القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تحليل لغة الجسد في المؤتمر الصحفي لنتنياهو ويعالون (*)

تحليل لغة الجسد في المؤتمر الصحفي لنتنياهو ويعالون (*)

بقلم: حسام شاكر*

· نتنياهو ظهر في حالة مكابرة ومشهد يعالون كأنه في جلسة مساءلة

· التصنّع سيّد الموقف في المؤتمر الصحفي ومنطوق نتنياهو غير متوافق مع نفسيّته

ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحفي ليل الأربعاء، 20 آب/ أغسطس 2014، في حالة مكابرة واضحة، وبدا متصنِّعاً وغير متوافق في ظاهر حركاته وإيماءاته مع نفسيّته الداخلية. أمّا الوزير موشيه يعالون فتشكّلت إشارات توحي وكأنه في جلسة مساءلة في خريف المنصب الرسمي، محاولاً التملّص من حالة حرج إزاء الجمهور، مع محاولات حثيثة منه لم تنجح في ضبط انفعالات نصفه الأعلى الظاهر فوق الطاولة.

يمكن قراءة ذلك في سياق مؤتمر صحفي تبريري، تمّ فيه التملص من شؤون الميدان إلى جوانب سياسية وعلاقات إقليمية؛ بل إلى تطوّرات ميدانية خارج جغرافيا فلسطين المحتلة، مثل ما يجري في العراق وسورية ومحاولة تشبيه بالحالة في قطاع غزة.

لقد أمعن نتنياهو في مؤتمره الصحفي ليل الأربعاءـ في محاولة استحضار مهاراته المعروفة عنه في الأداء ولغة الجسد، لكنه بدا في حالة غير متوافقة مع الذات بالمطلق. فقد ظهر متصنِّعاً بوضوح، وكأنه يتقمّص دور القيادي المتمكِّن، دون أن ينجح رأس القرار الإسرائيلي في نفي العجز عن موقفه الميداني.

والإشارة الأهم في لغة جسد نتنياهو ليل الأربعاء، أنه قدّم جبهة رأسه وأرجع ذقنه إلى الخلف، وذلك في معظم وقت المؤتمر الصحفي. يُفصح ذلك عن حالة مُكابرة دفاعية غير واقعية، فالجسد في وضعية انسحاب خلفي، بينما جبهة الرأس تتقدّم في وضعية عناد ومكابرة.

ويمكن قراءة رسائل متعدِّدة في نظرات نتنياهو التي خرج بها على الجمهور، منها التوتّر الكامن المشبّع بروح انتقام. كما لا يمكن الحكم على نظراته الحادّة من عينين جاحظتين على غير عادتهما؛ سوى أنها مُفتعلة للغاية ولم تنجح في إظهار أيّ تصميم.

وفي تحليل لغة الجسد مع السياق المنطوق، ينسجم ذلك مع حالة التصعيد اللفظي التي برز فيها نتنياهو، دون أن يبرهن في مضامينها النصيّة على منطقية تصعيده هذا بالمعطيات الواقعية، فلم يعرض أيّ إنجاز في الميدان مثلاً، كما لم يعلن عن أيّ هدف قابل للتحديد يسعى إليه في كلّ ما يجري.

إنّ مشهد التصنّع الذي غلب على بنيامين نتنياهو في ظهوره ليل الأربعاء، كان يتوافق مع انصرافه إلى زوايا متعددة من التناول في مضامين حديثه، بعيداً عن صميم موضوع الساعة المتمثل بالواقع الميداني المتصاعد بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.

وفي لغة جسد رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال حديثه المستفيض عن "داعش" مثلاً، وهي إشارة موجّهة لتبرير العجز الميداني أمام المقاومة الفلسطينية أسوة بإعلان دول كبرى عن عجزها في مواجهة ظاهرة "داعش"؛ كان نتنياهو يستدعي اللغة نفسها ذات الطابع التمثيلي المبالغ به، التي اعتاد البروز بها خلال عقد كامل في شتى المحافل خلال حديثه المألوف عن "الخطر الإيراني".

وإن حاول بنيامين نتنياهو استدعاء مهاراته المعروفة عنه في الأداء التمثيلي على منصّات الحديث؛ فإنّ موشيه يعالون، أو "بوجي" كما يسميه جمهوره، يفتقر تماماً لهذه المهارات في الظهور، ولذا بدا في حالة تقوقع وانكماش رغم تصنّعه.

لقد ظهر يعلون بإيماءات وجهه واتجاهات نظراته، في معظم المؤتمر الصحفي، وكأنه في جلسة استجواب أمام لجنة تحقيق. إنها الحالة التي يحاول فيها المسؤولون التحرّر من ضغوط النقد والمساءلة الموجّهة إليهم عن أدائهم وعن المصائر السيئة التي قادت إليها قراراتهم.

لم يتوجّه يعالون ببصره بصفة مباشرة ومستقرّة إلى من يجلسون قبالته، وكان يتقلّب بوجهه بصورة ملفتة للانتباه إلى حدّ تفحّص وجه نتنياهو الجالس إلى يساره، بل ذهب إلى حد تلقينه نتنياهو كلمات في سياق غير عسكري. يمكن فهم ذلك بمحاولة مفارقة السياق النفسي الواقعي الذي يجد يعالون نفسه فيه، وليصرف نظر المشاهدين عن نفسه أيضاً بصورة غير واقعية؛ عبر تسليط بؤرة الموقف على نتنياهو.

ولئن حاول يعالون أن يبدو متماسكاً؛ إلاّ أنّ حركات أصابعه لم تعكس أيّ ارتياح. كان واضحاً كيف عمد بشكل متكرِّر إلى ضبط حركات الأيدي والأصابع، بدفع الأنامل إلى وضعية إطباق تقابلي مفتعلة بين اليدين، وهو ما يأتي عادة لمحاولة تحييد أي تصرّف سلبي الدلالة في اليدين من خلال ضبطهما ببساطة دون حراك. لكنه كان يعجز عن الاحتفاظ بهذه الوضعية غير التلقائية، فيميل إلى تشبيك الأصابع بين الحين والآخر، أو إخفاء يد تحت الأخرى، في إشارة إلى تورية موقف أو التغطية على حقائق وكبت التوتر الداخلي. وما يعزِّز دلالة هذه الإشارات هو اضطرار يعلون إلى سحب يده اليمنى مراراً لحكّ جانبه وظهره مراراً على مرأى من ملايين المشاهدين.

(*) حسام شاكر/ الاستشاري الإعلامي - بروكسيل