"..
- شو يا أحمد؟ رايح معنا ولا لا؟
- ليش حدا قلَّك إني موإبنهالنكبة؟ أكيد رايح بس استناني شوي، بدي أجيب
هالغرض..
ومضى
"وقت".. من أسفل العمارة استجمع "محمد" في حباله الصوتية أعلى
"صراخ" – يا أحمدشوبتعمل؟ الشباب سبقونا.. فردَّ "المذكور" ببرود
:"يلايلا جاي.."
ونزَلَ
"أحمد".. لقَدْ حمَلَ في يدِه ما يُثْبِتُ للعالم كلِّه أن الوطَن لا يُختَصَرُ
بـ "خيمة".. حتّى ولو في "أرض اللجوء".. إنه "علم فلسطين"!
ضحِكَ
"محمد" بعدَ أن مسَحَ بيده فوقَ رأسِ أخيه الأصغر :"ما بعرف شو نسّاني
ياه!! يلاحبيبي خلينا نلحق"..
كانَ
"الأمل" بتحريرٍ قريب، يصارِعُ كلَّ أفكار فرضيّة "التنازل" هذه
المرّة، لا بل وأكثرُ من كلِّ مرّة! شبابُ مخيمات دول الطوقِ جميعاً وشيبانها"من
سوريا، ولبنان، ومصر، والأردن.. ".. جميعهم توحّدوا في زحفٍ ملائكيٍّ نحو
"القدس".. ذلك "المنَالُ" الذي ما فتِئَ يقترب..
أحمَد
تسابقَ ونسمات "آيار".. وفوق هضبة الجولان، كان أول من وصل سياج "الحقد"
ذاك.. رفَعَ يدَهُ هناك ملوّحاً لـ "فلسطين" لأوّل مرة :"يا بلادي راجعين..
راجعينلك يا فلسطين".. رفَعَ هناكَ العلَم.. وانكبَّ يحطِّمُ "فاصلَ"
ثلاثةٍ وستين عاماً هي عمرُ "الغصّة" فوق أرض الشتات.
صحيحٌ
أن ألوان تلك الصورة تحوّلَت بعد حين إلى "بارودٍ ودم".. إلا أن "أحمد"
أبّىترْكَ المكان ينزِفُ وَحدَه.. لقدْ تمنّاها حقاً.. مالَ برأسِهِ يهمِسُ في أذن
"محمد" :يا اللـــــــه يا محمد.. شو حلوة الشهادة هون".. ومضى الاثنان
يرفعان "العلَمَ" نحو "اليرموك" ثانيةً وقد تركا كلَّ "القلبِ"
هناك.. في أمان الله مع "قدس الأقداس" وأرضِ جدّهم هناك في "حيفا".
في الصفحة
ما قبلَ الأخيرة من ذلك "الألبوم" التُقِطَت لـ "روح أحمد" آخر
صورة.. وكانت كلُّ ألوانها "أحمر"!.. كان أصعبَ "رحيلٍ" يكتبه
"القدَر".. ذلك "الرحيل".. في يوم "الرّحيل"!
السادس
من أيلول/ سبتمبر لعام 2012م.. أحمَد "شهيدٌ فلسطينيٌّ" فوقَ أرضِ سوريا!!
نعم.. شهيدٌ ككلِّ شهدائنا في "فلسطين".. الفرقُ فقط في بيانات هوية
"القاتل":
هو عربي!
امممم.. ربما! هو "مسلم".. امممم هكذا يدّعي!.. طيّب هو "يدعمُ القضية
الفلسطينية"... أحقاً؟!!.. حسناً هو "إنسان":.. لااا..إلا هذه..!
تلك
الصورة لم تكُن لـ "أحمد" وحده! كان والده معه فيها يبتَسِم.. لقد نالا معاً
شرَفَ الشهادة.. لكنّها لم تكُن كما قال "الحُلُم" عند مشارِفِ "القدس"..
استُشهِدا "لاجئَيْن".. تماااماً كما "وُلِدا".. هناكَ تحت رُكام
"ذكريات" اليرموك!
