تحت ظلال الصّواريخ
بقلم: صلاح حميدة
زيارة عدد من قادة حركة "حماس" لقطاع غزّة والرّؤية التي صاغتها الحركة والمواقف التي أطلقها رئيسها، والمشهد الّذي رُسم في ساحة الكتيبة " الخضراء" وتبعات ذلك المشهد على الواقع المحلّي و الإقليمي والدّولي، كل هذه كانت من وحي انتصار المقاومة الفلسطينيّة وترجمة لها.
تحوّلت حركة "حماس" في هذا المشهد من حركة مقاومة إلى حركة تحرر وطني، فقد حرصت على استيعاب كل أطياف الشّعب الفلسطيني السّياسيّة والدّينيّة والمجتمعيّة، وهي في قمّة انتصارها على العدو تتواضع لإخوانها في الوطن وتحتضنهم وتمضي معهم لطي صفحة الخلافات والانطلاق لكتابة صفحة التّحرير البيضاء، وقد كان أداء مشعل وحركته مرضياّ لدرجة دفعت القيادي الفتحاوي زياد أبو زياد للإشادة به واعتبار أنّ قيادة الشّعب الفلسطيني ستؤول لهذا الرّجل، ودعاه للاستمرار في هذه السياسة الرّحبة وعدم الانكفاء لضيق الحزبيّة، في حين أكّد خالد مشعل في خطابه أنّ حركته تبحث عن شراكة مع حركة "فتح" ولا تبحث عن إقصائها، وتعمل على بناء شراكة مع كل الفصائل والقوى والشّخصيّات الفلسطينيّة، ودعا إلى التّرَفُّق في استخدام العبارات في الخطاب البيني الدّاخلي، قائلاً :- " ما المانع من التّعبير عن أصلب المواقف بأرقِّ العبارات" وهذه أيضاً تنطبق على الخطاب السياسي العام، بعد أن أعرب عن أسفه لمن أساؤوا الظّن بحركته.
دخول مشعل قطاع غزّة تحت ظلال صواريخ المقاومة، تبعه دخول له في المنصة من باب صاروخ المقاومة، فقد أرادت الحركة إرسال رسالة واضحة بأنّ السياسة لا تمر إلا عبر فوّهة الصّواريخ، وأنّ دخول الوطن يكون فقط تحت ظلال الصّاروخ، وأنّ الاحتلال يرتدع فقط من قبل الصّاروخ، وأنّ الحقوق لا تستعاد إلا بقوّة الصّاروخ، وما كان كلام خالد مشعل في هذا الصّدد إلا ترجمة لواقع، لا كلاماً في الهواء.
قدّمت حركة "حماس" إبداعات فنّيّة في منصّة المهرجان التي كانت تحفةً إبداعيةً معبِّرة عن واقع الرّؤية والانتصار، رؤية مؤسس الحركة مبتسماً لرؤية رفيقه في الجنّة " الجعبري، ينظران مبتسمين لِفِعَالِ صاروخ القسّام الذي وصل لتل الرّبيع والقدس وبيت لحم وسيدنا علي، ينظران لفتح قريب عبر مقاومة تتطور كل يوم، مقاومة موحِّدّة وموحَّدَة، في ساحة الحشد والاستعداد في كتيبة غزّة المقاتلة، فمن ربّاهم المؤسّس أطفالاً حقّقوا ما بناه خلَفُ المؤسِّس ( الجعبري) حيث أصبحوا رجالاً أشدَّاء حقَّقَوا هذا الانتصار وِفقَ رؤية وإعداد الإثنين ورفاقهما في الحياتين.
تحدّث مشعل بلغة المؤمن العارف بقرب ( الطّواف) في مدن فلسطين المحتلّة، فاختيار مصطلح ( طواف) له دلالات دينيّة في خطاب مشعل تجاه تحرير المدن الفلسطينيّة كالقدس ويافا وحيفا وصفد والنّاصرة ... الخ. وفي موازاة ذلك تحدّث بلغة الجزم والحزم والمعرفة عن تحرير مَن بقي مِنَ الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال، وهذه دلالات الحديث تحت ظلال انتصارات الصّواريخ، بالإضافة إلى تأكيده على ذلك في مناسبة ٍإضافيّةٍ في تكريم عوائل الشّهداء والأسرى.
أتاح انتصار المقاومة الفلسطينيّة للآلاف من العرب والمسلمين لكي يتنفّسوا هواء المقاومة والعيش في ظلال صواريخها وليتحسّسوا بيارق نصرها، ويقفوا في حشد كتيبتها الخضراء، وهو ما أدّى وسيؤدّي لبداية حشد الأمّة لتحرير القدس وبقيّة فلسطين، فقد عاش هؤلاء في ظلال صواريخ الانتصار و " لم يعد هناك قيمة لمن قالوا أنّ جيش الاحتلال لا يقهر، فمن لمس تقهقر وهزيمة هذا الجيش، ورأى صلابة المقاتلين في الكتيبة الخضراء سيسارع لحجز مكانه في جيش تحرير القدس وفلسطين" كما قال أحد المسؤولين العرب الّذين حضروا مهرجان الانتصار.
أظهرت حركة "حماس" أنيابها للاحتلال في مهرجانها تحت ظل صاروخ M75 ، فقد أظهرت قدرات تنظيميّة عالية، ورقابة أمنيّة أدارت حدثاً عظيماً في ظل وجود عدد كبير جدّاً من القيادات العربيّة والفلسطينيّة، وكان واضحاً أنّ غرفة عمليّات قادرة تدير هذا الحدث بشريّاً وتقنيّاً، وحرَصّت الحركة – على لسان هنيّة- على التأكيد على عمل (الآلاف من المقاومين تحت الأرض، والآلاف فوقها) من خلال الخطابات وبعض البرامج التلفزيونيّة وكلمة القسّام في الحفل، وربّما بات ساسة الاحتلال على قناعة بأنّ قرارهم بعدم الدّخول إلى قطاع غزّة كان صائباً، وكأنّهم يقولون الآن:- ( يقولوا مئة جبان ولا يقولوا الله يرحمه) أمّا جيش النّصر القادم ( نغزوهم ولا يغزوننا) فقد أظهرته الحركة للاحتلال من خلال جيش من الرّجال والنّساء والأطفال، فغزّة كلّها تحت السّلاح وتتحضّر كتيبتها "الخضراء" ليوم الفتح والنّصر القادم تحت ظلال صواريخ مقاومتها.