القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تحليل قانوني: نشأة "الأونروا" وأهميتها في حفظ الحقوق الفلسطينية


عدنان الصباح

تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "الأونروا" بموجب المادة (7) من القرار رقم 302(4)، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر/كانون الأول 1949، لتقديم الإغاثة المباشرة والتشغيل لآلاف الفلسطينيين، الذين شردوا من فلسطين التاريخية، في أعقاب النكبة 1948.

أكدت المادة (5) من القرار 302(4) على "عدم الإخلال بأحكام المادة 11 من القرار 194، الذي يثبت حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين. كما أكدت الأمم المتحدة سنويًا منذ العام 1949 على حق العودة والتعويض، وعلى القرار 302، بما لا يدعو للشك أن إنشاء الأونروا وخدماتها للاجئين الفلسطينيين لا يعني؛ مطلقًا، التنازل عن حق العودة والتعويض.

يدعو القرار 194 إلى تطبيق حق العودة جزءًا أساسيًا وأصيلًا من القانون الدولي، وإلى عودة اللاجئين في أول فرصة ممكنة، بعد توقف القتال في العام 1948وتوقيع اتفاقيات الهدنة عام 1949، لذا يعتبر منع "إسرائيل" عودة اللاجئين حتى اليوم مخالفة مستمرة للقانون الدولي، وعدوانًا مستدامًا على حقوقهم الثابتة. كما نص القرار على إقامة لجنة توافق خاصة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "UNCCP" تابعة للأمم المتحدة، مهمتها " تسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم اقتصاديًا واجتماعيًا، ودفع التعويضات لهم”.

نشاط الوكالة

بدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر مايو/أيار عام 1950، بغرض تغطية احتياجات قرابة 750 ألف لاجئٍ فلسطينيٍ، لكن؛ نتيجة عدم تسوية قضية اللاجئين، واستمرار وجودهم وحاجتهم للمساعدة حتى اليوم، تجدد الجمعية العامة ولاية الأونروا دوريًا، وكان آخرها في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حين مدد عملها لغاية 30 يونيو/حزيران 2023.

تقدم الأونروا المساعدة والتشغيل والحماية وكسب التأييد لحوالي 5.9 ملايين لاجئٍ فلسطينيٍ، مسجلين في سجلاتها، موزعين على مناطق عملها في الأردن ولبنان وسورية وغزة والضفة الغربية؛ بما فيها القدس الشرقية المحتلة عام 1967.

تشمل خدمات الوكالة التعليم والرعاية الصحية والإغاثة، والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي، والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة. كما تؤكد القرارات على امتداد عمل الأونروا بعد عودة اللاجئين إلى "تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وتعويضهم"، وهي المهمة الأصلية، التي استمرت بعد إنشائها.

في هذا السياق؛ نذكر بالقرار 69/89 الصادر في 5 ديسمبر/كانون الأول 2014، بشأن إحصاء وتوثيق ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها، من أجل تعويض اللاجئين مستقبلًا.

تمويل الأونروا

تمول الوكالة عبر التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، التي تتباين تبرعاتها من عام لآخر، مما يؤدي إلى عجز متراكم في ميزانية الوكالة، الذي ينعكس على مستوى خدماتها المقدمة للاجئين. أعلنت "الأونروا" في تقرير ميزانية 2022، عن حاجتها إلى 1.6 مليار دولار، من أجل تمويل خدماتها الحيوية، ومساعداتها الإنسانية المنقذة للحياة، التي تقدمها لملايين اللاجئين الفلسطينيين، في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

تتميز الأونروا عن باقي أجهزة الأمم المتحدة بخاصية فريدة، إذ تستمد مرجعيتها وشرعيتها وهيكليتها الإدارية والرقابية من قرارات الجمعية العامة، تحت نفوذ الأمين العام، في حين تأتي ميزانيتها من تبرعات الدول الأعضاء الطوعية المباشرة لها، ما وفر لها الحصانة والحماية من هجمات "إسرائيل” وأنصارها، وثبت ديمومتها حتى الآن.

تعريف اللاجئ

تعرف الأونروا اللاجئين الفلسطينيين بـ "الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي لمدة عامين؛ على الأقل، قبل وقوع النزاع في 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة النزاع وهم في عوز”.

في 4 يوليو/تموز 1967؛ عدل التعريف وتوسع كي يشمل الأشخاص الذين تضرروا من حرب الـ 67، وفق تصريحها القاضي بذلك. كذلك شملت عمليات الأونروا اللاجئين الفلسطينيين في مصر، بعد صدور القرارين 2252 في يوليو/تموز 1967، و2341 في ديسمبر/كانون الأول 1967. وعدل تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني ليشمل جميع أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم.