عيادة
"الغلابا"..
بدأت
الحكاية، صباح الجمعة الموافق: 20- تموز/ يوليو الماضي، عندما أعلن رامي عبد الرحمن
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان من لندن، وعبر الجزيرة، مقتل أكثر من 300 شخص –الخميس-غالبيتهم
من المدنيين!
وضَعَ
ربّ الأسرة ماهر الخطيب (أبو محمد) رأسه بين كفّيه، وزفَرَ بضع كلمات :"الوضع
لم يعُد يحتَمِل.. القذائف بدأت تطال المخيّم، وعلينا أن نغادر"، نظَرَ إلى حيث
زوجته أم محمد تفرُكُ أصابعها وأكمل :"سنذهب إلى لبنان، دارُ أختك هناك ستحتضن
خوفنا"..
في زاويةٍ
بالقرب من "محمد"، ابتلَعَ "أحمد" ريقه، ونظَرَ إلى والِدِه دون
أن ينطِق حرفاً واحداً.. فهذه المرة –وعلى غير العادة- بدا القرارحاسماً، تنَحنَحَ
بصوتٍ خافِت وكادَ "يحكي" لولا أن العم "ماهر" سبَقَه!
نظرَ
إليه وقد تغيّرت نبرة صوته إلى شيءٍ من التفاؤل :"لا تقلق يا أحمد، بخصوص امتحاناتك،
سأعود معك عندما تبدأ (..) وهل تظنُّ يا حبيبي أنني سأدع تعبك يذهب هباء؟!".
أحمد،
أو "الدكتور" كما كان يُطلِق عليه أهل شارع "الجاعونة" وسط مخيم
اليرموك، هو طالبٌ في كلية الطب بجامعة "دمشق".. وكان الفاصل في تلك الفترة
بين امتحانات نهاية العام الثاني، وتحقيق "حلم العيادة الخيرية" الذي كان
حَدَّثَ عنه أخاه محمد "فرحاً قصيراً" لم يكتمل!
- بتعرف يا محمد؟ أنا أول ما أتخرج من الجامعة بإذن الله، ناوي أفتَح
عيادة، وأعالج فيها الناس المساكين ببلاش.
- ههههه، أخي وبعرفك، بتعملها!.. لك بس كيف راح تعيش؟ هههه، ولو مرضت
لا سمح الله وين راح تلاقي دكتور قلبه رقيق متلكلحتى يعالجك؟
ضحِك
أحمد يومها كثيراً،وردّ بقول الله :"مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل
حبةٍ أنبتت سبع سنابل"، ثم صمَتَ برهةً وعاد يكرر :"سبع سنابل يا محمد..
سبع سنابل.. والله يضاعف لمن يشاء".
"تغريبُ" "التغريبة"!
في الطريق
إلى "بيروت"غطّى كادر الصورةِ–هذه المرة- ضباب ذلك "الفراغ" الذي
اتّشحت به الشوارع.. العمّ ماهر اتجه بعائلتهنحو "الحدود" السورية اللبنانية،
ضارباً بعرض الحائط "احتمالات الموت تلك"! فيما حمَلَ صندوق سيارته حقيبة
صغيرة (hand
bag)، تحتوي ملابس
"صيفية".. و"صيفيّة" فقط! وبعض المستلزمات الشخصية..
لقد
"كان الأمل بالعودة القريبة كبيراً جداً".. لاسيما وأن كل المعطيات تقول
:"إن فلسطينيي المخيمات هم أبعد ما يمكن أن يكونوا عن مرمى "الأهداف السورية
السورية" لدواعٍ "أُممية"!
- "إنه تغريبُ التغريبة" همَسَ أحمد يحاكي تلك "المسافة
الضوئية" بين ذكريات طفولته في أزقة "اللجوء" بمخيم اليرموك، ولجوئه"
الجديد ذاك إلى حيث المساحة مفتوحة لكلُّ التوقّعات..
