القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تظاهرات غزة .. بين المشروعية والأجندة

تظاهرات غزة .. بين المشروعية والأجندة


ماهر حجازي

درجت العادة في مختلف الحراكات الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم أن تركب الموجة أطراف لا تعنيها معاني الحرية والديمقراطية، ولا يهمها أن يحيا المواطن في مستوى معيشي جيد تتوفر له كل مقومات العيش الكريم.

هذه الأطراف تحاول استغلال الحراكات الشعبية في تنفيذ سياساتها وتحقيق مطامعها السياسية أو الأمنية وحتى الاقتصادية، حيث تستعين بالشارع للانقضاض على منافسيها في المشهد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، فيكون الشارع هو من يدفع الفاتورة من دمائه من حيث يدري أو لا يعلم.

اليوم ما يجري الحديث عنه في قطاع غزة المحاصر، من حراك شبابي في بعض المناطق لإنهاء حالة الفقر، والوضع الاقتصادي المتأزم بفعل الحصار الإسرائيلي وعقوبات سلطة محمود عباس على القطاع، هو حراك مشروع لأي شعب في العالم ومحمي ضمن القانون، وحرية التعبير مكفولة دون المساس بالممتلكات العامة التي هي ملك الشعب كاملاً.

من المعلوم أن غزة تعاني حصاراً إسرائيلياً منذ أكثر من 12 عاماً، أدى إلى تدهور في مختلف نواحي الحياة في القطاع، حيث ارتفعت معدلات الفقر بين سكان القطاع، وانتشار البطالة بين الشباب، وأزمات متكررة في الكهرباء ونقص الرعاية الطبية ومشاكل في التعليم، والبنى التحتية؛ جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، وأزمة المعابر والسفر للعلاج أو الدراسة في الخارج.

فاقم هذه المعاناة عقوبات الرئيس المنتهية ولايته، محمود عباس، على سكان قطاع غزة؛ من خلال قطع رواتب الموظفين ومنع التحويلات المرضيّة للعلاج في مشافي الضفة والقدس المحتلة، وفرض المزيد من الضرائب على البضائع الداخلة إلى قطاع غزة من خلال معبر كرم أبو سالم، وفرض ضرائب على السولار الداخل أيضاً إلى القطاع لعمل محطات توليد الطاقة الكهربائية، مما فاقم أزمة الكهرباء في القطاع، وانعكس سلباً على حياة المواطن الغزي.

في البحث بأسباب الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وعقوبات السلطة الفلسطينية نجد أن الأمور تتجه في منحى واحد؛ هو تشديد الحصار على الشعب الفلسطيني وخنقه ومعاقبته على خياره الديمقراطي عندما انتخب حركة حماس، في 2006، لتمثله في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وهذا يقود إلى هدف مشترك بين الاحتلال والسلطة؛ هو إعادة السيطرة على قطاع غزة وإنهاء المقاومة من بوابة الحراكات الشعبية التي تحدث اليوم في القطاع وتركب السلطة وحركة فتح وأجهزتها الأمنية التي تنسّق مع الاحتلال فوق أعناق الشعب الفلسطيني المقهور في قطاع غزة بفعل الحصار الإسرائيلي السلطوي.

من المحزن هذه المشاهد التي تخرج من قطاع غزة للتظاهرات والمواجهات مع الأجهزة الأمنية وتكسير الممتلكات العامة للمواطنين التي لا تعتبر من حرية التعبير؛ فهي اعتداء على ممتلكات الشعب وليس ممتلكات حماس.

المتابع للتغطية الإعلامية من خلال تلفزيون فتح "فلسطين"، يشعر وكأن الأحداث في فلسطين ليست إلا هذه التظاهرات التي حُرفت عن مسارها الطبيعي والمحق، سقوط أخلاقي ووطني ومهني عندما يتم حرف البوصلة وبث الفتنة في قطاع غزة، في حين يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ذات اللحظة في عدوانه على المسجد الأقصى المبارك والمرابطين.

وليس مستغرباً على إعلام التنسيق الأمني أن يواصل نسج الأكاذيب والتحريض على قطاع غزة ومقاومته، تلبية لسياسة محمود عباس في إعادة السيطرة على قطاع غزة من بوابة سلخ الحاضنة الشعبية عن المقاومة، بعد فشل الحصار الإسرائيلي في تحقيق ذلك منذ 12 سنة، ولتتبعها عقوبات عباس في ذات الخسارة.

كذلك محاولات السلطة إشاعة الفوضى الأمنية في قطاع غزة؛ من خلال بعض أعمال الشغب التي حدثت، ونذكر هنا الاعتداء على مقر تلفزيون فلسطين في غزة، والذي أثبتت التحقيقات أن عناصر من حركة فتح قطعت سلطة رام الله رواتبهم هم من اعتدوا على مكتب تلفزيون فلسطين؛ في محاولة انتقامية من قطع رواتبهم.

