القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تراجع المؤشرات الاقتصادية للاجئين بفلسطين

تراجع المؤشرات الاقتصادية للاجئين بفلسطين

بقلم: بكر ياسين اشتية

لم يعد اللجوء داخل الوطن مقتصرا على الأراضي الفلسطينية، لكن القصة الأولى بدأت من فلسطين. فللجوء فيها عناوين وأحداث ومؤشرات نُسجت على مدى 66 عاما من التغريب، اختلفت خلالها أشكال وأحجام المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، واحتفظت خلالها بالكثير من معاني التشرد واللجوء ضمن مؤشرات اقتصادية واجتماعية، إن لم نحسن قراءتها فلن نتمكن من علاج آثارها التي أثرت سلبا على كل قطاعات المجتمع الفلسطيني.

ويبرز هذا التقرير العلاقة بين المؤشرات الاجتماعية المتراجعة في المخيمات الفلسطينية مع مؤشرات الاقتصاد الكلي من فقر وبطالة ومستويات معيشة وتعليم وغيرها، ويسلط الضوء على الإهمال الذي لحق سكان تلك المخيمات مقارنة مع باقي التجمعات السكانية، وصولا لنتيجة مفادها أن مخيمات الشتات التي باتت تشكل وفقا لبعض الحكومات العربية مصدر إزعاج بسبب عدم رغبة أو قدرة تلك الحكومات على دمج سكان تلك المخيمات مع مواطني تلك الدول، لا ينبغي أن تكون كذلك في مخيمات اللجوء داخل الوطن، فالدمج الاقتصادي والاجتماعي في هذه الحالة لا يعبّر في أي حال عن التفريط في حق العودة.

وتشير سجلات وكالة الغوث (الأونروا) إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها بتاريخ الأول من يناير/كانون الثاني 2014 نحو 5.4 ملايين لاجئ.

وهذه الأرقام تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، وقد شكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون لدى وكالة الغوث بداية العام 2014 ما نسبته 16.8% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث (907 آلاف لاجئ)، مقابل 24.1% في قطاع غزة (1.3 مليون لاجئ)، أي أن (41%) من سكان المناطق الفلسطينية لاجئون، يشكلون (26.1%) من سكان الضفة الغربية، و(65.5%) من سكان قطاع غزة.

اللافت هنا أن نسبة الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة قد بلغت 41.1% من إجمالي اللاجئين، كما ارتفع معدل الخصوبة الكلي إلى 4.4 مواليد في مناطق اللجوء، وهي النسب العليا في الأراضي الفلسطينية.

مؤشرات مستويات المعيشة والتشغيل

تشير التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى تفاوت واضح في مؤشرات الاقتصاد الكلي بين كل من تجمعات الريف والحضر من جهة وتجمعات المخيمات من جهة أخرى. فبينما بلغت معدلات الفقر وفقا لمستويات الدخل في كل من الريف والحضر (39.3%)، و(48.2%) على التوالي، بلغت في المخيمات (58.2%)، أي أن (58.2%) من الأسر التي تقطن المخيمات يقل مستوى دخلها عن خط الفقر.

وينسحب ذلك على معدلات الفقر وفقا لأنماط الاستهلاك التي بلغت في الريف والحضر (19.3%) و(26.1%) على التوالي، في حين بلغت تلك النسبة (35.4%) في المخيمات.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الفرق بين معدلات الفقر وفقا لمستويات الدخل وأنماط الاستهلاك يعبر عن الأسر التي لجأت على الأغلب للمساعدات للخروج من دائرة الفقر، وهو ما يعكس اتساع قاعدة اللاجئين ممن يعتمدون في تسيير شؤونهم الحياتية على المساعدات نظرا لعدم كفاية الدخل المتاح.

وبالنظر إلى متوسط استهلاك الفرد الشهري، نجد الرقم يرتفع في تجمعات الحضر والريف إلى (230) دولارا و(216) دولارا على التوالي، وينخفض في المخيمات إلى (166) دولارا، وهو رقم ينسجم مع معدلات الفقر المرتفعة هناك. ولعلنا نستطيع تفسير كل تلك الأرقام من خلال النظر إلى معدلات البطالة في المخيمات مقارنة مع غيرها من التجمعات السكانية.

فقد بلغت معدلات البطالة في المخيمات في العام 2013 (28.3%)، بينما تنخفض تلك النسبة في تجمعات الريف والحضر مجتمعة إلى (20.1%) لذات السنة، وهو ما يعكس مبدئيا عدم تكافؤ الفرص في التشغيل في المناطق الفلسطينية لصالح سكان الريف والحضر على حساب المخيمات.

بيّنت الأرقام الصادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية للعام الدراسي (2013-2014) تراجعا في بعض المؤشرات التعليمية في تجمعات المخيمات الفلسطينية. فمن حيث معدل عدد الطلبة في المدارس لكل معلم، بلغ الرقم (28.8) طالبا لكل معلم في المخيمات، في حين انخفض الرقم إلى (20.3) طالبا لكل معلم في باقي التجمعات السكانية. ومن حيث معدل عدد الطلبة لكل جهاز حاسوب، بلغ الرقم في المخيمات (43.3) طالبا لكل جهاز حاسوب، وفي باقي التجمعات السكانية (27.4) طالبا لكل جهاز حاسوب.