يقول
أخوه محمد :"أحمد بدا متوتّراً للغاية، وصارَ يلْعنُ كلَّ ظالم.. لقد ضمَّ كتُبه
إلى صدره، وقال:"يا الله شو كنت مشتاق للسنة التالتة.. شو كنت مشتاق أرفَعْ راسَك
يا بابا".. سبعةُ أيامٍ فقط.. وبدأت ساعة "الحياة" تذرِفُ دموع
"آخر الوقت".. لقد عاد مع والده إلى هناك.. إلى حيثُ القدَرُ "انتَظَرْ".
السابع
والعشرون من آب/ أغسطس 2012م.. "وداعٌ" حمَلَ ألفَ "لماذا؟"..
تلك الدموعُ التي انهمَرَت "حارّةً" جداً من مقلتيّ "محمد" تشبّع
بها قميص "أحمد" الذي ضحِكَ ممازحاً أخاه :"شو يا محمد حسّستي ما راح
نرجع.. كلهم كام يوم"..
في ذلك
اليوم ازداد الوضع السّوريُّ تأزُّماً.. ولم يصدّق أحمد نفسه أبداً حين وصَلَ
"اليرموك" بحفظ "قل هو الله أحَدْ".. لم يتخيَّل أنه سيعود من
جديد ليعانق "تفاصيل" غرفته الصغيرة.. وتلك الحارة التي كان أطفال الجيرانيستقبلونه
على رأسها بكُرةٍ تُصيبُ جبينه دائماً "من دون قصدٍ كما يُقسِمون".. ذلك
المكان بدا يومها "شاحباً" كوجوه كل من تبقّى فيه "مرابطاً" في
الطريق نحو "الجنة"!
كان
الاتفاق بين أحمد ومحمد يقضي بأنيخضع الأول للأربعة امتحانات الأساسية.. لا بل
"وأن ينجح فيها بتفوّقٍ" أيضاً، وأن يُهمِل الامتحان الأخير "وكان امتحان
لغةٍ إنجليزية" لأنه لن يضيف أو يُنقِصَ من المعدَّلِ شيئاً.. وكان الهدف من ذلك:
"التعجيل" بعودته مع الوالد إلى أحضان "بيروت" حيث تلك العيوناشتاقَتْ
لمْسَ "الأمان"في دفء كفّيه.
مضت
أيام الامتحانات شبه عادّية، وكان "الفيس بوك" وسيلة التواصل الوحيدة
"إذا ما توفّرت الكهرباء" بين العائلة وأحمد وأبيه..
- شو يا أحمد؟ طمّن قلوبنا حبيبي كيفك؟ وكيف البابا؟ وكيف قدّمت؟ ان
شاء الله كل شيء تمام؟
- لا تقلقو نحنا بخير الحمدلله، وان شاء الله بنشوفكم على خير قريبا.
وفقط!!
يؤكّد محمد أن أحمد كان يختصر حديثه معهم "وهذا ليس من طبعه" بكلمة
"الحمد لله"، فيما كانت الأخبارُ كلُّها تحكي أن "شللاً أصاب مخيم اليرموك،
وأن أهلاً منه نزحوا.. وأن "ناراً" أضرمها الحقدُ فيه"..
يقول
:"في اليوم الذي كان من المفترض أن يقدّم فيه أحمد آخر امتحاناته، كلّمتُه عن
طريق الفيس بوك لأن شبكة الاتصالات الأرضية كانت متعطلة، فصدَمني بخبر : والدي الذي
كان يعمل مسئول الصيانة في معهد تدريب دمشق، كان لديه بعض العمل يريد استكماله، ولذلك
سيمكثون في سوريا يومين آخرين.. وللدقة حتى 6-9-2012م".
- طيب يا أحمد الوضع خطر.. ومعظم الناس تركت المخيّم.. إيمتا راجعين؟
كانت
كل مرةٍ يتقابل فيها الاثنان عبر "الفيس بوك" تعني أن كل واحدٍ منهما عليه
أن يقول كل ما لديه، وأن يتّفق مع أخيه على كل شيء لعلَّ الاتصالات تُقطَعُ فجأة..
"وتصير الأخبار بذلك حكراً على الجزيرة فقط!".
