تحييد
المخيمات الفلسطينية في سورية كان ممكناً
بقلم:
إبراهيم العلي
عاش
اللاجئون الفلسطينيون من سكان مخيمات سورية طوال سنين النكبة الـ 67 حياة اعتيادية
اعترتها كل صنوف الفرح والحزن والكد والإعداد ليوم يتأهبون فيه للعودة إلى ديارهم
في فلسطين، واتسمت العلاقة بينهم وبين إخوانهم السوريين بالتآلف والمحبة وتقاسم
الحياة في كل مناحيها ووصلت لدرجة المصاهرة والمشاركة في الأعمال والهموم
والحاجيات.
وحرص
الأهالي من اللاجئين الفلسطينيين البالغ تعدادهم قبيل الأزمة السورية قرابة الـ
560 ألف لاجئ على الحفاظ على خصوصية المخيمات خلال الأحداث الدائرة في سورية
والوقوف على الحياد تجاه ما يجري من أعمال الاحتجاج ضد النظام السوري، واتخذوا في
سبيل تحقيق ذلك الحياد العديد من الإجراءات العملية على الأرض والنداءات عبر
الفضاء الاعلامي المفتوح، والتي تلاقى بعضها مع رغبات بعض أطراف الأزمة في مكان
وتصادم مع بعضها في مكانٍ آخر.
في
مخيمات دمشق تم تحييد قسم من المخيمات في حين تورطت أخرى ، فلقد نؤي - مثلاً -
بمخيم جرمانا عن الصراع نظراً لعدة عوامل أهمها موقعه الجغرافي على طريق مطار دمشق
الدولي ووجوده في قلب منطقة تقطنها الأقليات الموالية للنظام كالمسيحيين والدروز،
وتوفر الإرادة لدى طرفي الصراع في ذلك لاعتبارات وتقديرات خاصة فيهما.
إن
تحييد بعض المخيمات جعلت منهما مأوىً لآلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من
مخيم اليرموك وسبينة والحسينية وغيرها من المناطق التي تشهد صراعا متواصلا في
سورية، مما ضاعف من فقرها ومعاناتها الناجمة عن الازدحام وقلة الموارد من ناحية
وارتفاع ايجارات السكن والخدمات من ناحية ثانية.
ولكن
بذات الوقت لم تفلح الجهود المبذولة لتجنيب كافة المخيمات كوارث الحرب الدائرة في
سورية التي راح ضحيتها - حتى لحظة كتابة التقرير - قرابة (3064) ضحية من أبناء
اللاجئين الفلسطينيين في سورية بالإضافة إلى مئات الجرحى ومئات المعتقلين فضلاً عن
التغيرات الضخمة التي ألمت بالمجتمع الفلسطيني في سورية على كل الصعد من حيث نزوح
معظم السكان ولجوء وهجرة آخرين وما تبع هذا من آثار سلبية ظهرت بشكلٍ واضح على
الواقع الحياتي للاجئين بكل جوانبه حتى كاد لا يخلو بيت من بيوتهم إلا وفيه معتقل
أو فقيد أو جريح أو مفقود أو لاجئ...إلخ.
فعلى
سبيل المثال لا الحصر دخل مخيم اليرموك إلى قلب الصراع السوري دون توفر أدنى رغبة
في ذلك لدى غالبية اللاجئين الفلسطينيين وبعد التجاهل التام للمناشدات المتعددة
التي نادت بتحييد هذه المساحة الجغرافية عن الصراع بمن فيها من سكان تجاوز تعدادهم
الثمانمائة الف نسمة شكل الفلسطينيون منهم حوالي الربع فقط، وذلك لاعتبارات عديدة
لدى طرفي الصراع منها ما هو معلوم للجميع كأهمية موقع المخيم عن قلب العاصمة دمشق
ومنها مازال مجهولا ً للعلن ويحتمل وجود مصلحة عليا لأعداء الشعب الفلسطيني في
تهجير سكان أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني والشتات وما شكله
من أهمية سياسية وفكرية وبشرية رافدة للثورة الفلسطينية المعاصرة.
لقد
خالفت الأحداث في سورية رغبة اللاجئ الفلسطيني في الوقوف على الحياد وعدم الدخول
إلى قلب الأزمة وحرصه على أن لا يكون طرفاً في أي نزاع داخلي بين الإخوة في الدول
العربية، وسعى إلى أن يكون عامل تطمين وتوفيق لا عامل توتير أو تأجيج، وتصادمت
ربما مع رغبة معاكسة لدى أطراف أخرى تفرض عليها مصالحها اقتناص الفرص المتوفرة في
ظل الفوضى المتعاظمة لضرب قضية اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء وجودهم في سورية من
خلال توريطهم بالأعمال القتالية كمقدمة لتهجير سكان المخيمات وتشتيتهم وافراغ دول
الطوق من أكبر عدد منهم تمهيداً لشطب حقهم في العودة إلى ديارهم في فلسطين.
المصدر:
فلسطين أون لاين