تحركات فلسطينية عشية القرار الظني
موقف فلسطيني موحّد وتوعية المجتمع بما يجري في لبنان والمنطقة
رأفت مرّة/ بيروت
هادئة هي المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان هذه الأيام.
هذا الهدوء هو في العادة طبيعي، ذلك أن التوتير في هذه المخيمات يكون في الغالب مفتعلاً وتقف خلفه جهات تخريبية منظمة.
التجاوزات أو التوترات الطفيفة الحاصلة هذه الأيام في المخيمات هي أحداث طبيعية عادية، مثل إلقاء إصبع ديناميت على سيارة نقل في مخيم الرشيدية، أو إشكال فردي بين شخصين في مخيم البص، أو انفجار قنبلة من مخلفات العدوان الإسرائيلي في مخيم البداوي واستشهاد فتى وإصابة ثلاثة آخرين.
الهدوء في المخيمات الفلسطينية في لبنان طبيعي جداً، لكن المستغرب فيه أنه بارز في ظل توتر سياسي كبير يعيشه لبنان واللبنانيون، وتتأثر فيه المخيمات والتجمعات الفلسطينية. لكن ماذا يحصل اليوم داخل هذا المجتمع، وإلى أين تسير الأمور؟!
الواقع السياسي
يعيش اللبنانيون اليوم، ومعهم الفلسطينيون، على إيقاع احتمال صدور قرار اتهامي في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وتشير التوقعات، لا بل المعلومات المسربة، إلى احتمال اتهام حزب الله بهذه الجريمة.
وكان من المفاجئ أن تعود الصحافة الصهيونية إلى تسريب معلومات جديدة مفادها اتهام قيادات أمنية وعسكرية سورية وإيرانية إلى جانب حزب الله، ما يشير إلى اتساع الاتهام وخطورة تداعياته، ليطرح سؤالاً بسيطاً، لكنه مهم، عن مدى توظيف القرار الدولي في الحسابات السياسية الدولية لاستهداف المقاومة خدمةً لـ«إسرائيل»؟
اللبنانيون منقسمون بين فريق يؤيد المحكمة الدولية وفريق يرفضها، وهذا ما بعث مخاوف من احتمال حدوث اهتزازات أمنية في لبنان، ذات أبعاد طائفية أو مذهبية، في ظل استحضار التجارب السابقة التي وقعت في شهر (مايو) 2008، أو الحروب الأهلية اللبنانية العديدة، وفي ظل الحديث عن توزيع السلاح في أكثر من منطقة لبنانية.
المخاوف من اشتعال فتنة داخلية في لبنان، دفعت أكثر من جهة للسعي إلى المعالجة، فأصرّ كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس الوزراء سعد الحريري على التحذير من المخاطر، وشدّد قائد الجيش العماد جان قهوجي على السلم الأهلي، وقرر مجلس الأمن المركزي اعتماد خطة الجيش اللبناني لحماية الأمن في مختلف المدن اللبنانية.
التحركات الفلسطينية
يمتدّ الواقع السياسي اللبناني إلى أكثر من جهة، لبنان دولة صغيرة المساحة، لكن امتداد الأحداث اللبنانية وارتباطها السياسي والأمني يؤثر على كل المنطقة.
من الناحية الجغرافية، يرتبط لبنان بسورية وفلسطين، ومن الناحية السياسية، يستهدف لبنان من جهات خارجية؛ لأن له تأثيراً على مستوى المنطقة والصراع مع العدو الصهيوني، وتحتل المقاومة في لبنان حيزاً واسعاً، وهي تتلاقى في أهدافها السياسية مع معسكر الصمود في المنطقة.
انطلاقاً من ذلك، لا يمكن عزل ما يجري في لبنان عن مستقبل المنطقة، وعن المناخات السياسية وحضور المقاومة والأهداف الإسرائيلية.