قال
أحمد :"سوف أستغل الوقت وأدرس لامتحان اللغة الإنجليزية، إنه في نفس اليوم الذي
سيُنهي فيه والدك عمله".
أجابه
محمد بعصبيّة :"إذن لا تعودا إلى المخيم حينذاك، انتهِ من امتحانك، واذهب إلى
المعهد عند بابا، ومن هناك تعالا إلى لبنان فوراً... آه صحيح، لا تنسَ، بمجرد أن تصلا
إلى الحدود اتّصل بـ ماما.. آه لا تنسَ، اجلب لنا معك بعض الملابس الإضافية فقد يطول
مكوثنا هنا.. وصحيح : لا تنسَ ذلك الرباط الأسود.. مفهوم؟!"..
أحمد
بطبيعته "المرحة" ضحِكَ بأريحية.. لقَدْ تذكّر ذلك الرباط الأسود، الذي اشتراه
برفقة محمد من قسم القدس في معرض دمشق الدّولي الأخير.. اشترَيا اثنين، واحداً لكلٍّ
منهما.. واتفقا ألا ينزعاهحتى تعود "فلسطين".. ويعودوا!
"الرحيل" إلى "الرحيل"
بيروت/
إنه "اليوم الموعود".. فجر الخميس (6-9-2012م):-صباح الخير ماما.. خالتو.
-صباح الورد حبيبي محمد.. بتحب أحّضرلك الفطور؟
-لا ماما يسلموإيديكي.. والله ما إلي نفس، راح أستنى بابا وأحمد.. ولما
يوصلوا باكلمعاهم.
كانت
أم محمد برفقة أختها، تدندِنان معزوفة "الشوق" في انتظار "الأحبة"..
في المطبخ.. تلك "المملكة" التي لطالما جمَعت ذكريات "عائلة" كان
لها في "اليرموك" بيت!
"إنها الثامنة والنصف.. لقَد بدأ امتحان أحمد.." قالها محمد
بعد أن جلَسَ في الصالة القريبة، ووضع حاسوبه فوق ركبتيه.. وبدأ "التشغيل":
- يا الله.. اشتباكات عنيفة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين..
هذا
الخبر لم يحرّك من مكانه ساكناً حتى التاسعة والنصف "موعد انتهاء الامتحان"..
لتتوالى الأخبار بعد ذلك:
في العاشرة
إلا ربع : اشتباكات عنيفة في شارع "الجاعونة".. شعَرَ "محمد" وكأن
قلبه طار من مكانه ليحطَّ هناك، قربَ كل أصحابه الذين صاحوا :"هنا بيوتنا، ولا
مأوى لنا إلاها.. الموتُ موتُ أينما كان.. ونحن سنموتُ هنا".. لكنه كان مطمئناً
لأن "أحمد" وأباه هما بكل تأكيد ليسا في المخيّم.. إنهما في الطريق جهة الحدود..
عند
الحادية عشرة.. ترَكَ "محمد" الذي بدأ قلبه يدقُّ بقوةٍ حاسوبه، واتجه يسألُ
أمه :"هل اتصل أبي أو أحمد؟" قالت :"لا".. فعاد يتابع الأخبار..
وضغطَ زرّ "التحديث":
(سقوط قذيفة في اليرموك قرب "أجبان المساء").. ومقابل ذلك
المتجر كان بيتُ عمه.. ثم جاء الخبر التالي :(استشهاد الشاب أحمد الخطيب)!!!
صرَخَ
محمد "لأأأ".. وسقَط الحاسوب أرضاً.. في تلك اللحظات، اتّجَهت "التوقعات"
ربما بـ "أنانيةٍ" غير مقصودة نحو "أحمد" ابن عمّ محمد وليس إلى
"أخيه" لاسيما وأن أحمد ووالده تركا سوريا كما كان الاتفاق...
الاتصالات
تزاحمت على رقم "العم" و"ابن العم" للتأكد من الخبر، ولا مجيب..
لكن "مالك" (15 عاماً) وهو الابن الأصغر لماهر الخطيب.. قرّرَ الاتصال على
رقم "أحمد ماهر الخطيب".. أخيه!