سياسة سلطة رام الله لا تكتفي بدعم التظاهر ضد حركة حماس في قطاع غزة، بل تهيّئ الظروف لمثل هذه الاحتجاجات؛ من خلال تشديد الأزمات الإنسانية في القطاع، وفرض العقوبات، وقطع الرواتب عن الموظفين، وفرض المزيد من الضرائب على المواطن الغزي.

لذا من الطبيعي أن تكون الاحتجاجات ضد من يحاصر قطاع غزة ويعاقب الشعب الفلسطيني ويضيّق عليه في مختلف نواحي الحياة؛ من الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وهنا جاء حراك "ارحل" في قطاع غزة يطالب محمود عباس بالرحيل.

كذلك من حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة المحتلة أن يعبّر عن رأيه بكل حرية وشفافية دون المساس بالأملاك العامة، ومن حقه أن توفَّر له الحماية الأمنية للتظاهرات والتجمّعات السلمية.

لا شك أن التفاهمات بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصرية حول تخفيف الحصار على قطاع غزة كانت بمنزلة صفعة في وجه العقوبات التي فرضها محمود عباس على القطاع، والتي قلّلت من قدرة العقوبات على المزيد من الضغط على الشعب الفلسطيني للانقلاب على حماس والمقاومة الفلسطينية.

وستشكل أي انفراجة أو تفاهمات قادمة بملف الحصار ضربة جديدة لسياسة السلطة الفلسطينية في أدوات الابتزاز اللاوطني للعودة إلى قطاع غزة، والتي ليس آخرها تصريحات قيادات السلطة في دعم التظاهرات في قطاع غزة بالمال، ومن قبلها تشكيل حكومة فتح برئاسة محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، التي تعمّق الانقسام الفلسطيني وتنسف كل الاتفاقيات الموقّعة بين حماس وفتح حول المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، وربما تنهي الأمل في أي مصالحة فلسطينية.

المطلوب اليوم خريطة طريق للخروج من الوضع الراهن في قطاع غزة خصوصاً، والمشهد الفلسطيني عموماً؛ تتمثّل في الإجماع الوطني الفلسطيني الفصائلي والشعبي في القطاع على ضرورة الوحدة الوطنية والتماسك في ظل ما يُحاك لقطاع غزة من محاولات إسرائيلية بالتنسيق مع سلطة رام الله لركوب موجه التظاهرات والعمل على ضرب المقاومة الفلسطينية وإنهاء حالة الإرباك العسكري والأمني الذي يتسبّب به قطاع غزة للاحتلال والسلطة معاً.

ثانياً لا بد أن يكون هناك حراك مشترك من قبل الفصائل الفلسطينية ووجهاء العشائر في القطاع لتهدئة الشارع الفلسطيني والتحذير من الفتنة القادمة من رياح الاحتلال والسلطة، وكذلك الإفراج عن المعتقلين في الأحداث الأخيرة.

كذلك رفع وتيرة فعاليات مسيرات العودة الفلسطينية الكبرى في قطاع غزة، والدعوة لأوسع مشاركة شعبية فلسطينية فيها، لأنها ستكون الرد الأقوى على الاحتلال والسلطة؛ لكونهما من المعاديين لمسيرات العودة التي أربكت حساباتهما، وحققت العديد من الانفراجات للشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ من خلال التفاهمات التي عُقدت بين فصائل المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال برعاية مصرية، والتي لم يلتزم بها الاحتلال بشكل كامل.

أيضاً يُفترض أن تتحمل جميع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة المسؤولية عن تدارك هذه الفتنة التي لا تستهدف حركة حماس وحدها، بل تستهدف الكل الفلسطيني، وفي مقدمتها المقاومة الفلسطينية.

فاليوم؛ الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، والفصائل الفلسطينية، والنخب والأطر، الجميع مدعو لوضع حد لهذه السلطة وتفرّد محمود عباس بالقرار الفلسطيني الذي يقود القضية الفلسطينية إلى الهاوية، اليوم لا بد من مؤتمر فلسطيني جامع على أساس التمسك بالثوابت الفلسطينية والوحدة وإنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين.

مؤتمر ينهي حقبة السلطة الفلسطينية والتفرد بالقرار الفلسطيني، ويعتبر شرارة الثورة الفلسطينية في وجه الاستبداد الأوسلوي، يكون الشعب الفلسطيني فيه صانعاً للقرار وشريكاً في اختيار من يمثّله في قيادة الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس.

* كاتب صحفي

المصدر: الخليج أون لاين