من هنا، برز تحرك سياسيٌّ فلسطينيٌّ قويٌّ في لبنان، خلال الشهرين الماضيين، ينبعث من زاوية الاهتمام بما يجري، وتصدّرت حماس هذا الزخم.
ورقة حماس
تشير مصادر قيادية في حركة حماس في لبنان، إلى أن الحركة نشطت في الأسابيع القليلة الماضية على خط قراءة التطورات السياسية الجارية، والتداعيات المحتملة لصدور القرار الاتهامي على المسار السياسي العام في المنطقة وموازين القوى، ومستقبل الأوضاع، حيث قامت حماس بجولات سياسية واسعة شملت أكثر من 35 شخصية سياسية وأمنية وعسكرية ودينية وإعلامية لبنانية، خلال شهر واحد، من مختلف التيارات السياسية في لبنان.
وتهدف هذه الجولات إلى تكوين صورة حقيقية عن الأحداث السياسية الجارية، وتجميع أجزاء الصورة، والحصول على معطيات حقيقية من أصحاب الشأن، ومن ثم القيام بمسعى داخل الإطار الفلسطيني للمتابعة.
وتقول هذه المصادر القيادية إنها مهتمة جداً بما يجري في لبنان لعدة أسباب، منها أن لبنان هو بلد شقيق، وأن ما يجري له ولشعبه يهمّ الفلسطينيين، وأنه وقف دولةً وشعباً إلى جانب فلسطين وشعبها وقضيتها في أصعب الظروف، وبالتالي من الواجب أن يساندهم الفلسطينيون اليوم في أزمتهم. وأبدى خشيته من أن ما يجري في لبنان من أحداث وتطورات سيؤثر بأشكال وأحجام مختلفة على المنطقة بالكامل، وليس من المصلحة أن يتفرج الفلسطينيون على هذه الأحداث.
ولفت المصدر إلى وجود 400 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيماً، و35 تجمعاً ينتشرون في مختلف المناطق اللبنانية، ويحيط بهم لبنانيون من مختلف الجهات، ما يؤكد ضرورة أن يتابع الفلسطينيون الأحداث والتطورات في لبنان، حتى لا يُزجّوا في هذه الأحداث، ولا تُنفّذ مشاريع داخل المجتمع الفلسطيني.
وربط المصدر في حماس بين ما يجري في لبنان بتدخل أميركي وإسرائيلي وما يجري على صعيد العراق وأفغانستان، وبالملف النووي الإيراني وبالدور السوري وموقع دمشق وسياستها في المنطقة، وبالتالي ما يمكن أن يحصل في لبنان يتخطى مسألة المحكمة الدولية والحدود اللبنانية.
وحدد منطلقات التحرك بالاهتمام بما يجري في المنطقة، وما يمكن أن تؤديه حماس والقوى الفلسطينية الأخرى من دور مهم في تكوين موقف فلسطيني موحد. وكذلك، فإن موقعها السياسي الفلسطيني والعربي، يساعدها في تحركها السياسي للانضمام إلى المساعي الحكيمة والعاقلة والهادفة لتجنيب لبنان الأحداث الداخلية أو على الأقل للتخفيف من انعكاساتها، حيث ترى حماس أن للفلسطينيين في لبنان موقعاً سياسياً مهماً ووزناً فاعلاً، وبالتالي عليهم أن لا ينتظروا الأفعال والتطورات حتى يتحركوا أو حتى يكون لهم موقف، بل يجب التحرك والمبادرة.
وشدد على أن الهدف الأساسي هو حماية الوجود الفلسطيني في لبنان، وتوعية الفلسطينيين على ما يجري، أقله من أجل قطع الطريق على محاولات توريط الفلسطينيين في الصراعات، أو إدخالهم في لعبة التجاذبات الداخلية. وكذلك توحيد الموقف السياسي للفلسطينيين في لبنان، وجمع مختلف القوى الفلسطينية على مصالح مشتركة، ورؤية واضحة، تحافظ على القضية الفلسطينية، وتحمي المخيمات، ولا تؤثر على مبادئ الفلسطينيين الأساسية مثل دعم المقاومة بصفتها قوة في مواجهة العدو.