- آلو.. آلو.. من أنت؟.. أين أحمد؟
الرجلُ
الذي ردّ على الهاتف لم يكُن أحمد.. أجاب :"يا أخي هذا الجوال وجدته على الأرض
هنا في الجاعونة.. يبدو أنه سقَط من يد أحدهم بعد سقوط القذيفة"!! وانقطَعَ الاتصال!!
- آلو.. آلو.. يا عمو رد يا عمو.. بترجاك طمّن قلوبنا يا عمو... لكن
للأسف لم يُجب مالك آنذاك إلا صوتُ صدى ذلك العم "المجهول" يردد :"بعد
سقوط القذيفة.. بعد سقوط القذيفة..بعد سقـ....!!"
بين
عبَرات (أم محمد) وتلك "الصدمة" التي أخرَسَت "مالك" عن أي كلمة..
وارتجاف حروف الضاد على لسان "محمد"، دخَلَ زوج الخالة.. "صديق الوالد
العزيز".. دخل عليهم أصفرَ الوجه..
يقول
محمد :"تخيلوا رجلاً بعمر الخمسين، يبكي بوجعِ طفلٍ تاهَ عن أمِّه"..
جرى
محمّد نحو زوج خالته، وجثم على ركبتيه يقبّل يده.. يتوسّل فيه الجرأة أن ينطِق
:"عمو ببوس إيدكاحكيليشو اللي صار؟ وين أحمد.. وين بابا".
بعدها
–يكمل محمد- غبتُ عن الوعي حتى الرابعة عصراً.. لم أشعر أن أحداً دخل البيت.. لم أشعر
إلا بكلمة عمي (زوج الخالة) يخبرني :"أنت رجل البيت.. أحمد استشهد يا حبيبي"..
"غلبتني يا أحمد"..
كانت
الصورة "ضبابيةً" بعض الشيء.. إنها أمه تبكي، ولكن انتظروا.. من هنَّ أولئك
النساء حولها؟! ولماذا يقرأ الشيخ القرآن في بيتهم؟ ومن هم الرجال الذين يصافحونه واحداً
تلو الآخر؟... في غمرة ذلك كله سمِعَ محمد إحداهنَّ تقول لأمه :"الله يعينك يا
أختي.. والله ضربة وحدة بالراس بتوجع... كيف ضربتين؟!"..
لحظتَها
–كما أخبرته العائلة بعد أيام- صارَ يصرُخ :"من الاثنين؟ مَن الاثنين؟..."،
وغاب في ملكوت الله عن الدنيا وما فيها حتى عصر اليوم التالي.. ليتلقّى الخبر كاملاً
:أحمد وماهر الخطيب شهيدين رويا بالدم ثرى "اليرموك" الصامِد..
• ولكن "ما الذي أرجَعَهُما إلى اليرموك؟".. هذا بقيَ السؤال
"اللغز" حتى حلّهُ جارٌ لهم هناك، اتّصَل بالعائلة في بيروت "مُعَزِّياً"
واسمه حازم:
- بعد أن ودّعَنا الأستاذ ماهر وابنه الدكتور أحمد، عادا فجأةً.. وكنتُ
أنا برفقة سعيد السهلي والعم أبو عبد الله وأولاده نجلس عند المصطبة القريبة.. ولحظَةَاقتربا
منا سألَ أبو عبد الله العم ماهر :"شو اللي رجعكم يا أبو محمد.. الوضع مش متحمل!"كلُّ
ما أتذكّره هنا أن العم ماهر ابتَسم... وفَقَط
ولكن
قبل سقوط القذيفة.. هل تعلمون ماذا أجاب "أحمد" صديق طفولته "حازم"
عندما سأله :"شو رجّعك دكتور؟".. قالَ له :"كُنت دايما تغلبني باللعب..
بس اليوم أنا اللي جاي أغلبك".. قالَها وصَعَدَ إلى العلياء.. برفقة أبيه وابن
السهلي.. (انتَهَت القصّة)..
المصدر:
صحيفة فلسطين