مقارنة مع ميثاق اللاجئين 1951

تعد اتفاقية عام 1951؛ الوثيقة القانونية الأساسية التي تنظم عمل المفوضية العامة للاجئين، وتحدد مصطلح "اللاجئ" وحقوقه، والالتزامات القانونية للدول الموقعة عليها لحمايته. المبدأ الأساسي في الميثاق هو منع الإعادة القسرية، أي عدم جواز إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً لحياته أو حريته، وقد أصبح الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي.

تعرف المادة 1 (3) اللاجئ بـ "كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته، نتيجة أحداث وقعت قبل 1 يناير/كانون الثاني 1951، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لأي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، ولا يستطيع؛ أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يتمتع بحماية ذلك البلد”. في حين تنص الفقرة ج على "ينتهي شمول هذه الاتفاقية على أي شخص ينطبق عليه الفرع أ من هذه المادة (3)، إذا اكتسب جنسية جديدة وأصبح يتمتع بحمايتها"، كما تنص الفقرة د (1) على "لا تشمل هذه الاتفاقية الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

نلحظ اختلاف تعريف اللاجئ في ميثاق 1951عن تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني، الذي حافظت عليه واحتفظت بوضعيته وتعريفه الخاص، الذي يمكن اللاجئ من توريث وضعه وحقوقه لنسله في العودة والتعويض من بعده. من هنا؛ تبرز أهمية الفقرة د (1) من ميثاق 1951، لمنع أي تعارض مع تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني، الذي خصه للحفاظ على وضعه الخاص في القانون الدولي.

يؤكد فصل التعريفين على التكامل بين المهمات الموكلة لكلتا المنظمتين الدوليتين، إذ يستطيع اللاجئ الفلسطيني الذكر تسجيل نفسه ونسله في سجلات الأونروا، حتى إذا انتقل إلى خارج مناطقها، أو اكتسب جنسية دولة أخرى، حتى التسوية النهائية لحقوقه، في حين تسقط صفة اللاجئ عن أي شخص اكتسب جنسية بلد آخر وفق ميثاق 1951.

نظرت المحكمة العليا البريطانية في المادة د (1) من ميثاق 1951، وفي تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني، في العام 2002، ثم تبعها طرح قضايا مشابهة في محاكم أوروبية عدة، شارك فيها كاتب المقال ممثلًا للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان. وفرت أحكام تلك المحاكم تفصيلًا كاملًا ومفيدًا لمنظومة اللجوء العامة؛ تحت ميثاق 1951، وتلك التي فصلت للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا، ثبتت وضعهم القانوني الخاص وأهدافه. أهمية تلك القضايا أنها صدرت عن أعلى الهيئات القضائية في الاتحاد الأوروبي، وقراراتها ملزمة للسلطات المعنية في كل دوله.

الموقف الإسرائيلي

قدمت الأونروا خدماتها للاجئين داخل فلسطين منذ نشأتها حتى يوليو/تموز 1952، حين استلمت حكومة "إسرائيل” مهماتها الخدمية، ثم منحت الأخيرة اللاجئين الجنسية الإسرائيلية، دون السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم وأراضيهم الأصلية، مثل أهالي قريتي إقرث وبرعم، ما يؤكد على أن الحكومة الإسرائيلية لن تقبل طوعًا تطبيق حق العودة.

بعد احتلال الضفة وغزة في يونيو/حزيران 1967، أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية رسالة إلى مفوض الأونروا العام مفادها: "أود تأكيد موافقتنا، وحسب طلب حكومة إسرائيل، على استمرار الأونروا في مساعدة لاجئي فلسطين، بتعاون كامل من سلطات "إسرائيل” في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.. ستعمل حكومة "إسرائيل” أفضل جهودها لتسهيل مهمة الأونروا..”. كما تعدد الرسالة التسهيلات التي ستقدمها حكومة "إسرائيل” للوكالة وتذكر: "هذه الرسالة وموافقتكم خطيًا ستعتبر اتفاقية مؤقتة وتبقى سارية المفعول حتى استبدالها أو إلغائها”. وافق مفوض عام الأونروا على استمرار الوكالة بتوفير خدماتها للاجئين، على أساس مقترحات الحكومة الإسرائيلية، قائلًا "الوكالة معنية باستمرار مهمتها الإنسانية فقط"، بناء عليه استمر عمل الوكالة دون تغيير، لكن مع تدخلات ومضايقات كثيرة لا مجال لسردها الآن.

منذ عام 1949 استند موقف إسرائيلي من قضية اللاجئين إلى مبدأين، هما: عدم الاعتراف بالمسؤولية عن تهجير اللاجئين، وعدم قبول عودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم.