موقف موحد
في هذا الإطار، طرحت حماس ورقة سياسية على «تحالف القوى الفلسطينية»، وهو إطار فلسطيني فاعل يضم ثمانية فصائل فلسطينية، حيث ناقش التحالف الورقة وأدخل عليها بعض التعديلات وتبناها، وهنا أهم بنودها:
1- التشديد على أن أمن المخيمات الفلسطينية هو جزء من أمن لبنان.
2- التشديد على أن استقرار البلدان العربية، ومنها لبنان، يمثّل دعماً أساسياً لمشروع المقاومة والتحرير.
3- التشديد على عدم إدخال الشعب الفلسطيني وقضيته في صراعات جانبية، حفاظاً على مركزية القضية الفلسطينية وخصوصيتها.
4- التشديد على وقوف الفلسطينيين إلى جانب إخوانهم اللبنانيين ودعمهم لوحدتهم الوطنية ولتوافقهم الداخلي، ولالتفافهم حول مصالح وطنهم، ورفض الفلسطينيين لكل محاولات الانقسام في لبنان.
5- تمسك الفلسطينيين بأمن واستقرار لبنان وحماية السلم الأهلي فيه، ورفض الفلسطينيين الانزلاق في الفتنة والاقتتال الطائفي أو المذهبي.
6- التشديد على أن بقاء لبنان موحداً بشعبه ومؤسساته وجيشه ومقاومته هو عامل قوة لمواجهة المشاريع الخارجية وللتصدي للمخططات الإسرائيلية ولحماية لبنان من أي استهداف معاد.
7- التشديد على حماية المجتمع الفلسطيني في لبنان، وعلى أمنه واستقراره، وابتعاد الفلسطينيين عن التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.
8- رفض استخدام المخيمات الفلسطينية للإساءة إلى السلم الأهلي في لبنان، والتشديد على حسن علاقة الفلسطينيين مع جيرانهم اللبنانيين.
9- التركيز على ثقة الفلسطينيين بقدرة اللبنانيين على تجنيب بلادهم الاستهدافات الخارجية، وعلى إيجاد الحلول للخروج من الأزمة، وعلى الاحتكام للتوافق الداخلي.
وعرضت قوى التحالف هذه الورقة على القوى الإسلامية في مخيم عين الحلوة، فتبنتها وأيدتها بالكامل، ثم عرضت على منظمة التحرير الفلسطينية، فأيدت غالبيتها، لكنها سجلت ملاحظات على شكل الإطار.
وذهبت ورقة «التحالف» إلى أبعد من ذلك، أي إلى وضع خطوات عملية، منها:
1- تأليف قيادة فلسطينية تنسيقية مشتركة في لبنان.
2- تأليف قيادات طوارئ في كل المناطق.
3- دعم اللجان الأمنية لاتخاذ إجراءات ميدانية.
4- تعزيز التواصل مع الأحزاب اللبنانية والقوى الأمنية الرسمية.
5- توفير خطاب إعلامي فلسطيني هادئ للابتعاد عن لغة التحريض.
ولهذه الغاية، نظمت حماس ندوات توعية في عدد من المخيمات الفلسطينية، وعرضت هذا التصور على القوى اللبنانية، وحظيت هذه المبادرة بدعم قوى لبنانية كثيرة.
لكن أصعب ما يمكن أن يواجهه الفلسطينيون واللبنانيون اليوم هو عمل مشترك: فتنة داخلية واجتياح إسرائيلي يُعقبان القرار الاتهامي، حينه لن يبقى الموقف الفلسطيني كما هو في الشأن الداخلي.
المصدر: مجلة العودة