وتعكس تلك الأرقام مشاكل كمية ونوعية في مؤشرات التعليم للمخيمات، سواء من حيث الاكتظاظ في الصفوف المدرسية، أو من حيث نقص التجهيزات التعليمية المساندة للعملية التعليمية. ويزداد الأمر سوءا عند النظر لمعدلات التسرب من المدارس في الصفوف العليا (الصف العاشر فما فوق) المؤهلة للتعليم الجامعي، فقد بلغت نسبة التسرب في المخيمات (5.6%)، وفي باقي التجمعات السكانية (2.5%).

وفي ظل واقع اقتصادي متراجع، واكتظاظ سكاني هو الأعلى عالميا، وقدرة محدودة على الدمج الاقتصادي والاجتماعي لسكان المخيمات مع محيطها من التجمعات الحضرية، بات من غير المستغرب أن نلحظ تراجعا واضحا في الظروف الاجتماعية التي يعيشها سكان المخيمات في الأراضي الفلسطينية نتيجة تزايد الضغوط الاقتصادية عليهم هناك.

توزيع الأدوار

ومن غير المنصف أن نحمل جهة بعينها المسؤولية عن تردي المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لسكان مخيمات اللجوء، ولكنها مسؤولية مشتركة، لا بد أن توزع فيها الأدوار، كل حسب جهة تمثيله واختصاصه، ومن تلك الجهات أولا وكالة الأونروا، حيث بدأنا نلحظ في السنوات الأخيرة تراجعا حادا في قدرتها على تمويل نفقاتها الإغاثية في مجالات التعليم والصحة والإسكان والتموين والتشغيل، ويعود ذلك لاتساع ظاهرة اللجوء حول العالم من جهة، وتقلص التبرعات والدعم المقدم لها من دول العالم، حيث تجاوز العجز في موازنة الوكالة (25%).

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن مجموع ما تتعهد به الدول العربية لدعم الجهود الإغاثية للأونروا يشكل أقل من (7%) من مجموع الدعم المقدم لها، وبالتالي لا بد من تكثيف الجهود الرسمية الفلسطينية باتجاه حث الدول العربية على الوفاء بالتزاماتها وزيادة دعمها للوكالة، إضافة للعمل على توسيع قاعدة المانحين بإشراك دول جديدة لقاعدة المتبرعين.

ثانيا: مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، ويُلقى على عاتقها العبء الأكبر في مجالات عدة، فالمخيمات مرتبطة عضويا بمحيطها من التجمعات الفلسطينية، هذا الارتباط العضوي لا بد أن يصاحبه دمج اقتصادي واجتماعي مع ذلك المحيط، وهو الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسة الرسمية الفلسطينية.

فلا أقل من توسيع الرقعة الجغرافية الممنوحة للمخيمات لأغراض السكن والتعليم والصحة ضمن المخطط الوطني المكاني الذي أقر مؤخرا دون أن يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المكانية المتزايدة لسكان المخيمات.

فكل التجارب التنموية العالمية تثبت أن الكثافة السكانية العالية تشكل الضاغط الأكبر على كل مؤشرات التنمية الاقتصادية. وقد بينت الإحصاءات أن (23.3%) من الأسر في المخيمات تقطن مساكن تقل مساحتها عن (80) مترا مربعا، في حين تنخفض تلك النسبة في التجمعات الحضرية والريفية إلى (12.7%) و(14.9%) على التوالي.

"مخيمات اللجوء داخل الوطن لا ينبغي أن تحمل أشكال التشرد والإذلال والفصل غير المبرر لها عن محيطها، ولا ينبغي أن تكون مرتعا للفقر والجهل والمرض والجريمة"

من جانب آخر، نجد لزاما على السلطة الفلسطينية تخصيص بند في الموازنة العامة التطويرية لمخيمات اللجوء، فوكالة الأونروا وكالة إغاثية طارئة، في حين أن المخيمات بحاجة لمساعدات تنموية تطويرية لا تقتصر على طوابير الطحين والغذاء، وإنما تتعداها لطوابير فرص عمل ومشاريع منتجة.

وهناك العديد من المبادرات الإبداعية لسكان المخيمات باتجاه التمكين الاقتصادي والاجتماعي لقاطني تلك المخيمات، سواء كانت تلك المبادرات بجهود ذاتية، أم بدعم من مؤسسات المجتمع المدني، وكلها تصب باتجاه الدمج المكاني مع المحيط.

وخلاصة الحديث أن مخيمات اللجوء داخل الوطن لا ينبغي أن تحمل أشكال التشرد والإذلال والفصل غير المبرر لها عن محيطها، ولا ينبغي أن تكون مرتعا للفقر والجهل والمرض والجريمة، وأن 66 عاما من اللجوء باتت كافية لأن تُوجه الأنظار للمخيمات بشبابها وأطفالها وطاقاتها لتكون رافدا تنمويا للنسيج الفلسطيني، لا عائقا أو مصدر إزعاج للسلطات الرسمية.

* رئيس قسم الاقتصاد سابقا ومحاضر بقسم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية في نابلس بالضفة الغربية

المصدر : الجزيرة