أرسلت الحكومة الإسرائيلية رسالة إلى هيئة التوافق الأممية؛ في 2 أغسطس/آب 1949، أرفقتها بإحاطة وزير خارجيتها؛ موشيه شاريت، التي قدمها للكنيست، تتضمن: "يجب حل قضية اللاجئين العرب، ليس من خلال عودتهم إلى إسرائيل، لكن من خلال توطينهم في دول أخرى.. ليس هناك تغيير في هذا الموقف الأساسي.. لكن؛ أعلنت الحكومة من باب المساهمة في إيجاد حل سلمي دائم، السماح لعدد محدود من اللاجئين بالعودة إلى إسرائيل"، ثم صدرت تعليمات إلى مندوب "إسرائيل” في لوزان بتحديد مساهمة "إسرائيل” بـ 25 ألف لاجئ، الذين عادوا "وفق خطة لم شمل العائلات"، هذا يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لن تعترف، أو تقبل طوعًا تطبيق حق العودة.

الموقف الأميركي

رشحت تفاصيل تقرير وزارة الخارجية الأميركية غير المنشور للعام 2012، عبر رسائل متبادلة بين وزارة الخارجية وأعضاء في الكونغرس، توحي بقبول الوزارة وجود 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني؛ رقم قريب من أرقام سجلات الأونروا. كما صدر؛ في العام 2015، تقرير مماثل صنف "سري" ولم ينشر، ورشح عنه أيضًا توافق الوزارة مع سجلات الأونروا.

أعلن دونالد ترامب بعد انتخابه رئيساً لأميركا في العام 2016 عن دعمه غير المشروط لإسرائيل، وأطلق العنان لإسرائيل كي تنفذ ما تشاء من سياسات لم تجرؤ عليها من قبل. وجدت "إسرائيل” فرصتها في الهجوم على الأونروا بقفازات أميركية.

بدأ أصدقاء "إسرائيل” العمل مباشرة على تنفيذ أجندة الحكومة الإسرائيلية، كما في الهجمة التي شنتها إدارة ترامب على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؛ منها الأونروا، التي تتهمها "إسرائيل” بتزوير أرقام وحقائق تخص اللاجئين، مدعيةً أن عددهم الحقيقي لا يتجاوز الـ 200 ألف.

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالًا عن "غاي سيكولوف"؛ محامي ترامب الشخصي ومستشاره وأحد أقوى مناصري إسرائيل، في 9 أغسطس/آب 2018، عنوانه: "محامي ترامب من النشطاء الذين يحاولون إلغاء وضع الفلسطينيين... وهذا يضعه في صف واحد مع حكومة إسرائيل”. أكد سيكولوف موقفه من الأونروا ومن تعريفها للاجئ الفلسطيني، ثم أعلنت إدارة ترامب في 24 أغسطس/آب عن قطع 200 مليون دولار، من مساعدات الأونروا، التي بلغت 350 مليون دولار في العام 2017.

بعد إعلان إدارة ترامب؛ بدأت "إسرائيل” هجمة على الأونروا ومؤسساتها في الأراضي المحتلة، في 17 أغسطس/آب 2018؛ أعلن نير بركات رئيس بلدية القدس المحتلة عن عزمه إزالة الأونروا من القدس الشرقية لأنها "منظمة سياسية" و"مدارسها تعلم الإرهاب" و "حق العودة غير قائم"، يذكر أن "الأونروا" تدير سبع مدارس في القدس الشرقية، خاصةً في مخيم شعفاط. ما تزال هذه الهجمة على الأونروا مستعرة حتى اليوم، إذ قدم أصدقاء "إسرائيل” في 15 فبراير/شباط 2023 مشروع قانون للكونغرس، يحظر تقديم مساعدات للأونروا.

تاريخ الوكالة وعملها منذ 73 عاماً وضعاها في مقدمة منظمات الأمم المتحدة المختصة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين. الوضع القانوني للوكالة وولايتها وانتاجها لسجل اللاجئين وتثبيتها للتعريف القانوني للاجئ الملزم تحت القانون الدولي، جعل الوكالة الشاهد والحارس الأمين على حقوق اللاجئين الفلسطينية، الذي لا مجال للطعن في صدقيته ونزاهة وثائقه.

هذا الوضع القانوني المبني على قرارات تاريخية للجمعية العامة والسجل الموثق والملزم الذي أعدته الوكالة جعلها هدفًا لهجوم "إسرائيل” وأنصارها، في محاولة للقضاء عليها.. ما يؤكد على أهمية دور الأونروا في تثبيت وتخليد حق العودة والتعويض، حقًا فرديًا للاجئ الفلسطيني، لا يسقط بالتقادم ولا بالتفاوض، وليس هناك تفويض أو صلاحية لأي سلطة كانت بالتنازل عنها.